قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن quot;يكشفquot; مواقع خصومه الذين لن يجاروه الرأي في تعديل المادة المتعلقة بسن الإقتراع في المجالس الإنتخابات لخفضها من 21 سنة إلى 18 سنة، وذلك في جلسة لمجلس النواب دعا إلى عقدها الإثنين المقبل، قبل أن يجره مشروع التعديل هذا إلى سجال ليلي وعلني مفاجىء اندلع بينه وبين النائب ميشال عون.

بيروت: سجال ذكّر بما كان بين الرجلين قبيل الإنتخابات النيابية الماضية في حزيران/ يونيو 2009 بسبب تنافسهما على ثلاثة مقاعد مخصصة للمسيحيين في قضاء جزين. علماً أن تلك الجولة انتهت لمصلحة عون إذ ضم تلك المقاعد إلى كتلته الكبيرة بدعم من حليفه الشيعي quot;حزب اللهquot;.

ففي تلك الحقبة وصف عون بري بأنه quot;حليف حليفيquot;، والواقع أن هذا الوصف البارد للعلاقة بينهما لم يتغير ولا يزال صالحاً للإستعمال بسبب من انعدام quot;انسجام كيميائيquot; يعود إلى زمن بعيد، لكن تدخل quot;حزب اللهquot; لرأب الصدع بين حليفيه كان ناجحاً باعتبار أن له quot;مونةquot; على كل منهما نظراً إلى رصيد له وضعه في حساب بري وعون على السواء لتكبير حجميهما في المجالات السياسية والتمثيلية ، وإن كان ذلك على حساب الحزب الذي يكتفي في مجلس الوزراء على سبيل المثال بأن يكون له وزيران فقط في مقابل خمسة لعون.

وفي مجلس النواب كما في المجالس البلدية وكل قطاعات الخدمات الرسمية قبل quot;حزب اللهquot; بأن يتمتع الرئيس بري بحضور نافذ وكبير يفوق بكثير حجم حركة quot;أملquot; مقارنة بـالحزب الذي لا يهمه من موضوع تعيينات موظفي الفئة الأولى في إدارات الدولة - الذي شغل لبنان أياماً قبل أن يطوى موقتاً- إلا ما يتعلق بالمراكز الأمنية ، لأن هذه المراكز ذات صلة بأمن quot;سلاح المقاومةquot; . أما كل الباقي من مسائل الدولة فمتروك لحليفه بري، وإن كان الحزب يشكو ، على ما قالت مصادره لـ quot;إيلافquot; من محسوبيات وحسابات ضيقة لئلا تقول quot;فساداquot;، يجري في المؤسسات الرسمية بتغطية من quot;أملquot;.

والحاصل اليوم أن طرحين متلاحقين أطلقهما بري خلال أسبوعين تصدى لهما على التوالي quot;حليف حليفهquot; عون الذي أدرك بسليقته أن معركة سجالية مع رئيس مجلس النواب وحركة quot;أملquot; تفيده شعبيا على أبواب معركة انتخابات بلدية يمكن أن تحصل في حزيران/ يونيو المقبل بعد إرجائها شهرا، الطرح الأول يقضي بتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية والثاني بخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة، واضطر الرئيس بري إلى الرد على عون بعدما تناوله في حديث عبر القناة التابعة لتياره quot;أو تي فيquot; . وكان الرد عنيفاً وصف فيه عون بأنه quot;جاهلquot; وذكّر بأنه كان معارضاً لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الداخلية في لبنان عام 1990.

ويجمع سياسيون سألتهم quot;إيلافquot; رأيهم هاتفياً في ما ستؤول إليه الجلسة على أن النصاب فيها لن يتوافر للبند الأول في جدول الأعمال من أجل خفض سن الإقتراع، مما سيعني الإنتقال إلى بنود أخرى عادية لا تتطلب حضور 86 على الأقل من أصل 128. ولا يستبعد هؤلاء أن تبادر قيادة quot;حزب اللهquot; إلى خطوة تجمع بين حليفيها اللدودين بري وعون على غرار ما فعلت سابقاً بعد quot;معركة جزينquot; الإنتخابية.

ويقول هؤلاء إن دافع الرئيس بري إلى طرح مشروع إنشاء هيئة إلغاء الطائفية الواردة في اتفاق الطائف هو وقف الكلام على سلاح quot;حزب اللهquot;، ويذكرون بأن النائب السابق لرئيس الجمهورية السورية عبد الحليم خدام سلك سلوك بري نفسه عام 2000 عندما أطلق البطريرك الماروني نصرالله صفير نداءه الشهير لسحب الجيش السوري من لبنان ، إذ لوّح خدام وقتها بضرورة تشكيل لجنة إلغاء الطائفية عبر حديث إلى جريدة quot;الشرق الأوسطquot;.

أما دعوة بري إلى خفض سن الأقتراع فلا يرى فيها هؤلاء سوى عرقلة للإنتخابات البلدية ، وإلا لكان بري زار مرجع المعترضين عليها البطريريك الماروني في مقره في بكركي وتوصل معه إلى تفاهم في هذا الشأن يمكن أن يقوم على مقايضة ، فيخفض السن في مقابل إقرار حق اللبنانيين خارج لبنان في الإقتراع أسوة بما يفعل رعايا دول أخرى . ويذكرون بأن رئيس مجلس النواب لم يزر مقر البطريركية من سنة 2004 ، وكان زارها قبل 4 سنوات في 2000، وفي المرتين تلقى لوما سورياً شديداً.

ويضيف مراقبون إن عون في أشد الحاجة إلى معركة إعلامية يخوضها ويظهر فيها حامياً سياسيا لطائفته، ويبد بري خصماً مثالياً ومناسباً فيها. وذلك بعدما أصاب التمثيل العوني ضمور كبير تجلى في نتائج انتخابات متتالية انيابية ونقابية وطالبية أظهرت أن تغييرا ما طرأ على المزاج المسيحي العام.

وفي السياق ينقل عن مصدر مطلع في quot;التيار العونيquot; قوله إن الهزائم الإنتخابية يمكن أن تكون عاملا ايجابيا يتفاعل من خلالهquot; التيارquot; مع الشارع بعدما عكس افكاره وتطالعاته مدة طويلة وقد توقظ quot;الصدمةquot; بعض الافكار الخلاّقة التي طالما تميّز بها التيار في سيرته فيترجمها اداءً سياسياً جديداً. الا ان مسؤولية آبيرة تقع على عاتق عون شخصيا، فهو امام تحد صعب يضعه امام خيارين لا ثالث لهما: إما تجاهل كل المؤشرات وارتداداتها واستكمال الأداء السياسي والحزبي على ما هو مع تجميل الواقع وتصويره نتيجة منطقية لحرب دولية سياسية وكنسية واعلامية، وبالتالي عدم اعتراض عجلة التراجع الشعبي والتنظيم الحزبي والتواصل الاعلامي، وإما الاستماع لنبض البيئة التي يقول إنه يتحدث باسمها .

أما بري فقد تمكن، على ما يقول النائب السابق عبد الحميد بيضون الذي كان قريبا منه قبل تركه حركة quot;أملquot;، من أن يوحد المسيحيين ضده باقتراحيه اللذين لم يأبه رئيس المجلس لضرورة تأمين الحد الأدنى من شروط ظروف تحقيقهما، الأمر الذي يسيء إلى صورة رئيس البرلمان والزعيم .