بدأ ممثلو حركات احتجاج لناشطين عراقيين من مختلف محافظات البلاد يتظاهرون تحت مظلة quot;هيئة الحراك الشعبيquot; مؤتمرًا في مدينة إسطنبول التركية اليوم لتحشيد جهودهم من أجل تصعيد وتوسيع حركة الاحتجاجات التي يقودونها، وذلك بدءًا من يوم الجمعة المقبل، بعد ثلاثة أيام من انتهاء مهلة المالكي للمائة يوم للإصلاح الثلاثاء المقبل.


مؤتمر اسطنبول للناشطين

أسامة مهدي: انكبّ أكثر من 40 ناشطًا، يمثلون حوالي 20 حركة شبابية يعقدون مؤتمرهم تحت شعار quot;شباب العراق والتغيير المنشودquot;، انكبوا على دراسة وبحث توسيع تظاهرات الاحتجاج الشعبية في عموم البلاد للمطالبة بتحقيق الاصلاحات الموعودة في مكافحة الفساد والبطالة والمحاصصة وللضغط باتجاه تغيير الحكومة الحالية، اضافة الى مناقشة الأكثر واقعية رفع شعار تغيير النظام او اصلاح النظام، وكذلك لمواجهة ما اسموها بحملة الترهيب الحكومية لمواجهة وافشال هذه الاحتجاجات.

في بداية اللقاء قال رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر الاعلامي والناشط اياد الزاملي في كلمة له إن تحرك الشباب العراقي لم يأت فقط نتيجة للمدّ الثوري في المنطقة، وانما كان انعكاسًا موضوعيًا على الالتفاف على رغبة الخلاص من النظام الدكتاتوري الشمولي وعلى حلم بناء الديمقراطية الحقيقة بعد 2003، والذي كان سيؤدي بالضرورة الى انتفاضة شعبية عارمة طال الزمن أو قصر.
فالعملية السياسية التي بنتها قيادات أحزاب مابعد 2003 باءت الى فشل ذريع منذ سنوات، وبدا واضحاً أن الوضع السياسي برمته في طريقه الى أزمة حتمية. واوضح ان الطائفية اصبحت عنواناً ملازماً للسياسة الرسمية، وتقاسمت أحزاب العملية السياسية السلطات بينها، واستشرت روح المحاصصة المؤسسة على الطائفية والأثنية، حتى دخلت من أوسع الأبواب الى قدس أقداس الديمقراطية: الى مجلس النواب، الذي أصبح هو الآخر رهيناً ومرادفاً في تشكيلته وروحه للتقسيم الطائفي والأثني المرفوض من الأكثرية الساحقة من العراقيين.

وأكد أن هذا اللقاء بين الناشطين ليس تأسيسًا لحزب أو تيار سياسي، بل هو لقاء للتعارف والتنسيق وتوحيد الجهود. فقد علمتنا دروس الشهور الماضية أن التعاون والتنسيق بيننا سيكون كفيلاً بتحقيق مطالب الشعب العراقي. واضاف quot;لقد نجح شباب تونس ومصر في تحقيق غاياتهم بالتلاحم الخلاّق في ما بينهم، ومن خلال تنسيق مدروس على أعلى المستويات، اضافة الى استثمار واضح لوسائل الاعلام الجديد، وهذا أحد الأهداف التي نسعى اليها في لقائنا هذا، وطموحنا وضع اساس للتعاون بين جماعات الحركة الشبابية العراقية ووسائل الإعلام في الداخل والخارجquot;.

وقال quot;نذكر انفسنا والسياسيين العراقيين بأن مهلة المئة يوم التي أعلن عنها رئيس الوزراء نوري المالكي لمحاربة الفساد وتوفير الخدمات وتحقيق الأمن ستنتهي بعد أيام قليلة، وأن علينا إنجاز الكثير لنكون بمستوى طموحات الشارع العراقي الذي سيخرج مطالبًا الوفاء بالوعود والإستماع الى صوت الشعب العراقيquot;.

ناشطون يدعون إلى توحيد خطاب حركات الاحتجاج
من جهته قال الناشط والمدون شوكت البياتي انه بعد 8 سنوات من وعود بتحقيق الديمقراطية فإن العراق يشهد حاليًا نظامًا بعثيًا جديدًا باساليبه القمعية. واكد ان المطلوب الان اجراء تغيير في اوضاع البلاد من الداخل وليس الخارج. واشار الى ان الشباب المحتجين يعانون غموض مواقف السياسيين والمثقفين والقوى الخارجية من تحركاتهم.

اما الناطق باسم حركة 15 شباط ناصر الياسري فقد شدد على ضرورة توحيد الخطاب السياسي لحركات الاحتجاج الشبابية من اجل quot;اسقاط الحكومة الطائفيةquot;. واوضح ان عقد هذا المؤتمر في اسطنبول هو نتيجة لحملة القمع والاختطاف والدهم التي تنفذها السلطات العراقية ضد الناشطين. وناشد القوات الامنية بعدم نتفيذ اوامر السلطة بقمع المتظاهرين ومواجهتهم بالقوة.

واشار سعد الشديدي من حركة دعم الحراك الشعبي في الخارج الى ان مايحصل في العراق من تظاهرات هو نتاج طبيعي للفساد والمحاصصة وعمليات تدمير الدولة العراقية بكل مؤسساتها ومفاهيمها. ودعا الى الاتصال بالدول والمنظمات الدولية لتوضيح عدالة مطالب المحتجين والمساعدة على تحقيقها.

اما فارس البكوع المحامي والناشط في مدينة الموصل الشمالية فقد اشار الى ان الاحتجاجات في هذه المدينة اكتسبت قوتها من المطالب باطلاق سراح المعتقلين الابرياء من ابنائها، والتي كشفت المنظمات الدولية عن احتجازهم في سجون سرية في بغداد. وقال ان الاحتجاجات هناك تطالب ايضًا بفتح ملفات الفساد ومحاسبة المفسدين والقضاء على البطالة وتوفير الخدمات وعدم التمديد لبقاء القوات الاميركية.

الناشط في حركة quot;لن ننتظر 100 يومquot; صالح حسين علي من مدينة كربلاء الجنوبيةأكد ان لا طائل من انتظار نهاية هذه المهلة التي حددها المالكي للاصلاح، لان النتائج سلبية، ولايمكن ان تحقق تطلعات الناس حكومة لايتمتع افرادها بالكفاءة، فهي منقادة للتوافقية المقيتة على حد وصفه. ودعا الى استقالة الحكومة واجراء انتخابات جديدة، مؤكدا ان موقف الراي العام قد تغير، واصبح اكثر ادراكًا لعدم قدرة الحكومة على الاصلاح المطلوب.

في حين أشار الناشط والمعتقل سابقًا هادي المهدي إلى خطورة التدخل الاميركي والايراني في شؤون العراق. ورد على اتهامات الحكومة للناشطين الشباب بالعملاء قائلاً quot;نحن عملاء العراق وحده . وعملاء لأرامله وأيتامه ومعتقليهquot;. واكد ان اعتقاله كان نتيجة وشايات لمخبر سري، كان يتابع نشاطاته وتحركاته واجتماعاته بشكل مفصل ودقيق.

ثم تحدث الناشط الكردي دانا أسعد عن حركة الاحتجاجات التي شهدها اقليم كردستان، وخاصة في السليمانية، خلال الفترة بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل الماضيين، واشار الى ان قمع السلطات جعلها ترفع سقف شعاراتها من المطالبة بإصلاح اوضاع الاقليم الى الدعوة الى استقالة رئيس الحكومة ورئيس الاقليم وحل البرلمان، مؤكدًا ان السلطات واجهت هذه الاحتجاجات بقمع مفرط، ادى الى مقتل 10 متظاهرين، واصابة 300، واعتقال مئات آخرين تعرضوا للاهانة والضرب.

وطالب بالعمل من اجل التتنسيق بين حركات الاحتجاج في كردستان والاخرى في مناطق العراق الاخرى. من جهتهم طالب شباب نصب الحرية بتعديل الدستور وفصل السلطات وتعديل قانون الانتخابات والاصرار على القائمة المفتوحة واقرار قانون الاحزاب بشكل يتناسب مع اية دولة متحضرة من دول العالم، ويكون غير خاضع لسلطة الحكومة ونبذ سياسية المحاصصة والطائفية واطلاق سراح كل المعتقلين الابرياء، وتقديم أي معتقل للمحاكمة وفق احكام الدستور خلال 24 ساعة، وعدم السماح بانتزاع الاعترافات تحت الاجبار والاكراه، وهذا لن يتم في المرحلة الحالية، ما لم تكن هناك جماعات متطوعة منّا تنسق مع لجنة حقوق الانسان، سواء في مجلس النواب او مع الهيئات الدولية، وتكون مهمتها زيارة السجون والمعتقلات ورفض وجود اية معتقلات سرية تحت اية ذريعة كانت.

كما دعوا الى الكشف عن مصير الاموال العراقية ومعاقبة المفسدين واحالة ملفات التزوير الى القضاء العراقي الذي يجب ان يتخلص ايضا من رق وعبودية المحاصصة والطائفية والحزبية ودعم فكرة حكومة الكفاءات التي طرحتها شباب نصب الحرية وتعمل عليها الآن، وسنعلن عنها في المستقبل القريب واعطاء المرأة دورها الحقيقي وعدم السماح ابدا بتقييد حرية التعبير عن الرأي وتكميم الأفواه واستقلال الصحافة استقلالاً تامًا عن السلطة التنفيذية والسماح للإعلامي بالوصول الى الحقائق من دون معوقات وتشجيع الصحافة الاستقصائية من اجل كشف وفضح عمليات قتل العراقيين وعمليات الفساد والتزوير.

خارطة طريق لمواجهة ترهيب السلطات ومنع تظاهرات 10 حزيران
على هامش اليوم الاول من افتتاح المؤتمر، الذي يختتم غدًا، فقد انعقدت ثلاث طاولات مستديرة حول quot;آليات التنسيق والتحشيد بين الحركات الشبابية العراقيةquot; وquot;الحركات الاحتجاجية في كردستان وعلاقتها بحركة الاحتجاج في العراقquot;، وquot;الاعلام وحركة الاحتجاج .. من جمعة الغضب الى جمعة القرارquot;.

وقال الباحث والناشط في حقوق الانسان الدكتور حيدر سعيد ان شباب العراق يواجه الان تقاليد الخروج باحتجاجات سلمية واجراءات حكومية عنيفة لمواجهة هذه الاحتجاجات. واكد ان المشروع الديمقراطي في العراق قد فشل، موضحًا ان الجدلية الآن هي بين اصلاح النظام او تغيير النظام، مؤكدا انه مع الثاني، فيما اذا توافرت آليات ذلك. وحذر من اساليب ارهابية للرعب والتخويف ستمارسها السلطات العراقية لاجهاض احتجاجات الجمعة المقبل مع نهاية مهلة المالكي.

واضاف ان العراق يستعيد الان اجواء الرعب التي شهدها خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، مشددا على ان المهمة في العراق الآن هي مواجهة الاستبداد الجديد. موضحًا ان هذا الاستبداد لن يقبل بالاستقالة او مكافحة الفساد المستشري فيه.
من جانبه قال الباحث والناشط في مجال منظمات المجتمع المدني الدكتور يحي الكبيسي ان رفع المحتجين لشعار اسقاط النظام سيخلق انشقاقًا في صفوفهم، موضحًا انه امر تلعب على خلقه والاستفادة من تداعياته الحكومة.

واشار الى ضرورة الاستفادة من الجهد الدولي في مواجهة الاعتقالات من خلال عمليات التوثيق القانونية واللجوء الى المجتمع المدني ومنظماته الحقوقية لفضح هذه الاعتقالات والمطالبة باطلاق المعتقلين. وشدد على ضرورة دراسة استراتيجية الاحتجاج بين الاعتصام المتواصل او تصعيد الاحتجاجات الاسبوعية ايام الجمعة من كل اسبوع.

سوء الخدمات واستمرار الفساد يثير غضب العراقيين
يقول مدونون عراقيون في مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة quot;فايسبوكquot;، انهم سيعاودون التظاهر بشكل مضاعف ضد وعود المالكي التي وصفها بعضهم بالكاذبة. واشار اخرون الى انهم سيطالبون في تظاهراتهم باسقاط حكومة المالكي. مؤكدين أن مهلة المالكي لم تحقق في ارض الواقع شيئًا، وهي مجرد quot;تخديرquot; للشعب العراقي.

يجري هذا وسط مخاوف من تفجر الاوضاع، وخاصة في الجنوب العراقي، كتلك التي شهدها في حزيران (يونيو) من العام الماضي، بسبب النقص الكبير والمتواصل في الكهرباء، وسط ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، وهي احتجاجات خلفت قتلى وجرحى.

ويحتاج العراق أكثر من 15 ألف ميغاواط لتلبية ذروة الطلب في فصل الصيف، بينما تتوقع وزارة الكهرباء ألا يزيد المعروض هذا الصيف عن سبعة آلاف ميغاواط. ولا يزال العراق يعاني نقصًا شديدًا في إمدادات الكهرباء التي لا تكفي سوى لساعات قليلة في اليوم تصل الى ثماني ساعات، ويشكل هذا مصدرًا رئيسًا للغضب الشعبي تجاه السلطات التي فشلت في التغلب على المشكلة رغم وفرة في الايرادات النفطية.

مخاوف من مواجهة الاحتجاجات بمزيد من العنف الحكومي
يأتي انعقاد مؤتمر اسطنبول وسط مخاوف منظمات مجتمع مدني في العراق من استمرار اعتقال منظمي التظاهرات المطالبة بالإصلاح والخدمات، وأكدت عزمها على المشاركة في التظاهرات المقررة الجمعة المقبل. واتهمت المنظمات الأجهزة الأمنية باعتقال أربعة ناشطين في ساحة التحرير الجمعة الماضي، وتوقعت quot;استمرار اعتقال منظمي التظاهرات والمشاركين فيها في محاولة يائسة من السلطات لوقف الاحتجاجات الشعبيةquot;.

من جهتها دعت منظمة العفو الدولية امس السلطات العراقية غلى وقف إجراءاتها الصارمة ضد الاحتجاجات السلمية ودعتها الى الإفراج فورًا عن معتقلي هذه الاحتجاجات من دون قيد أو شرط معبرة عن مخاوف من تعرضهم للتعذيب.

وطالبت المنظمة بغداد الى وقف إجراءاتها الصارمة ضد الاحتجاجات السلمية في أعقاب اعتقال 15 من الناشطين المؤيدين للإصلاح في بغداد خلال الايام الاخيرة. واشارت الى ان قوات أمن بلباس مدني (شرطة سرية) قد اعتقلت أربعة متظاهرين صباح الجمعة الماضي أثناء مظاهرة سلمية في ساحة التحرير في وسط بغداد، حيث مازالوا رهن الاعتقال، ويقال إنهم سيحاكمون بتهم حيازة بطاقات هوية مزورة.

واشارت الى اعتقال أحد عشر ناشطاً آخر عندما اقتحمت قوات الأمن مقر منظمة quot;أين حقيquot; في بغداد (وهي إحدى منظمات المجتمع المدني المحلية) يوم السبت الماضي وقد أفرج عن أربعة منهم لاحقاً، لكنْ لايزال البقية رهن الاعتقال، بمن فيهم الأمين العام للمنظمة أحمد محمد أحمد، quot;ويبدو أنه تم استبقاء هؤلاء في الحجز اشتباهاً في صلتهم بتنظيم مظاهرات في ساحة التحريرquot;.

وكان المالكي قد حدد في السابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي بعد يومين من الاحتجاجات التي عمّت مدن العراق مدة مائة يوم للوزارات والمؤسسات الحكومية لتحسين أدائها وتطوير الخدمات في البلاد. ولوّح المالكي بالمطالبة بإقالة الحكومة في حال عجزها عن تحقيق المشاريع بعد مهلة المائة يوم، مؤكدًا أن المهلة تشمل مجلس النواب أيضًا، موضحًا أن رئيس الوزراء من حقه المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة. كما هدد رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي عقب تلك التظاهرات التي شهدتها البلاد بسحب الثقة من الحكومة الحالية وإسقاطها ما لم تلبٍّ مطالب المواطنين، فضلاً عن سحب الثقة من كل وزير لا يستطيع تنفيذ نسبة 75% من البرامج الموضوعة لوزارته.

وتشهد محافظات العراق منذ 25 شباط (فبراير) الماضي تظاهرات احتجاج تطالب بالإصلاح والتغيير والقضاء على الفساد المستشري في مفاصل الدولة وتوفير الخدمات العامة ينظمها ناشطون وشباب من طلبة الجامعات ومثقفون مستقلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت.