في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات العراقية سعيها لسنّ تشريع يحمي المسيحيين ويمنع تغيير التركيبة السكانية للعراق، بدأ ممثلون عن الأديان والمذاهب العراقية مؤتمرا في مدينة أربيل الشمالية عاصمة إقليم كردستان بهدف ترسيخ ثقافة التعايش السلمي ونبذ القتل باسم التفرقة الدينية.


بغداد: أعلن رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي ان بلاده تعمل على تشريع قانون لحماية المسيحيين ومنع تغيير التركيبة السكانية للعراق الذي قال إنه بحاجة إلى خلق مؤسسات ديمقراطية تعنى بحقوق الإنسان ومحاربة الفساد من خلال تشكيل مفوضية مستقلة لحقوق الإنسان قريبا لارتباط هذا الموضوع باستقرار الوضع السياسي في البلاد، فيما بدأ ممثلون عن الأديان والمذاهب العراقية مؤتمرا في مدينة أربيل الشمالية عاصمة إقليم كردستان بهدف ترسيخ ثقافة التعايش السلمي ونبذ القتل باسم التفرقة الدينية.

وشدد النجيفي على أهمية نجاح الديمقراطية في العراق وقال:quot; إننا في بداية الطريق لتأسيس ديمقراطية حقيقية لأننا لانزال مثقلين بتركة الماضي ونحتاج إلى مساعدة الدول التي لها عراقة في الديمقراطية لكي نتجاوز كل العقبات الموجودة التي تعيق بناء الديمقراطية بشكل سريعquot;.

وأكد النجيفي وجود تدخلات إقليمية في العراق تحاول إبقاءه ضعيفا ولكنه أوضح أن هناك إرادة حقيقية لدى الشعب العراقي في خيار الديمقراطيةquot;.

وأضاف النجيفي في تصريحات وزعها مكتبه عقب اجتماع مع السفير السويدي في بغداد اليوم وأرسلت نسخة منها إلى quot;إيلافquot; أن هناك الكثير من المهام تنتظر مجلس النواب حتى يضع البلد على الطريق الصحيح في الإتجاه نحو الديمقراطية. وعبر عن الأمل في أن يدعم العالم الحر التوجهات الديمقراطية في العراق لبناء دولة حديثة.

وعبر النجيفي عن القلق البالغ من أوضاع حقوق الأقليات في العراق خصوصا مايتعرض له المسيحيون من استهداف مكثف معتبرا أن وراءه أجندات سياسية داخلية وخارجية وقال quot; إننا نحاول أننجعل للمسيحيين والأقليات وجودا مستمرا ومحميا بالقانون ضمن تشريعات وضوابط تمنع تغيير التركيبة السكانية في العراقquot;.

وشدد بالقول quot;لا بد أن نتعاون جميعا لمنع هجرة المسيحيين خاصة أن هناك دعوات من العالم الغربي تطالبهم بالهجرةquot; .

وأكد النجيفي أن العراق بحاجة إلى خلق مؤسسات ديمقراطية تعنى بحقوق الإنسان ومحاربة الفساد موضحا quot;أن مسالة حقوق الإنسان تقلقنا في العراق وسوف نشرع قانونا للمفوضية المستقلة لحقوق الإنسان المذكورة في الدستور في وقت قريب لارتباط هذا الموضوع في الوضع الديمقراطي واستقرار الوضع السياسي في العراقquot;.

من جانبه اكد السفير السويدي ضرورة بقاء المسيحيين في العراق كجزء مهم واساسي فيه مشيرا الى ان بين السويد والعراق برنامج سيتضاعف العمل به في جانبين : الاول يتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية والثاني بتطوير القطاع الخاص.

وقال quot;إننا نود نقل تجربة السويد في مجالات الشفافية والنظام المصرفيquot; .. موضحا quot;أن اهتمامنا بالعراق يأتي من وجود 2% من عدد السكان في السويد من العراقيين ونعمل بنشاط على إجراء زيارات لكافة أجزاء العراقquot; وأكد اهتمام السويد بإقامة افضل العلاقات مع العراق مشيرا إلى أنه على الرغم من الوقت الذي استغرقته عملية تشكيل الحكومة إلا أن المشجع هو انتخاب رئيس للجمهورية ورئاسة لمجلس النواب .

وفي وقت سابق اليوم أكد الرئيس جلال طالباني أن استهداف المسيحيين في العراق هدفه إعطاء المبررات لمحاربة الإسلام وقال إن العراق الجديد خلق جوا من الوئام والتعايش بين الأديان والمذاهب وهناك اهتمام خاص بالأديان السماوية والقوانين تكفل الحريات الدينية والمذهبية.

وأشار خلال اجتماع مع الدكتور عبد الناصرالجبري رئيس كلية الدعوة الجامعية بلبنان الى أهمية التعايش السلمي بين المسلمين والأديان الأخرى في العراق وقال quot;إن المسيحيين في العراق هم الأبناء الاصليون وشاركوا في بناء حضارة هذا البلد وتوجد كنائس يعود تاريخها إلى أكثر من 1500 سنةquot;. وأوضح أن المسيحيين تعرضوا إلى القمع و الإضطهاد في الحقبة الماضية حيث هدم النظام السابق عشرات الكنائس في منطقة بهدينان في كردستان.

وفيما يتعلق بالهجمات الإرهابية التي يتعرض لها المسيحيون قال quot;ان مآرب الإرهابين من وراء هذه الهجمات إعطاء المبررات والذرائع لمحاربة الإسلام لذا عقدنا العزم بتشجيع الإخوة المسيحيين على عدم ترك وطنهم واحتضنهم إقليم كردستانquot;.

وأضاف أنّ quot;الهجوم على المسيحيين هو هجوم على الأديان السماوية والعراق والديمقراطيةquot;.
من جانبه شدد عبد الناصر الجبري على ضرورة التعايش بين الأديان قائلاً خلال تاريخ طويل عاش المسيحيزن معنا بكنائسهم المتعددة وحتى اليهود لم يجدوا الأمن إلا بين المسلميين والإسلام بريء من هذا الإرهاب والتخويفquot;.

وتتعرض مدينة الموصل الشمالية بشكل خاص لعمليات اغتيال للمسحيين كان آخرها اغتيال مجموعة مسلحة اليوم مواطنا مسيحيا بالقرب من محل عمله شرقي المدينة.

وقال مصدر أمني إن مسلحين مجهولين فتحوا نيران أسلحتهم الخفيفة على المواطن المسيحي بالقرب من محل لبيع المواد الغذائية يعمل فيه بمنطقة القادسية الثانية شرقي الموصل ولاذوا بالفرار إلى جهة مجهولة.

وأضاف أنه تم تسليم جثة المسيحي الذي يبلغ من العمر 26 عاما إلى مركز الطب العدلي.

كما تعرضت كنيسة سيدة النجاة الواقعة في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي إلى هجوم مجموعة مسلحة تمكنت من احتجاز عشرات الرهائن من المسيحيين الذين كانوا يقيمون قداس الأحد مما أدى إلى مقتل وإصابة 125 شخصاً حيث تبنى تنظيم بدولة العراق الإسلامية المرتبط بالقاعدة الهجوم وهدد باستهداف المسيحيين في العراق مؤسسات وأفراد.

وخلال الأيام الأخيرة نزحت 40 عائلة مسيحية ، من مدينة الموصل إلى إقليم كردستان.

وقد انخفضت أعداد المسيحيين في العراق بعد حرب عام 2003 من 1.5 مليون إلى نصف المليون بسبب هجرة عدد كبير منهم إلى خارج العراق وتعرض العديد من المناطق وخاصة خصوصاً في نينوى وبغداد وكركوك إلى عمليات هجوم وقتل للمسيحيين.

وكان المسيحيون يشكلون نسبة 3.1 بالمئة من السكان في العراق وفق إحصاء أجري عام 1947 وبلغ عددهم في الثمانينيات بين مليون ومليوني نسمة وانخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينيات وما أعقبها من حروب وأوضاع اقتصادية وسياسية متردية كما هاجرت أعداد كبيرة من المسيحيين إلى الخارج بعد عام 2003.

ويضم العراق أربعة طوائف مسيحية رئيسة هي الكلدانية أتباع كنيسة المشرق المتحولين إلى الكثلكة، والسريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية والطائفة اللاتينية الكاثوليكية والآشورية أتباع الكنيسة الشرقية إضافة إلى أعداد قليلة من أتباع كنائس الأرمن والأقباط والبروتستانت.

مؤتمر لبحث التعايش الديني والتسامح الإجتماعي

بدأت في مدينة اربيل الشمالية عاصمة إقليم كردستان اليوم أعمال مؤتمر حول التعايش السلمي والتسامح الإجتماعي في العراق بمشاركة ممثلين عن الوقفين السني والشيعي ورئيس ديوان أوقاف المسيحيين وأيضا ممثلين عن الديانات الايزيدية والصابئة المندائية وعدد من الوزراء والشخصيات الدينية والحقوقية العراقية.

وفي كلمة له خلال الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الذي يعقد تحت شعار quot;الأطياف العراقية مصادر للثروات الوطنيةquot;، أكد رئيس وزراء اقليم كردستان برهم صالح أن التعايش السلمي المشترك وتثبيت حقوق جميع المكونات العراقية تعد أرضية ملائمة لمعالجة المشكلات التي يعانيها أبناء العراق حيث أن السلام هو الطريق الوحيد لتطور المجتمع العراقي.

وأشار إلى انه خلال الأعوام السابقة التي تلت عملية سقوط النظام السابق واجه العراق موجة عنف ارهابية حاولت إثارة الحرب الدينية والطائفية في البلاد quot;إلا أنه بجهود وتلاحم جميع أبناء الشعب العراقي تم منع تلك الخطط وعدم السماح بإثارة الحرب الداخلية في العراقquot;.

وشدد صالح على ضرورة حماية حقوق جميع مكونات الشعب العراقي لا سيما أبناء الأقليات الدينية الذين يتم استهدافهم بشكل مستمر من قبل الجماعات المسلحة كما حدث في مدينتي بغداد والموصل ضد المسيحيين مؤخرا.

وأكد استعداد حكومة الإقليم لتقديم كل المساعدة والدعم الممكن لحماية المسيحيين.

وأضاف أن التعايش وضمان الحقوق هو السبيل الوحيد لمعالجة المشاكل والسلام وتقدم المجتمع وقال quot;إن التنوع والتعدد هو نعمة من الله على بلادنا وإن أراده المستبدون أن يتحول الى نقمة ومصدر للتناحر بين أبناء البلد الواحدquot;. وأكد بالقول quot;واجبنا ونحن في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلدنا أن نتمسك بمبدأ أساسي وهو أن التنوع والتعددية مصدر ثراء ومصدر قوة ومصدر تماسك لاتناحر بين أبناء الوطن الواحدquot;. وقال في الختام إن كردستان جزء من النظام الدستوري الإتحادي في العراق وquot;قوتنا تكمن في حماية النظام الدستوري اإتحادي في بغداد و في نهوض بغداد ودحر الإرهابيين والمتطرفينquot;.

ومن جانبها قالت وزيرة حقوق الإنسان العراقية وجدان ميخائيل إن الهدف من أعمال المؤتمر التي تستمر يومين هو quot;بعث رسالة إلى كل أطياف العالم بأن أطياف العراق مصدر ثرائه الوطني وجماله بذلك التنوع أما الريح الصفراء فلا تأخذ معها إلا الخبث ويبقى الخير والطيب ثابتا في الأرض.

وأشارت إلى أن المؤتمر يؤكد quot;وحدتنا وألفتنا وتعايشنا السلمي وتفويت الفرصة على المتربصين لإستغلال الظروف ووضع الأوراق على الطاولة والتحدث بمنتهى الصراحة عن المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الأقليات وعن الضمانات والحقوق لمختلف أبناء الشعوب التي نص عليها الدستورquot;.

ودعت المؤتمرين إلى بحث ومناقشة مسألة التعايش المشترك والمصالحة الوطنية بشكل مفصل وأن يتقبلوا آراء الأطراف المتعددة بسعة ورحابة صدر.

وأضافت أن quot;عقد المؤتمر يعد توجيه رسالة للعالم أجمع مفاده أن المكونات العراقية مصادر وطنية وغنية وأن الوضع الأمني المتردي في العراق من شأنه أن يقوي علاقات الأخوة والتعايش المشترك بين أبناء جميع الأديان والمذاهب العراقية في أنحاء العراق كافةquot;.

ثم ألقى كل من رئيس ديوان الوقف السني أحمد السامرائي وممثل ديوان الوقف الشيعي علي الخطيب وممثل ديوان أوقاف المسيحيين عبد الله النوفلي كلمات أكدت ضرورة العمل المشترك من أجل الحفاظ على التلاحم بين أبناء الأديان والطوائف المتعايشة في العراق وضرورة تأدية رجال الدين المهام الملقاة على عاتقهم في تعميق وترسيخ ثقافة التعايش السلمي ونبذ القتل باسم التفرقة الدينية.