A statue of Lebanon's assassinated former prime minister ...

إستعادت سوريا نفوذها في لبنان ببطء وثقة لكنها تمارسه بأسلوب اكثر دبلوماسية من الحقبة التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري منذ خمس سنوات والذي أدى الى انسحاب مذل للقوات السورية.

وأجبر غضب لبناني وعربي وغربي من اغتيال الزعيم اللبناني في 14 شباط/فبراير 2005 سوريا على تخفيف سيطرتها على جارتها الاضعف، لكنها احتفظت بأصدقاء أقوياء هناك أبرزهم حزب الله الشيعي المدعوم من ايران.

ومثلما أعادت سوريا بناء نفوذها في لبنان استردت دمشق وضعها في الخارج متجاهلة جهود الغرب لعزلها وعملت على تطوير علاقات قوية مع تركيا العدو السابق.

حتى الولايات المتحدة التي قادت جهودا لنبذ سوريا توشك على ارسال سفير الى دمشق للمرة الاولى منذ سحب سفيرها بعد مقتل الحريري، غير أن الايام التي كان فيها مسؤول المخابرات السورية في لبنان يصدر أوامر قاطعة للساسة المحليين انتهت الان.

ويتذكر كريم مقدسي الذي يقوم بتدريس العلاقات الدولية في الجامعة الاميركية ببيروت تلك الايام قائلاً quot;لم يكن هناك حتى تظاهر بالدبلوماسية والشرفquot;، في اشارة الى سلوك سوريا في الاعوام التي تلت انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية العام 1990 والتي استمرت 15 عامًا، وقال quot;لبنان الان دولة ذات سيادة وهذا ليس بالشيء الكثيرquot; لكن قامت علاقة اكثر طبيعية، وهناك الكثير من الرموز الموحية.

Syrian President Bashar al-Assad delivers a speech as he leaves ...

فقد تبادلت سوريا ولبنان للمرة الاولى فتح سفارتيهما في عاصمة كل من الدولتين. وكانت دمشق تتبنى سياسة مترددة بشأن استقلال لبنان منذ الاربعينات.

وكان الأكثر اثارة للدهشة زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري لدمشق في كانون الاول/ديسمبر وهو الذي كان قد قال فيما سبق ان سوريا تقف وراء اغتيال والده ووراء عدة اغتيالات جرت فيما بعد لشخصيات لبنانية مناهضة للنفوذ السوري في بلادها، وعلى الرغم من المشاعر السلبية كانت محادثاته مع الرئيس السوري بشار الاسد ودية فيما يبدو.

وأصبح الحريري الابن رئيسا للوزراء بعد أن فاز ائتلافه المدعوم من الغرب والسعودية، بفارق طفيف على حزب الله وحلفاء اخرين لسوريا في انتخابات جرت في حزيران/يونيو، لكنه يرأس حكومة وحدة وطنية تتمتع فيها الاقلية بسلطة كبيرة.

ويساير الساسة اللبنانيون الذين كانوا يأملون أن تمنع الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية اي تدخل سوري بعد رحيل اخر جندي لدمشق في نيسان/ابريل 2005 هذا الاتجاه.

وترك زعيم الدروز وليد جنبلاط الذي كان من أشد منتقدي سوريا الائتلاف الذي يقوده الحريري العام الماضي، ليتخذ موقفًا اكثر وسطية ويتوقع أن يزور دمشق قريبا. اما بالنسبة إلى مروان حمادة مساعد جنبلاط الذي نجا من محاولة لاغتياله في تشرين الاول/اكتوبر 2004 فإن العلاقة الجديدة مع سوريا لا ترقى الى مصالحة حقيقية ولا يمكن أن تعوق عمل المحكمة الدولية التي تشكلت لمحاكمة قتلة الحريري، وقال لرويترز quot;لن أقول ان السوريين عادوا. على صعيد السياسة والمخابرات لم يرحلوا قطquot;.

وخفتت هيمنة سوريا الصريحة لكنها اتخذت شكلاً اكثر دهاءً من خلال حق النقض الذي يتمتع به حلفاؤها في حكومة بيروت، وكرس حق النقض هذا في اتفاق سياسي لبناني أبرم في قطر بعد أن سيطر مقاتلون موالون لحزب الله لفترة قصيرة على معظم بيروت في مايو/ايار 2008 في استعراض للقوة.

ويحاول معظم الساسة اللبنانيين الان تحسين علاقاتهم مع سوريا، ويجري الرئيس اللبناني ميشال سليمان قائد الجيش السابق مكالمة هاتفية أسبوعيًا مع الاسد. وتحدث الحريري بالهاتف مع الزعيم السوري عدة مرات منذ زيارته لدمشق.

وقال مقدسي quot;متى يجتمع السوريون والسعوديون معًا يرقص الساسة المحليون على أنغام موسيقاهمquot;، وأضاف أنه كان على الساسة المناهضين لسوريا تقديم تنازلات لانهم أدركوا أن لبنان ليس quot;مركز الكونquot; وأن زعماء الغرب لن يأتوا لانقاذهم.

وقال حمادة ان سوريا تعتبر نفوذها في لبنان ورقة رابحة في اي مفاوضات مع الغرب واسرائيل. وما زال الغرب يريد منع لبنان من السقوط تحت سيطرة سوريا مجددًا. ويقول حمادة quot;لكن كل شيء في هذا العالم الان نسبي خاصة الاستقلال والسيادةquot;.

وقد يسعى السوريون الى تجنب عجرفة الماضي حتى ان الاسد اعترف العام الماضي في مقابلة مع جريدة السفير اللبنانية بأن quot;أخطاء ارتكبتquot;، لكن التقدم قد يكون بطيئًا على صعيد اجراءات يعتبرها الحريري ضرورية لتعزيز علاقة طبيعية بين دولة ودولة.

ومن بين هذه الاجراءات ترسيم الحدود السورية اللبنانية وازالة قواعد المقاتلين الفلسطينيين الموجودة على جانبيها واصلاح المعاهدات الثنائية والحصول على معلومات بشأن لبنانيين مفقودين قيل انهم اختلفوا مع السوريين خلال الحرب الاهلية.

وتوقف الحريري عن اتهام سوريا علنًا بتدبير تفجير ضخم أودى بحياة والده و22 اخرين قائلاً انه سينتظر النتيجة التي تصدر عن المحكمة التي تدعمها الامم المتحدة.

وكان المحققون قد أشاروا في البداية الى تورط مسؤولين أمنيين سوريين ولبنانيين لكن المحكمة لم توجه اتهامات بعد لأي مشتبه فيهم ويقول منتقدون انها فقدت الزخم فيما يبدو.

وقال المعلق اللبناني مايكل يانغ ان الولايات المتحدة وفرنسا وكانتا معاديتين لسوريا حينذاك قادتا جهود انشاء المحكمة لكن لهما الان أولويات أخرى، وأضاف quot;اليوم لم نعد في وضع يسمح بأن نرى المحكمة تتهم سوريا او اي احد اخر. بالنسبة إلى كثيرين في المجتمع الدولي المحكمة مصدر ازعاج اكثر من كونها اي شيء اخرquot;.

ويقول مقدسي الاكاديمي ان المحكمة مستقلة لكنها قد لا تكشف ابدًا الحقيقة وراء اغتيال الحريري، وأضاف quot;تستطيع على الارجح أن تعتبر هذه جريمة قتل أخرى لم تحلquot; مشيرًا الى تعدد الاغتيالات التي أفلت مرتكبوها دون عقاب وارتكبت خلال وبعد الحرب الاهلية اللبنانية.