أدى تنامي الإحتجاجات والثورات في الدول العربية إلى انتشار مناخ من الحرية لم تشهده الساحة العربية من قبل، حتى في الدول التي تعتبر نفسها بمنأى عن الإحتجاجات، وبات أمام الشباب مساحة من الجرأة في التعبير عن مطالبهم بالتغيير بعد أن كان quot;نقد الأوضاع quot; خجولاً للغاية.


تشكل الوعي السياسي لدى معظم الشباب العربي بعيدا عن أعين السلطات الرسمية لأن هذه الدول لا تقدم لمواطنيها تربية سياسية في المدارس والجامعات حيث ينشأ المواطن فيها دون أن يعرف أبسط حقوقه المدنية والسياسية، كما أن طلاب الجامعات باستثناء طلاب العلوم السياسية تغيب عنهم أبسط المصطلحات السياسية المتداولة في العالم، ناهيك عن إن بعضهم قد يجهل الفرق بين الأنظمة فلا يميز بين الملكية المطلقة والملكية الدستورية، أو الفرق بين الجمهورية الدستورية أو الجمهورية البرلمانية. لذلك فإن معظم الشباب إستقى معلوماته بجهده الشخصي بوسائله الخاصة سواء عبر الكتب والمراجع أو الشبكة العنكبوتية.

ومع تفاقم المظالم وتنامي الفقر وتراجع التنمية الاجتماعية والاقتصادية تكون لدى الفرد شعور عارم بالسخط وعدم الرضى في ظل غياب العدالة وحضور قوانين الطوارئ البوليسية مما أدى إلى انفجار غير مسبوق في الشارع العربي الذي يحكمه quot;العجائزquot; بعقلية باردة بائدة ويشكل الشباب فيه ما يزيد عن 60 %.

رضدت quot;إيلافquot; هذه الظواهر عبر سبر آراء بعض الشباب غير المسيسين الذين شاركوا في احتجاجات واعتصامات في دول عدة بعد أن أثبتت الوقائع أن التغيير الفعلي كان بيد هؤلاء وليس بيد المنظرين المؤدلجين.

تونس: رفض الظلم لعيش الكريم

البداية كانت من تونس التي شهدت أولى الاحتجاجات حيث يقول طارق بن حسين (24 عاما) الذي شارك في التظاهرات مع أصدقائه quot;كان أسعد يوم في عمري عندما هرب زين العابدين بن عليquot;، مضيفاً: quot;كنت صغيراً عندما هاجر أقاربنا الشباب خوفاً من السجون كان لدينا نحن الشباب رغبة حقيقية في الحرية، لقد شرّد نظام بن علي الشباب بحيث أصبح حلم التوانسة الرحيل إلى فرنسا أو بلجيكا للعمل، وسرق آل الطرابلسي مقدرات الدولة كافةquot;.

وحول معرفته بمعنى quot;العصيان المدنيquot; قال: quot;كنا نعلم أن حق الاعتراض والتظاهر مشروع في كل الدول الديمقراطية في العالم، ربما لم نطلع على التفاصيل الفكرية والأسس الفلسفية لذلك، غير أن سياسة كبت الأنفاس جعلتنا ننفجر كما فعل البوعزيزي فنحن شعب متعلم ونحب الحرية ونرفض الظلم ونسعى للعيش الكريمquot;.

مصر: الميدان .. خبرة سياسية وعزة
ميدان التحرير في القاهرة

تتحدث الشابة المصرية نورهان عبد العزيز محفوظ (22 سنة) عن تجربتها خلال ثورة 25 يناير في مصر، فتقول quot;لازمت ميدان التحرير ما يقارب الأسبوعين دون انقطاعquot;، واصفة التظاهر بأنه quot;خبرة رائعةquot;. وتضيف أن quot;أجواء ميدان التحرير لن تتكرر فقد ولدت لدينا حسا بالمسؤولية السياسية وشعوراً وطنياً رائعاً، فلقد أثبتنا أننا نحن من يصنع التاريخquot;.

ورداً على سؤال حول معرفتها بالحقوق السياسية أو انتسابها لحزب ما قالت: quot;أنا لا أنتمي لأي حزب سياسي، ودراستي الجامعية في تخصص الرياضيات. لقد كنت بعيدة كل البعد عن المفاهيم السياسية وماهيتهاquot;، وتضيف: quot;لقد تحول ميدان التحرير إلى جامعة حقيقية فعلية أكسبتنا الخبرة السياسية المباشرة دون نظريات معقدةquot;، متسائلة quot;ما فائدة الكلام والنظريات؟ فالحاجة إلى الحرية هي أم الاختراع الديمقراطي، ولقد خرجنا للتظاهر بداية رافضين توريث الحكم، ومن ثم تحول الميدان إلى خلية نحل ومنتديات شهدت سجالات فكرية وسياسية عميقة وكانت تحفّ الجميع مشاعر صادقة ورغبة في التغيير ثم ارتفع سقف المطالب حتى الإطاحة بالنظام وكان لنا ما أردناquot;.

ليبيا: الدعم الغربي للثورة أم الثروة؟
خرج الشاب الليبي جمعة المصراتي (27 عاما) مع زملائه للإحتجاج في بنغازي في 17 شباط فبراير، وهو يقول عن تجربته: quot;ليبيا تعيش خارج التاريخ، لقد جعلنا القذافي كائنات غريبة عن الكوكب الأرضي لأننا نخضع لأهوائه ونظرياته السياسية الغريبة العجيبة، ولا نعرف سوى الكتاب الأخضر والمجالس الشعبية والمؤتمر الشعبي العام الذي لا تُفهم تركيبته أو ممارسته للحكم. والسؤال الأكبر هو ماذا فعل هذا الرجل خلال 42 عاماً في ظل غياب التنمية والتدهور الاقتصادي وفساد أبنائه وممارساتهمquot;.
الشباب الليبي محرك الثورة
وعن وضع الثورة الحالي يقول: quot;الشباب ماضون في طريقهم ولا يمكن لعقارب الساعة أن تعود إلى الوراءquot;. واعتبر أن التدخل العسكري لحلف الناتوquot;بعد مرور أكثر من شهر على ارتكاب النظام مجازر وسفك دماء العزل أشعرنا بأننا نحتاج لمساعدة حقيقية تدفع عنا الأذى لا سيما عندما كانت المدن تقصف بالدبابات، ولكن الآن نحن الثوار نشعر بالقلق لأن مساعدة الدول الغربية لنا لن تكون مجانية، إنهم يريدون نفطنا حيال مساعدتهم، وهم بلا شك يريدون مصالح حيوية في ليبيا، الأمر الذي يجعلنا نتساءل هل مساعدتهم لنا لحماية الثورة المدنية أم حماية مصالحهم من الثروة النفطية؟quot;.

البحرين: ازدواجية الإعلام
وانتقدت الشابة البحرينية روضة باقر سعيد (26 عاما) موقف الدول العربية تجاه البحرين، مؤكدة أنها شاركت في اعتصامات دوار اللؤلؤة متهمة الدول الخليجية بالانحياز تجاه البحرين.
وتشير روضة إلى أنها حزينة جدا لإقدام الحكومة على إزالة دوار اللؤلؤة لرمزيته النضالية. وتقول quot;هناك تواطؤ عربي على قمع أي مظاهرة غالبيتها من الشيعةquot; مشيرة إلى وسائل الإعلام العربية تغاضت عن احتجاجات البحرينquot;حيث ان قناة الجزيرة التي صمدت في تغطية الثورة المصرية تغاضت عن احتجاجات البحرينquot;.

اعتصام دوار اللؤلؤة في البحرين
وتتهم روضة السلطة البحرينية quot;بقتلquot; المتظاهرين بالنيران الحية، مشيرة أن بقاء الحكام لا يتحقق إذ لا بد من تحقيق العدالة للشعب بغض النظر عن مذهبه متمنيّة أن تنعم البحرين بالحرية والنظام الملكي الدستوري القائم على مشاركة الشعب ديمقراطيا في الحكمquot;.

اليمن: إلحاق صالح بمبارك

يقول الشاب عبد السميع علي الأحمد (20 عاماً) انه تظاهر بشكل سلمي دون أسلحة مع زملائه في جامعة صنعاء، وانه فقد بعضاً من أقرب أصدقائه جراء quot;إطلاق بلطجية علي عبد الله صالح النار على المتظاهرين بصدور عاريةquot; بحسب قوله. ويؤكد أنه quot;أصبح لدى الجميع إصراراً غير مسبوق على ضرورة خلع الرئيس لأنه انتهى ولم يعد أمامه إلا الرحيلquot;.
الأحمد غير مطلع على نظام الدولة المدنية ولا يعرف الكثير عن السياسة كما يقول، بل يؤكد أن quot;اليمن تحتاج لدماء جديدة شابة لإدارة شؤونهاquot;، ويعتبر أن quot;اليمن ارض مباركة ومعطاءة ونحن نجاور دولا خليجية غنية ومع ذلك نسبة الفقر عندنا تجاوزت 40% فماذا فعل الصالح بنا؟ لا بد ان يلحق بمباركquot;، مؤكدا أن الظلم والفقر والقهر وقلة اكتراث الحكومات بمطالب الشعوب والاستهتار بآراء الشباب وتهميشهم كلها عوامل تدفع بالإنسان لان يقول quot;لا للظلمquot;.