فيما ينتشر العديد من الحواجز العسكرية في مدن العراق للحيلولة دون تحرك الإرهابيين وتنفيذهم عملياتهم التفجيرية، يرى العديد من المراقبين أن هذه السيطرات الأمنية ليست فعّالة في ظل تطوير الجماعات المتطرفة أساليبها، لكن بعض الأوساط الأمنية تعتقد أن هذا الأسلوب يعطي ثماره.


قوى أمنية تفتش احدى السيارات العراقية

بغداد: في الوقت الذي لا تتجاوز المسافة بين بيت سليم الجزائري في المحمودية (جنوب العاصمة بغداد)، ومكان عمله في بنك الرشيد في السيدية (في جانب الكرخ من بغداد)، الثلاثين كيلومترًا، فإنه يستغرق من الوقت نحو الساعتين للوصول في الوقت المناسب، ذلك أن نقاط السيطرة الأربع في الطريق والزحام الشديد الذي تبلغ حالاته القصوى عند الحواجز المعدنية والكونكريتية تحول دون انسيابية رحلته اليومية.

وعلى رغم استتباب الوضع الأمني إلى حد ما، إلا أن ذلك لم يحل دون بقاء (السيطرات) في الطرق الداخلية والخارجية. وبحسب الملازم الأول صلاح الناصري، فإن التهديدات الأمنية ما زالت قائمة، ودليل ذلك مسلسل التفجيرات الذي ضرب مدنًا عراقية عدة خلال هذا الأسبوع.

وبحسب الناصري، فإن هذه التفجيرات حدثت عن طريق تلغيم السيارات داخل المدن، وليس عبر نقلها من مدينة الى أخرى. وهذا يوضح أهمية نقاط التفتيش التي لولاها لتصاعدت أعمال تفخيخ السيارات بحسب الناصري. ويرفضمعظم العاملين في نقاط السيطرة الاتهامات التي توجّه إليهم، لاسيما ما يتعلق بالتفجيرات التي تحدث بين الفينة والأخرى.

الأمن أولاً

يقول سالم العزاوي من سيطرة المحمودية ndash; بغداد، إن التفجيرات التي تحصل هي عبارة عن عمليات تحدث داخل المناطق القريبة من منطقة التفجير، ومن الصعب أن تعبر السيارة المفخخة من سيطرتنا بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي تركز على الفحص الدقيق.

في الوقت نفسه، ينتقد العزاوي مقولة تسبُّب نقاط التفتيش في الزحامات، لاسيما عند مداخل المدن. ويقول إن توفير الأمن يأتي في سلم الأولويات، ولا بد من نقاط تفتيش بكفاءة عالية للقضاء على الفوضى الأمنية. ويشير العزاوي إلى المرات العديدة التي رصدت فيها نقطة التفتيش التي يعمل فيها، سيارات مفخخة وأسلحة ومتفجرات، ولولا التفتيش الدقيق لراح ضحية ذلك الكثير من العراقيين.

رأيان مختلفان

يقف المواطن العراقي بالضد من وجهات النظر التي يتبناها القادة الأمنيون، فيرى كريم الخزاعي (مدرّس) بضرورة إعادة النظر في الكمّ الهائل من السيطرات، والتعويض عن ذلك بأسلوب الأمن الذكي الذي يعتمد على العمل النوعي والاستخباري، يتجاوز إزعاج المواطن والتدخل في خياراته الشخصية.

ويضيف: quot;كل العراقيين يرغبون اليوم في انسيابية في المرور من دون طوابير انتظار تتجمع عند مداخل سيطرات لم تنجح في بسط الأمن بصورة كليةquot;. ويرى عراقيون ان السيطرات فقدت أهميتها منذ العام 2008، بسبب اعتماد الجماعات المسلحة على عمليات نوعية تفوق قدرات نقاط التفتيش.

تجربة من الواقع

وعلى رغم الانتشار المكثف لنقاط التفتيش، حيث تفحص السيارات لمعرفة ما إذا كانت تحمل مواد متفجرة بأجهزة فقدت ثقة العراقيين بها بسبب ما يتردد من أنها لا تعمل بكفاءة وأنها جزء من صفقة فساد قام بها مسؤولون.

لكن الجندي محمد حسن الذي يحمل جهاز تفتيش يشبه المسدس، ويمتد في نهايته هوائي، يؤكد أن الأجهزة فعالة في نقطة التفتيش هذه (النقطة في طريق بابل ديوانية عند مدخل مدينة بابل التي تقع نحو 100 كم جنوب بغداد).

يمرر محمد حسن الجهاز بموازاة سيارتنا المتوقفة لفحص خلوها من المتفجرات، وفي محاولة لتأكيد صحة قوله، وضع حسن في السيارة كتلة معدنية يقول إنها نموذج فحص، وهي عبارة عن قنبلة صامتة على حد تعبيره، ثم مرر الجهاز الذي أشار إلى وجود مادة خطرة في السيارة. لكن حسن لا يستطيع الجزم أن كل الأجهزة من هذا النوع تعمل بصورة جيدة، في باقي نقاط التفتيش في مدن العراق من الشمال إلى الجنوب.

نوعية الأداء

لكن مقدم الشرطة المتقاعد ليث جريان يرى أن استتباب الأمن لا يكون بالكمية العددية لنقاط التفتيش ويطالب بإجراءات لضمان نوعية الأداء وأسلوب العمل.

ويضيف: quot;إن نقاط التفتيش، وإنْ قلّلت من الحوادث المعكرة للأمن، إلا أنها لن تستطيع أن تبسطه. ويتابع: quot;حوادث التسليب على سبيل المثال مازالت تحدث بين المسافات في نقاط التفتيش على الطرق الخارجية، وقد بدأت في العراق منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لكنها كانت حوادث متفرقة وتحدث على فترات زمنية متباعدةquot;.

أمن فاسد

ويشير جريان إلى أنه بعد عام 2003 القي القبض على أفراد يعملون في نقاط تفتيش متورطين في العمل مع الجماعات المسلحة وعصابات التفتيش عن طريق نقل المعلومات التي تخص السيارات المارة في السيطرات وعبر الاشتراك الفعلي. وكان مجلس القضاء الأعلى العراقي أوضح في تقرير له في 2011 أن نحو 5000 حكماً حول قضايا سلب حدثت في عام 2010.

ورغم اعتماد السلطات على أسلوب جديد في عمل (السيطرات) عبر نقاط تفتيش ثابتة بمسافات محددة متقاربة، إلا ذلك لم يسفر عن نتائج ملموسة بسبب اختراق نقاط التفتيش أولاً، واعتماد العمليات الأمنية على الكمّ، لا النوع. وبحسب جريان فإن في بعض نقاط التفتيش أفراداً من قوى الأمن لا يجيدون فك الحرف.

وعدا سيارات التفجير والكواتم، فان نقاط التفتيش في كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) بحسب الملازم سعدون حسين عثرت ايضًا على الكثير من السيارات المسروقة التي قُتل أصحابها في بعض الحالات.

ويتحدث العقيد صلاح السلطاني، الذي اشرف على المهمات الأمنية في الطريق بين بغداد وبابل، وهو الطريق الذي يؤدي بك الى الكثير من المحافظات الجنوبية، أن الفوضى الأمنية بين الأعوام 2003 و2005 كانت اكبر من قدرة نقاط التفتيش على استيعابها.

ويضرب السلطاني مثالاً على ذلك حين تحولت عصابات الإرهاب والقتل إلى مؤسسات بقدرات دولة، حيث كانوا يجتازون السيطرات بسيارات دفع رباعي حديثة ومظللة ومزودة بأحدث الأسلحة وأشدها فتكًا. وأضاف: quot;كشفت الأحداث في ما بعد أن مسؤولين في الأحزاب والدولة تورطوا عبر استخدام سيارات الدولة المظللة في أعمال الإرهاب بعدما أبدلوا أو أزالوا لوحات الأرقامquot;.

مواكب المسؤولين

الجدير بالذكر أن تزايد أعمال الاغتيال بالكواتم، حدا بالقادة الأمنيين، خصوصاً قائد العمليات في العاصمة إلى اتخاذ إجراءات جديدة عند نقاط التفتيش، منها إخضاع الارتال العسكرية ومواكب المسؤولين في الحكومة والبرلمان ومواكب الشركات الأمنية الخاصة العاملة في البلاد للتفتيش.

ويرى الخبير الأمني العميد المتقاعد احمد فليح حسن ان هناك حاجة لتقنيات متقدمة لعمليات التفتيش، ففيغالبية السيطرات يمكن على سبيل المثال تمرير الهويات المزورة بسهولة، إضافة إلى المتفجرات والقنابل المحورة التي تموّه أجهزة الفحص.

كما تحتاج نقاط السيطرة كوادر مؤهلة علمياً واجتماعياً وامنياً لعكس أمن مستتب في الشارع.

ويشير حسن الى ضرورة التوسع في استخدام كلاب الشرطة المدرّبة على كشف المتفجرات، والاعتماد على السيطرات المتنقلة التي تفاجئ العصابات المسلحة.

نقاط تفتيش تحترم الإنسان

وعلى رغم الآراء الأمنية التي توصي بتعزيز نقاط التفتيش نوعياً فإن ما يهمّ المواطن بحسب ساجدة الموسوي الناشطة النسوية، طرقًا تتمتع بانسيابية معقولة، ونقاط تفتيش تحترم الإنسان، لا تنكل به كما يحدث في الكثير من السيطرات.

وتقترح الموسوي دراسة تبحث تقليل نقاط التفتيش إلى حدها الأدنى، مع تعزيز العمل الأمني النوعي الذي يقضه مضجع الإرهاب ويسعد المواطن في الوقت نفسه.