يثار الجدل في العراق حول تزايد حالات الاغتيالات باستعمال مسدّسات كاتمة للصوت، ويتساءل العراقيون عن الجهة التي تقف وراء تلك الاغتيالات، التي تستهدف خاصة ضباط السلك الأمنيّ، إلا أنّ دوافعها على ما يبدو، تتراوح بين الإرهاب والإجرام وتصفية الحسابات الشخصيّة.


سيارة عليها آثار رصاص قتل صاحبها بكاتم الصوت

بغداد: يختلف العراقيون كثيرًا حول قضية تتشابه في تأثيراتها الأمنية والسياسية والمعنوية على المجتمع، وهي دوافع الاغتيال بالمسدس الكاتم الصوت، والجهة التي تقف وراءه.

فعلى رغم من أن الاعلام العراقي يتداول الرواية الرسمية حول مصدر المسدس الكاتم، الا ان العراقيين لهم آراء أخرى في الأمر، تبتعد او تقترب بمقدار عن الرواية الرسمية.

وما يبعث على القلق هو تزايد الاغتيالات بالمسدس الكاتم ، وعلى رغم من أن هذا الأمر بات معروفًا، لكن ردود أفعال العراقيين على أرض الميدان مازالت غير معروفة جيدًا، ولا يتناولها الإعلام الرسمي بصورة واقعية، كما إنمعظم الحوارات هي مع مسؤولين، وليست مع أقارب ضحايا الكاتم أو مع أشخاص تعرضوا لمحاولة الاغتيال، ونجوا منها.

الاغتيال السياسي

كاتم الصوت لا يلغي صوت الطلقة النارية تماماً، وفي أحسن الأحوال، فإن المخفض يقمع جزئيًا صوت الانفجار الناتج من احتراق الغازات، ولهذا يطلق في أوروبا على كاتم الصوت اسم معدل الصوت، وكاتم الصوت The sound silencer gun.

وفلسفة الاغتيال السياسي بالكاتم تقوم على فكرتين: الأولى، شخصنة الاختلاف. فالاختلاف ليس نتاج أزمة اجتماعية أو مأزق سياسي، وانما هو محصور أساسًا في شخص ما يتوجب إقصاؤه لحسم الخلاف.

وفي عام 1943، تعاملت الولايات المتحدة مع كاتم الصوت على انه سلاح بحد ذاته، لذا اصدرت قانونا خاصاً يحدّ من بيع كواتم الصوت، ويفرض ضريبة عليها . وعلى رغم من ان بعض البلدان تحرّمه، وتعدّ اقتنائه جريمة يعاقب عليها القانون، فإن بعض الدول، مثل بعض الولايات الأميركية، تسمح باقتنائه.

وكانت بدايات القرن العشرين أرّخت لواحدة من أهم عمليات الاغتيال السياسي في المنطقة العربية، عندما دسّ السم للمفكر عبد الرحمن الكواكبي وقتله في العام 1904.

وسجل القرن الماضي مئات من عمليات الاغتيال السياسي، وفي خلال أربعين عاماً تمتد ما بين العام 1951 تاريخ اغتيال الملك عبد الله في الاردن والعام 1991 حين اغتيل الرئيس الجزائري محمد بوضياف، هي بعض من عشرات المحاولات التي طالت قادة من المعارضين والنشطاء السياسيين الكبار في بلدان كثيرة.

إقصاء الخصوم

في العراق، الكاتم اليوم صار السلاح الأكثر شهرة لإقصاء الخصوم، والشخصيات النافذة، التي يجد منفذ الاغتيال وسيلة لبلوغ هدفه.

ورغم أن السيارات المدنية التابعة للحكومة العراقية، باتت من الأهداف المتميزة للكاتم، إلا ان عراقيين أكدوا لـquot;إيلافquot; أن حوادث عدة وقعت في الأحياء السكنية، ومن دون ان يستقلّ الضحية سيارة او وساطة نقل. ويصف العقيد علي الجبوري لـquot;إيلافquot; حادثة تعرضه لمحاولة اغتيال بالكاتم في منطقة اللطيفية.

حادثة واقعية

يصف الجبوري الحدث: quot;كانت سيارتي من نوع كرونا تابعة لوزارة الداخلية، وهي سيارة مدنية، كما إنني كنت ارتدي لباسًا مدنيًا، وحين تجاوزنا السيطرة الأمنية لمدينة بغداد باتجاه مدينة المحمودية، كان الشارع يكتظ بالسيارات، لكنه لم يكن بالزحمة المعتادة، وفي لحظة كان ثمة دراجة نارية تقترب منا يستقلها شخصان.

ويضيف: quot;لم أر مسدسًا كاتمًا، فقد وجدت نفسي تلقائيًا بين مقاعد السيارة، حيث أخفيت نفسي بعدما سمعت صوت عيارين ناريين، أي صوت كاتم، شق زجاج السيارة باتجاهي.

ويتابع: quot;لم أصب بأي أذى، لكن السائق ركن السيارة الى الجانب، ولم يستطع اللحاق بالفاعلين، لهول الصدمة، وبعد الحادث، تجمع العشرات من حولي، وتفحصنا السيارة، وأجمعوا على انها محاولة اغتيال بالكاتمquot;.

ويقول الجبوري: quot;ثمة خطأ كبير، فالفاعلون استمروا في طريقهم من دون ان يلاحقهم احد، لكنني بدأت اتساءل هل هو الخوف، أم زحمة الشارع، واذا كانت الصدمة قد اذهلتني في اتخاذ القرار الصحيح، فأين المفارز الامنية، ولمَ لم يلاحق أحد الفاعل؟quot;.

لكن الجبوري لا يجد جوابًا لسؤاله. ويختتم حديثه بالقول بألم: quot;إنها فوضى أمنيةquot;. وتستهدف الأسلحة الكاتمة في الغالب كبار الموظفين الحكوميين وضباط وزارتي الداخلية والدفاع، كما إن السمة الأبرز في حملة الاغتيالات التي تشنّها مجموعات مسلحة ضد عناصر القوى الأمنية استهداف سيارات مدنية وزعتها الحكومة، خصوصاً على موظفين في الوزارتين.

ويبديمعظم سكان بغداد امتعاضهم من استمرار عمليات القتل التي ينفذها مجهولون في شوارع بغداد.

الاستخدام الشخصي

يؤكد حسن المفرجي أن ثمة مواطنين عاديين يمتلكون مسدسات كواتم لغرض الاستخدام الشخصي. ويتابع: quot;أستطيع الجزم ان البعض يستخدمه لحل النزاعات الشخصية والخلافاتquot;.

ويرى المفرجي ان الكاتم أصبح لغة يومية، ليست بيد الميلشيات والأحزاب فحسب، بل بيد المواطن، الذي يجد في السلاح الناري وسيلة توفر له الدفاع عن نفسه، في ظل اضطرابات أمنية مستمرة.

يرى المحقق العدلي (م)، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ويحقق في قضايا قتل بالمسدس ان غالبية حوادث الاغتيال خارج بغداد ذات دوافع إجرامية، وليست إرهابية.

ومن الأمثلة على قضايا يحقق فيها الآن، قتل شخص في منطقة حي الشهداء في مدينة بابل زوجته بالمسدس لشكه في سلوكها، واستخدم مسدس نوع جلوك في جريمته، وهو مسدس يستعمله رجال الشرطه، ليتبين في ما بعد ان القاتل من منتسبي الشرطة.

مشاهدة ميدانية

ويمتلك (م حسن) مسدسًا كاتمًا من نوع laquo;طارقraquo;، دعانا إلى تفحصه، كان قد اشتراه من تاجر سلاح، ويقول حسن: quot;ثمة قنوات شبه سرية لشراء الكاتم، وما عليك الا تتبعها لتشتري واحدًاquot;.

لا يعترف حسن بالرواية الرسمية للسلطات، التي توحي بأن اغتيالات الكواتم وراءها جهات خارجية فحسب، ويرى ان هناك أجندة داخلية سياسية، إضافة الى ان الكواتم تستخدم بصفة شخصية لتصفية حسابات، او خلافات عائلية.

وغالبية المسدسات الكاتمة الشائعة الاستخدام في العراق هي نوع laquo;طارقraquo; وlaquo;بريتاraquo; الايطالية وlaquo;ستار 8.5raquo;. الجدير بالذكر ان اشهر المسدسات في العالم من ماركة quot;براوننغquot;، وهي الاكثر انتشارًا في العالم منذ بدء تصنيعها سنة 1923 والتي اعتبرت وقتها ثورة في مسدسات (9 ملي) المصنعة في العالم، ومن مميزاتها سهولة المسك والوزن المناسب.

ولا يعتبر الملازم عباس الشامي العامل في مطار بغداد، الإجراءات المنية التي تتخذها عميات بغداد للحدّ من التصفية بكواتم الصوت كافية. ويطالب الشامي بتكثيف الجانب الاستخباراتي، ونشر مخبرين سريين لتعقب مصدر الكواتم.

ويخشىمعظم رجال الشرطة والمرور، لاسيما في بغداد، من ان يكونوا ضحية للكواتم، لأنهم هدف سهل، كما يرى شرطي المرور في منطقة اليرموك جميل حاتم.

ويؤكد جميل ان بعض زملائه يتنصلون من واجباتهم في منطقة الدورة او المنطقة الممتدة جنوب بغداد باتجاه المحمودية لانهم سيكونون هدفًا سهلاً للمسدس الكاتم.

ويعتقد جميل ان استهداف المواطنين والشرطة، القصد منه تعكير صفو الأمن. اما اغتيال المسؤولين ونافذي الأحزاب فيحمل فيهاجندة سياسية داخلية، وهو وجه من أوجه الصراع.

ولا تمتلكغالبية نقاط التفتيش تقنيات متطورة للكشف عن الكاتم، بحسب الشرطي أمين الساعدي، الذي يؤكد ان التفتيش يتم عن طريق quot;الحس والفطنةquot; ليس أكثر، لكن الاغتيال بالكاتم يندر او ينعدم تقريبًا في مدن مثل بابل والنجف وكربلاء والديوانية، لكن العبوات والمفخخات تظل الوسيلة الأكثر شيوعًا في هذه المدن.

ويشير الاستطلاع، الذي أجريناه بين العراقيين، وشمل مواطنين عاديين ونخب مثقفة ورجال أمن، ان ثمة اختلاف في تصنيف أسباب انتشار الكاتم ومصدره والأهداف من ورائه.

المواطن سلطان الجبوري، ومجموعة من رفاقه في زيونة في بغداد يرون أن ميليشيات تموّلها إيران تقف وراء اغتيالات الكواتم، لكنهم لا يمتلكون الدليل على ذلك.

ولا تخلو الظاهرة من تفسيرات مباشرة وحادة، يصنفها البعض على انها شائعات، وتبدو للبعض غير منطقية من أن ميليشيات طائفية تغتال ضباطًا خشية انقلاب ينفذه حزب البعث بعد الانسحاب الاميركي، لكنها تقترب من الواقع اذا ما عرفنا ان قيادة عمليات بغداد اعترفت وللمرة الأولى فيالعام 2011 ان الاغتيالات بأسلحة كاتمة للصوت في العاصمة العراقية ضد المئات من كبار ضباط الجيش والشرطة والاستخبارات وكبار موظفي الدولة تنفذها quot;مليشيات شيعيةquot;، وليس تنظيم القاعدة، الذي ظلت قيادة عمليات بغداد تتهمه بتنفيذ هذه الاغتيالات طوال العامين الماضيين.

كما أكدت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد في كانون الثاني/يناير منالعام 2011، أن معظم منفذي عمليات الاغتيال بالأسلحة الكاتمة للصوت ينتمون إلى الاجهزة الأمنية، كما إن قسماً منهم يحمل (باجات) مزورة.

لكن حسين الياسري، وهو مدرس، يرجع الامر الى صراع الإرادات بين الأحزاب، ولا ينفي الياسري دور المخابرات الأميركية وشبكاتها في العمليات. ويرجع بعض العراقيين الحوادث الى القاعدة، التى تسعى الى تخريب العملية السياسية في العراق، كما يرون.