بيروت: أثار انهيار المبنى القديم في بيروت مخاوف من تكرار مثل هذه الكارثة التي اسفرت عن مقتل 27 شخصا، في ظل انتشار مبان قديمة متهالكة في مناطق مختلفة من لبنان يتجاهل اصحابها تطبيق قوانين السلامة العامة وتغفل الدولة عن محاسبتهم او عن المراقبة.

وانهار المبنى الاحد في الاشرفية في شرق بيروت في لحظات، على ما روى شهود. واخرجت فرق الانقاذ 27 جثة من تحت الانقاض، و12 جريحا بينهم لبنانيون وعمال اجانب، فيما تمكن ثمانية من سكان المبنى من مغادرته قبيل انهياره.

وروى احد الشهود ان قطعا من الحجارة بدأت بالسقوط من المبنى ذي الطبقات الست مساء الاحد لكن احدا لم يعر ذلك اي اهتمام، ثم بدأت حجارة بحجم أكبر بالسقوط قبل ان ينهار المبنى كليا. ووصف شهود لحظة الانهيار بانها كانت quot;اشبه بزلزالquot;.

واثار الحادث استياء من السلطات واتهامات للحكومات المتعاقبة بالتقاعس عن الرقابة على المباني المهددة بالسقوط. ويقول عضو الهيئة التأسيسية للجمعية اللبنانية للتخفيف من اخطار الزلازل المهندس راشد سركيس لوكالة فرانس برس ان المباني المهددة بالسقوط quot;لا تقتصر على بيروت، بل هي موجودة في مناطق لبنانية كثيرةquot;.

ويوضح سركيس ان مرسوم السلامة العامة في الابنية والمنشآت يفرض ان تكون الابنية المشيدة اعتبارا من تاريخ صدور المرسوم العام 2005 مطابقة لمعايير السلامة العامة. ويقول ان quot;احترام هذا المرسوم يضمن سلامة الابنية، لكن في احيان كثيرة لا يطبق القانون حتى في المباني الجديدة. بعض التجار يستغلون اي فرصة لزيادة ربحهم حتى على حساب السلامة العامةquot;.

اما بالنسبة الى المباني العائدة الى ما قبل 2005 quot;فينص المرسوم على ضرورة ان تصبح مطابقة لمعايير السلامة العامة، اذا تقرر اجراء اي تغيير فيها لجهة الترميم او تغيير وجهة الاستعمال او غير ذلك (...) لكن هذا القانون غالبا لا يطبقquot;.

ويزيد من تعقيد المشكلة ان الكثير من المباني بنيت بشكل غير شرعي لا سيما خلال الحرب الاهلية (1975-1990). وقد اضاف بعض مالكي المباني طوابق على مبانيهم القديمة دون الحصول على تراخيص.

وافاد بعض الناجين من المبنى المنهار في الاشرفية ان صاحب الملك حذرهم مرارا بضرورة مغادرة المبنى لانه معرض للسقوط، لكنهم لم يفعلوا، بسبب عدم توفر مأوى آخر لهم.

ويقول رئيس لجنة الاشغال العامة في البرلمان النائب محمد قباني ان quot;كثيرا من المباني شيدت كذلك قبل صدور قانون العام 1971 الذي يفرض القيام بدراسة هيكلية قبل المباشرة باعمال البناءquot;. ويضيف quot;انها عملية فوضوية عشوائيةquot;، مشيرا الى ان البناء الذي انهار الاحد quot;لم يكن فيه شبكة معدنية على ما يبدو، وهو يفتقر الى المقومات الاساسيةquot;.

ويرى سركيس ان الطريقة لتفادي مآس جديدة هي في quot;تشجيع الناس على (...) الطلب من خبراء الكشف على الابنية التي تعود الى ما قبل 2005 والمهددة بخطر ما للتحقق من معايير السلامةquot;. الا ان قوانين الايجار القديمة وانخفاض قدرة اللبنانيين على الانتقال الى مساكن جديدة، تتسبب بمشكلة مزدوجة يعاني منها المالك والمستأجر.

فالمستأجرون بموجب عقود ايجار قديمة ما زالوا يدفعون بدلات ايجار متدنية قد لا تتجاوز 300 دولار سنويا في بعض الحالات مقابل شقق واسعة في وسط العاصمة. أما بموجب عقود الايجار الجديدة، فان ايجار غرفة واحدة في بيروت قد يصل الى 3600 دولار سنويا.

ويقول النائب قباني quot;كيف يمكن ان نطلب من صاحب مبنى لا تتجاوز بدلات ايجاره خمسة الاف دولار سنويا، ان يدفع مئة الف دولار لتجديد البناء؟quot;. ويضيف quot;من جهة ثانية، كيف يمكن ان نطلب من العائلات ان تغادر مساكنها مقابل تعويضات لا تكفي لتأمين مسكن بديلquot;.

ويخلص الى القول quot;المشكلة تقنية واقتصادية في آن واحدquot;. وحضت السلطات المواطنين على الابلاغ عن اي مبنى يشتبه في امكانية سقوطه. ويقول رئيس بلدية بيروت بلال حمد quot;سنتصرف فورا في حال وجود مخاوف تجاه أي من المباني القديمة، وبعضها اصبح اشبه بالقنابل الموقوتةquot;.

ودعا حمد مالكي المباني والمستأجرين الى quot;ابلاغ البلدية في حال ساورتهم اي شكوك حول سلامة مبناهمquot;. لكن البعض يرى ان تحرك السلطات أتى متأخرا. ويقول سركيس quot;حذرنا من هذا الامر منذ زمن طويل (...) لكن للأسف في لبنان لا احد يتحرك الا عندما يموت الناسquot;.