حضر الربيع العربي بقوة في قمة الثماني التي أكّدت أنه لا يستقيم إلا بدعم إقتصادي، فيماوضعت القذافي على فوهتها ووجهت إنذاراً أخيراً للأسد.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والوزير الأول التونسي باجي قايد السبسي

باريس: أصبح يشار إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على أنه قائد الحركة المصاحبة للتغيير في البلدان العربية، و يكون بذلك قد نجح في تجاوز تعثر الدبلوماسية الفرنسية جراء الأخطاء التي وقعت فيها إبان انطلاق البوادر الأولى في الربيع العربي بتونس.

يرى مراقبون أن الرئيس الفرنسي لم يعد له أي خيار ثانٍ لتنشيط شعبيته في الأوساط الفرنسية، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها، في انتظار إنتخابات 2012 الرئاسية، سيما أنه سيكون بدوره، بحسب جميع القراءات، على خط سباق الإليزي القادم.

وهكذا يحاول سيد الإليزي أن يعيد لترشيحه في الرئاسيات القادمة بعضا من الأمل، طبقا لتحليل هؤلاء المراقبين، مركزا كل جهوده على ذلك، لأن الأمر لم يعد يسمح بهذا داخليا، لكنها تقر في نفس الوقت أن الدول الغربية، و في مقدمتها فرنسا، تدرك أن الانحياز للشعوب العربية في معاركها من أجل الحرية لم تعد تقبل التسويف أو الانتظار.

قمة مناهضة القمع في البلدان العربية

لم يتردد بعض الملاحظين في وصف هذه القمة بقمة مناهضة القمع في البلدان العربية، خصوصا و أنها أكدت أن الشراكات المتستقبلية، سواء مع البلدان العربية أو الإفريقية، ستكون مبنية على جدية انخراط حكومات هذه الدول في الفعل الديمقراطي.

تحدّث الوزير الأول البريطاني دافيد كاميرون عن رسالة واضحة quot;تريد أن ترسلها القوى العظمى إلى أن أولئك الذين يتوقون إلى المزيد من الحرية، المزيد من الحقوق، المزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا...quot;، تقول quot;إننا بجانبكمquot;.

مجموعة الثماني وجهت الدعوة إلى كل من تونس و مصر زيادة على بلدان إفريقية أخرى، تمثل بالنسبة لها الوجه المضيء في ظلمات ديكتاتوريات دول الجنوب، و وقعت معها لأول مرة البيان النهائي، في إشارة منها أن الشراكة مع بلدان الضفة الأخرى، لا تعقد إلا مع الدول التي تحارب الفساد و تعمل من أجل الديمقراطية.

مجموعة الثماني عازمة على توفير الدعم للثورتين الليبية والسورية

توجهت الأنظار من جديد خلال هذه القمة إلى ليبيا و سوريا اللذان يشتعلان ثورة، و حصل إجماع هذه المرة على ضرورة رحيل القدافي، إذ انتزعت الحكومات الغربية، المجتمعة في دوفيل، موافقة روسيا التي ظلت متحفظة منذ البداية بخصوص عمليات التدخل العسكري في ليبيا.

وأرادت موسكو أن تعطي لنفسها موقعا وزانا في علاقة الدول الكبرى اليوم مع النظام السوري، حيث عبرت عن التجاء دمشق من جهة والدول الغربية من جهة ثانية للتوسط في الخلاف الذي نشب بين الطرفين نتيجة قمع النظام السوري للمتظاهرين، إلا أن العواصم الأوروبية و على رأسها باريس لم تؤكد و لم تنف هذا الأمر.

و يحتاط ملاحظون من رد فعل روسيا من أن يكون غير منسجم مع الضغوطات الممكن أن تسير فيها باقي الدول العظمى ضد سوريا، بعد أن دعت موسكو إلى أن لا تتحول قمة مجموعة الثماني إلى مكان لفرض الضغوطات و العقوبات، سيما و أن ساركوزي هدد بجر دمشق إلى مجلس الأمن إن استمر الوضع السوري على ما هو عليه.

أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما ظهر على أنه في تناغم مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي خصوصا تجاه نظام القدافي، إذ قال أوباما بالحرف الواحد أن الرئيسان quot;عازمان على إنهاء عملهما في ليبياquot;، ما قد يحمل تصعيدا في دحر نظام القدافي في الأيام القادمة، إن استمر quot;قائد الثورةّquot; في تعنته.

الربيع العربي لا يستقيم إلا بدعم اقتصادي

مصاحبة الربيع العربي لا يمكن تأكيدها إلا بتقديم الدعم المالي للدول المعنية خصوصا مصر و تونس، و مجموعة الثماني عرفت كيف تحول لهذه الغاية 40 مليار دولار، سيساهم فيها إضافة للدول الثمانية البنوك الدولية المعروفة و بعض البلدان النفطية الغنية كقطر و السعودية و الكويت.

وهذا الدعم الذي سيتوجه الجزء المهم منه إلى تونس و مصر quot;سيكون لأجل تعويض الخسائر الثقيلة التي تكبدتها البلدان العربية، خصوصا نتيجة انهيار السياحةquot;، يقول كريم إيميل بيطار المختص في العلاقات الدولية.

ويرى الباحث في معهد العلاقات الدولية و الاستراتيجية أن quot;هذا دعم مجموعة الثماني لمصر و تونس يعني مساعدتهما على التحول الديمقراطي، وعرقلة ما يمكن أن يمس باستقرارهما، و خصوصا تجنب نزول أمواج اللاجئين بلامبدوسا بإيطاليا أو بأي منطقة أخرى في أوروباquot;.

وعلى المدى المتوسط، يفيد بيطار في حديث لإيلاف، quot;مساعدات مجموعة الثماني ترمي إلى السماح بتنمية متوازنة في بلدان المتوسط، لأجل تسهيل إدماج هذه الدول في الاقتصاد العالميquot;.

ويعطي مثالا على ذلك بتونس، بقوله أن quot;دعما سنويا قدره 5 مليار دولار، على مدى خمس سنوات، يغطي نصف حاجيات التونسيين في الاستثمارات الخارجيةquot;.

كما أضاف أن هذا الدعم يتوخى منه كذلك، quot;تشجيع المستثمرين الآخرين الذين بقوا حذرين تجاه الوضع في هذا البلد، وهو ما سيسمح لها بتغطية جزء من العجز في الميزانية و تفادي أي تراجع ميزان الأداءاتquot;.

أما عن مصر، يقول الباحث في معهد العلاقات الدولية و الاستراتيجية بباريس، quot;تحتاج إلى 12 مليار دولار قبل متم 2012 لتجنب سقوطها في اللاستقرارquot;.

وعلى المدى البعيد، ترمي مجموعة الثماني، بحسب بيطار، إلى quot;تشجيع الازدهار الأصيل للديمقراطية في الجنوب، لأنه نلاحظ أنه لا يمكن فصل الديمقراطية و الإقلاع الاقتصادي، عكس ما حاول أن يروج له بنعلي، الذي كان يلقب quot;زينوشيquot; نسبة إلى الديكتاتور الشيلي بينوشي، إذ كان يعتقد أنه يمكن فك النجاح الاقتصادي عن الحكامة الجيدةquot;

لكن كريم إيميل بيطار لم يغفل أن يشير إلى أن quot;سوء صرف هذه المبالغ من طرف الحكام الجدد في البلدان العربية، يمكن أن تتحول في المستقبل إلى هدية مسمومةquot;، تزيد من إغراقها في الديون، و ما إلى ذلك من انعكاسات على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و بالتالي سيضر ذلك كثيرا بالديمقراطية الفتية فيها.