مصطلح laquo;ربيع العربraquo; غير دقيق، لأنه مستعار من مصطلح laquo;ربيع براغraquo;، الذي أدى إلى انتقال سلمي نحو الديمقراطية، بعكس ما حدث ويحدث في العالم العربي. وتبعًا لسفير غربي سابق لدى اثنتين من أهم دول المنطقة، فإن الذي يشهده العرب اليوم إنما هو laquo;زلزالraquo; قد يقضي على الأخضر واليابس.


التماثيل الساقطة نذير للطغاة

لندن: هل تجتاحنا جميعًا موجة من السذاجة في فهمنا لـlaquo;ربيع العربraquo;؟... السؤال يطرحه على صفحات laquo;ديلي تليغرافraquo; السير أندرو غرين، السفير البريطاني السابق لدى سوريا والمملكة العربية السعودية.

يبدأ الكاتب، المعتبر مرجعًا في شؤون الشرق الأوسط، بفضل خبرته الشخصية الطويلة هناك، باعتقاده أن مصطلح laquo;ربيع العربraquo; نفسه مضلل. فكلمة laquo;ربيعraquo; تعيد إلى الأذهان أحداث براغ وتسلسلها السلمي نحو الديمقراطية.

لكن الأحداث في العالم العربي، بحسبه،أشبه ما تكون بسلسلة من الزلازل، وليس بالإيناع والخضرة المرتبطين بحلول الربيع.

والأنظمة الحاكمة التي ضربتها هذه الزلازل ndash; بشكل مباشر أو غير مباشر - إما تقوّضت بكاملها أو تهتز الآن من أساسها. إضافة إلى هذا، فإن الجماهير في هذه الدول نفسها لا تدري كيف تستعيد عنصر الطبيعية الى حياتها اليومية.. هل يمكن وصف هذا بأنه ربيع أو تقدم نحو الديمقراطية بالأساليب السلمية؟

المثال الليبي...

تبعًا للكاتب، فقد يظن القارئ أن هذا التقدير ينحو إلى قدر كبير من التشاؤم. لكنه يدعو إلى أخذ ليبيا كمثال على ما يسوقه. فقد ظلت ndash; مثل العديد من غيرها من دول المنطقة ndash; ترزح تحت حكم طاغية لا يرحم، ويستندبشكلرئيسفي حكمه إلى جهاز الشرطة السرية.

ويقول إنه ربما كان من العسير على الغربي أن يتصور أنه يعيش في زمن يخشى فيه طرقًا عنيفًا على الباب من laquo;زوار الفجرraquo;، الذين ينتزعونه من داره وأهله، ويمضون به إلى غياهب السجن والتعذيب الوحشي المنتظم.

وماذا عن عيشك في وسط جيران، واحد من كل أربعة منهم يعمل مخبرًا للنظام على الغلب، وقد يكون هو نفسه أحد أقاربك؟، وكل هذا يدعمه الحاكم بترتيب منه، يقضي بتوزيع الثروة والوظائف والنفوذ تبعًا لاعتبارات محسوبة بدقة، تصبّ أولاً وآخرًا في خانة إطالة عمره على كرسي السلطة.

ثقافة الثأر

هذه هي التركيبة التي هزّتها بعنف أحداث الأشهر الماضية في العالم العربي. فقد ظل التوق إلى الحرية والكرامة والتوظيف يعتمل ويتنامى في الدواخل، ولكن بدون متنفس، لأن الخوف سدّ عليه كل المنافذ. ثم تبخر هذا الخوف فجأة.. بفضل مواقع الإنترنت الاجتماعية مثل laquo;تويترraquo;. وكان لها أثر سحري تمثل في تحييد عناصر الشرطة السرية وتغيير ميزان القوى في المجتمع. وكل هذا حسن للغاية.. ولكن ما الذي سيملأ الفراغ بعد الدكتاتورية ويحلّ محلها؟.

دعنا لا نقع فريسة لوهم التوقعات بالديمقراطية بعد القذافي. فالعالم العربي هو أيضًا عالم ثقافة الثأر، ولكل مجموعة فيه أسبابها للأخذ به.

لقد اختلت موازين القوى التي تحفظ الأمر الواقع كما هو. وفي ليبيا، على سبيل المثال، لا توجد آلية يمكن الركون إليها من أجل إطفاء نار التوترات الباقية. وهكذا، فحتى في بلد صغير وثري نسبيًا مثل ليبيا، فهناك الاحتمال القوي للغرق في أطناب الفوضى.

... والمثال السوري

هل يتعلم بشار من مصير معمّر؟

لهذه الفوضى نفسها أن تنتشر بسرعة هائلة إلى أجزاء أخرى في المنطقة. فكيف سيأتي رد فعل الرئيس السوري بشار الأسد على تطورات الأحداث في ليبيا؟.

غالب الظن أنه لن يستجيب لنصيحة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، القائلة بتسليمه الوديع للسلطة إلى laquo;القوى الديمقراطيةraquo;.

وسوريا، كالعديد غيرها من دول المنطقة، مؤلفة من مجتمع في غاية التعقيد، لأنه خليط من مجموعات إقليمية وعرقية ودينية ومذهبية مختلفة، ولا تخلو من التنافرات العميقة الخطرة، لكنها تنصهر رغمًا عنها في بوتقة أسرة الأسد العلوية، التي تستخدم لهذا لغرض الأساليب التقليدية المعروفة في عالم الطغيان بالطبع.

والعلويون قوم جبلي، انخرط أفراده بكثافة في صفوف القوات المسلحة خلال الستينات والسبعيات، عندما كان السنّة مشغولين بالمناظرات السياسية وجمع المال.

واستطاع العلويون الحصول على مناصب عسكرية عليا إلى حد، سمحت لحافظ الأسد بانتزاع السلطة بسهولة، وأن يقضي على خصومه، كما حلا له، ويحكم البلاد بقبضة حديدية لم ترتخ طوال فترة حكمه التي امتدت 30 عامًا. وها هو ابنه ووريثه في الحكم، بشار، يوظف اليد نفسها والرعيل القديم نفسه والسياسة نفسها، باعتبار أن القوة الساحقة هي العلاج الناجع المجرّب لنوع المشاكل التي يواجهها نظامه الآن.

عامل الخوف

حكمًا على ما نراه، فقد نجح بشار حتى الآن في مسعاه ذاك. على أن لهذا سببًا، وهو أن للعديد من السوريين مخاوف عميقة إزاء ما يمكن أن يحدث في حال سقوط نظام الأسد. فقد يصبح الأمر حمّامَ دم في حق العلويين أولاً، ثم ينتشر، ليشمل جماعات عرقية وطوائف أخرى.

وقد شهد السوريون ما حدث في بلد ذي تركيبة مشابهة هو العراق، الذي تدفق من لاجئيه قرابة المليون الى أراضيهم. ويتذكر السوريون أيضًا أحداث لبنان laquo;الشقيقraquo; في السبعينات عندما كان الوصول إلى نقطة التفتيش الخطأ يعني فقدان الحياة، لا لسبب غير اختلاف الدين أو الطائفة.

بالطبع، فإن بشّار مدرك كل هذا، وعليه فهو لا يعير حتى القدر الأدنى من الاهتمام بما يقوله الغرب ونوع النصائح والتوجيهات التي يمكن أن يطلقها البيت الأبيض في اتجاهه.

على هذا الأساس، فلا يوجد أمامه من خيار سوى التعلق بالسلطة عن طريق القوة الضاربة الماحقة متلازمة في الوقت نفسه مع تقديم قدر من التنازلات الإصلاحية سعيًا إلى المزيد من تليين العناصر المعارضة. وأضاف إلى هذا أن الانتقادات الغربية قد تأتي بعكس المرجو منها. ذلك أن الشعب السوري لم يعتد ولا يستسيغ تمليته النحو الذي يجب أن يعيش به من أطراف خارجية.

حصانة إقليمية

وضع سوريا نفسها باعتبارها لاعبًا عربيًا أساسيًا في المنطقة وتاريخها وجغرافيتها يعني أنها لن تتعرّض لأي ضغوط إقليمية، من شأنها التأثير على مجريات الأحداث داخلها.

هذا لأن الأثر التركي يكاد يغيب بالكامل عن الساحة الداخلية، ومصر مشغولة بهمومها الآنية، والسعودية حذرة كعادتها، وإيران ستقف الى جانب نظام دمشق، بغضّ النظر عن كل المعطيات لأنه حليفها الوحيد في عموم المنطقة العربية.

داخليًا، فثمة خطران في سوريا: الأول هو أن شقًا متناميًا من الجيش سيرفض، عاجلاً أو آجلاً، إطلاق النار على المدنيين، والثاني هو أن المعارضة ستنحو بشكل متزايد لرفع السلاح في وجه النظام. والأسد نفسه يقول إن العديد من عناصرها عبارة عن laquo;عصابات مسلحةraquo; ترتكب جرائم القتل بلا رادع.

بالطبع فإن الأسد يقصد، في حديثه عن laquo;العصابات المسلحةraquo;، تنظيم الإخوان المسلمين، الذي قد يصبح التيار الرئيس، وسط القوى المعارضة له. وهذا سيكون تطورًا من شأنه قرع أجراس الخطر في الغرب على الأقل.

لا زهور للأسف

فليصمت إذن من كان يتحدث عن تفتق براعم الديمقراطية في ربيع عربي. فما يحدث صراع سيكون طويلاً وقاتلاً... وستأتي نتائجه على هذا الشكل أو ذاك، لكن المؤكد أنها لن تكون أزاهير الحرية والديمقراطية التي يحلم بها البعض.