أكد أكاديميون أن زواج المواطنة الإماراتية بوافد أو أجنبي يواجه الكثير من التحديات والصعوبات، التي قد تؤدي إلى فشل ذلك الزواج أو اهتزاز شخصية الأبناء، ولفتوا إلى أن هذا الزواج يواجه بنظرة منقوصة من قبل المجتمع.


ارتفع أخيراً معدل زواج المواطنات الإماراتيات بأجانب. وانقسمت آراء الشارع الإماراتي بين مؤيد لفكرة زواج الإماراتية بأجنبي ومعارض له، فالبعض يرى أن الزواج المختلط يمكن أن يكون حلاً لمشكلة العنوسة وتأخر سنّ الزواج لدى الكثير من الإماراتيات. في المقابل يؤيّد البعض ما ذكره الأكاديميون بأن سلبيات هذا الزواج المختلط أكثر من إيجابياته، حيث إنه يؤدي إلى تشرذم الأسر وتشتتها، كما إنه قد يساهم في خلق شباب متذبذب وغير قادر على اتخاذ القرارات.

وقال أكاديميون لـquot;إيلافquot; إنه عندما تكون ثقافة الوالدين مختلفة يعيش الأبناء في صراع نفسي كبير، لأن كل من الوالدين يسعى إلى فرض ثقافته وعاداته وتقاليده على أبنائه، ومن هنا ينشأ خلاف أسري ثقافي بين الزوج والزوجة، وعادة ما يكون الأبناء هم ضحية ذلك الخلاف.

نظرة المجتمع وquot;عقدة النقصquot;

من جهتها قالت الدكتورة حصة لوتاه الأستاذة المساعدة في قسم الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات العربية المتحدة لـquot;إيلافquot; إن زواج المواطنة الإماراتية بأجنبي أو وافد إلى الدولة غالبًا ما تصاحبه مشكلات عديدة، سواء بالنسبة إلى الزوجة نفسها أو أولادها، من حيث مدى ارتباط الأبناء بثقافة المجتمع الإماراتي ومدى انتمائهم إليه، وهل ينتمي الأبناء إلى ثقافة الأب أم ثقافة الأم.

مضيفة أن المشكلة الأكبر هي أن مجتمع الأم ينظر إلى أبناء هذه المواطنة المتزوجة بأجنبي على أنهم نصف مواطنين، مما يؤثر سلبًا على نفسية هؤلاء الأبناء، حيث يشعرون بأنهم لا يشبهون أقرانهم من أبناء المواطنة الإماراتية المتزوجة بمواطن إماراتي، وبالتالي يشعرون بأن هناك اختلافًا كبيرًا في الحياة داخل الدولة عن هؤلاء، الأمر الذي يشكل لهم ما يسمّى بـquot;عقدة النقصquot;، ويجعلهم يعيشون في صراعات نفسية معقدة نتيجة نظرة المجتمع المنقوصة لهم.

وأوضحت الدكتورة لوتاه أن الاختلافات الثقافية بين الأب والأم قد لا تظهر أو تكون ملموسة في بداية الزواج، نتيجة أن الزوجين في بداية زواجهما يسعيان إلى تبادل المودة أو لوجود الحميمية بينهما، ولكن مع مرور الوقت تبدأ مشاكل الاختلافات الثقافية في الظهور بشدة، خاصة عند تربية الأبناء وطريقة التعامل معهم، وهو ما قد يجعل الأبناء يواجهون الكثير من المتاعب نتيجة الشد والجذب المستمر بين الأب والأم.

وأشارت الدكتورة لوتاه إلى أنه quot;لا يمكننا القول إن زواج المواطنة الإماراتيةبأجنبي أصبح ظاهرة في المجتمع الإماراتي، لأن ليست المواطنات كلهنيسعين إلى الزواج بأجانب، فمعظمهن يتزوجن بمواطنين إماراتيين، وبالتالي لا يمكن أن نطلق عليها ظاهرة، ولكننا نقرّ بأن هناك مؤشرات إلى وجود بعض التغيرات في المجتمع نتيجة التحولات الكبيرة التي تدور حولنا، وبالتالي قد تكون هناك طفرات في بعض أمورنا الحياتية، ويمكننا القول إنه لا يمكن وضع معايير ثابتة لتلك المسألة، ولكنها مشكلة موجودة في المجتمع تؤثر على مستقبل الأبناء الناجمين من هذا الزواجquot;.

الزواج المختلط ليس الحل لمشكلة العنوسة

وبينت لوتاه أن زواج الإماراتية بأجنبي ليس هو الحل لقضية العنوسة في مجتمع الإمارات، لأن مشكلة العنوسة قد تعود إلى التعليم على سبيل المثال أو إلى أمور اجتماعية أخرى كثيرة، لافتة إلى أنه لا يمكن أن نحلّ مشكلة العنوسة بمشكلات أخرى كثيرة، قد تترتب على زواج الإماراتية بأجنبي، حيث يكون ذلك مجرد ترقيع للمشكلة ليس إلا، وذلك إذا تزوج الأجنبي بالإماراتية بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، وسعى وراء مكاسب خاصة له من دون أن يكون الهدف من ذلك الزواج المحبة وتكوين أسرة مستقرة ومتماسكة.

وقالت لوتاه إن قرار رئيس دولة الإمارات بمنح أبناء الإماراتيات الذين تجاوزت أعمارهم 18 عامًا الجنسية الإماراتية لن يدفع إلى فتح المجال على مصراعيه أمام الإماراتيات للزواج بأجانب، حيث إن الحصول على الجنسية الإماراتية لن يكون بالسهولة التي يتخيلها أو يعتقدها البعض، إنما هناك معايير يتطلب توافرها وموافاتها في الشخص المتقدم للحصول على الجنسية.

مضيفة أنها تؤيد بشدة قرار رئيس الدولة بمنح الجنسية لأبناء المرأة الإماراتية المتزوجة بأجنبي، وذلك أسوة بأبناء الإماراتي المتزوج بأجنبية. ونوهت لوتاه بأنها تعتقد أن أي انسان يولد ويعيش في مكان ما فترة طويلة يشعر بالانتماء والولاء إلى هذا المكان، حتى ولو لم يكن هذا الموطن هو موطنه الأصلي. فالانتماء الحقيقي يكون إلى المكان الذي يولد فيه الشخص ويعيش طفولته فيهويعمل ويعيش فيه بقية حياته.

انتماء الأبناء وولاؤهم للثقافة الأقوى

من جانبه أكد الدكتور محمد سعيد حسب النبي أستاذ العلوم التربوية ورئيس قسم التربية في جامعة الحصن في أبوظبي لـquot;إيلافquot; أن الزواج بين اثنين من ثقافة مختلفة له العديد من السلبيات، في مقابل القليل من الإيجابيات، مبينًا أن الأبناء سيضطرون إلى اتباع الثقافة الأقوى والغالبة، والتي غالبًا ما تكون ثقافة الأم، لأن الأم هي التي تقضي مع الأبناء معظم وقتهم على عكس الأب، وفي المقابل سيسعى الأب إلى فرض ثقافته على أبنائه، وبالتالي ينشأ صراع بين الطرفين.

وأضاف الدكتور حسب النبي أنه عندما يكون هناك صدام بين ثقافتين، فإن شخصية الأطفال تصاب بتخبط شديد في التكوين، وكلما كبر هؤلاء الأبناء يزداد الاضطراب النفسي لديهم، وتتسم شخصيتهم بالتردد والاهتزاز، وتكون لديهم صعوبة في اتخاذ القرار، ويعانون عدم الوفاق، ويكونون كذلك في حيرة من حيث quot;إلى أي هوية يمكنهم الانتماء وإلى من يعود ولاؤهم.. هل إلى موطن والدهم أم إلى موطن والدتهم؟. مشيرًا إلى أنه من الصعب أن يكون لهؤلاء ولاء مزدوج لموطن الأب وموطن الأم، إنما سيكون لديهم ولاء للمصلحة وللمكان الذي نشأوا وتعلموا فيه، وإضافة إلى ذلك عندما يعود الأبناء إلى موطن الأب، يصطدمون بالواقع، ويشعرون بأنهم غرباء عن ذلك الموطن بسبب نشأتهم لفترة طويلة في موطن الأم.

تشرذم وانشقاق

وأشار الدكتور حسب النبي إلى أنه عادة ما تكون النتائج المترتبة على الزواج المختلط سلبية وسيئة في مقابل إيجابية واحدة، وهي التعرف إلى ثقافة أخرى. مؤكدًا أنه بعد فترة من الزواج تنشأ خلافات بين الزوجين من بيئتين مختلفتين، وقد يحدث شقاق يؤدي إلى الانفصال، وقد ينقسم الأبناء أنفسهم، حيث يؤيد بعضهم الأب ويقفواإلى جانبه ويعيشون معه في موطنه، وفي المقابل يؤيد البعض الآخر موقف الأم ويعيشوا معها في موطنها، وهنا يحدث تشرذم وانشقاق داخل الأسرة الواحدة، ما يؤدي إلى تفككها وعدم استقرارها. ونوه حسب النبي بأن الزواج المختلط يمكن أن يكون ناجحًا في حالة واحدة، وهي تنازل أحد الزوجين وخضوعه واستسلامه للطرف الآخر.

فشل الزوج المواطن

وقال خليل المنصوري quot;مدير إداريquot; إنه لا يمكن الحكم بالفشل على زواج الإماراتية بأجنبي، حيث إن هناك الكثير من المواطنات اللواتي فشلن في حياتهن مع الزوج المواطن، ومن ثم تطلقن بعدما أنجبن، ولم يجدن حياة سعيدة مع الزوج المواطن، متسائلاً: ما المشكلة أن تتزوج المواطنة بأجنبي يكون على خلق ودين؟.. طالما أن الرجل لديه الحق في الزواج بأجنبية، فللمرأة أيضًا الحق في أن تتزوج بأجنبي إن رغبت في ذلك، ولكن عليها أن تتحمّل مسؤولية هذا الزوج ومسؤولية اختيارها، لأن ذلك لن يؤثر على مستقبلها وحدها، ولكن يمتد بالتالي إلى مستقبل أبنائها.

وأوضح أحمد الشامسي quot;رجل أعمالquot; أن الإنسان ليس بهويته، ولكن بدينه وأخلاقه، مضيفًا أنه يؤيّد زواجالإماراتية بأجنبي، إذا كان من إحدى دول الخليج العربي أو الدول العربية، لأن هذا الزواج لن يكون مختلفًا إلى حد بعيد عن زواج الإماراتية بإماراتي.

وقالت مريم عبدالله quot;موظفة حكوميةquot; إنها تقبل أن تتزوج بوافد عربي، شريطة أن يعيش معها داخل الدولة بشكل مستمر، وأن يعيش أبناؤها في المستقبل معها أيضًا، لافتة إلى أن الفتاة الإماراتية وصلت بفضل التعليم إلى درجة كبيرة من المعرفة والإدراك والخبرة، ما يمنحها القدرة على التمييز بين الشخص الذي يريد أن يتزوجها من أجل تحقيق مصلحة خاصة له، وبين الشخص الآخر الذي يريد أن يتزوجها من أجلها هي، وسعيًا إلى بناء أسرة مستقرة ومتماسكة ومستقبل مستقر لزوجته وأبنائه.

وأشارت عبدالله إلى أنه لا يوجد زواج يخلو من الخلافات والمشاكل البسيطة، وأنه إذا كان الزوجان مثقفين وواعيين فيمكنهما السيطرة على تلك الخلافات، التي يمكن أن تنشأ بسبب الاختلافات الثقافية بين الطرفين، والتي عادة ما تكون سطحية.

الزوج العربي

وذكرت آمنة محمد quot;موظفة حكوميةquot; أنها متزوجة بوافد من إحدى الجنسيات العربية منذ 10 سنوات تقريبًا، ولديها 3 أبناء، وأنها تعيش حياة مستقرة مع عائلتها داخل الإمارات.موضحة أنها كانت متزوجة بمواطن في بداية حياتها، ولم يكتب لحياتهما النجاح، ومن ثم عاشت عامين بدون زواج، حتى تقدم للزواج بها زميلها في العمل من إحدى الجنسيات العربية، ولكن أهلها رفضوا هذا الزوج في البداية، بحجة أنه غير إماراتي، وخوفًا من أنه ربما يسعى إلى تحقيق مصالح خاصة له من وراء هذا الزواج، وأن حياتها الأسرية قد لن يكتب لها النجاح في المستقبل.

وأضافت أنها أصرّت على الزواج به، لأنها وجدت فيه الطيبة وحسن الخلق، وقالت لأهلها إنها تتحمّل مسؤولية هذا الزواج. وأكدت أنها حتى الآن تعيش حياة مستقرة وسعيدة في الدولة مع زوجها وأبنائها، وأنها تسافر مع أسرتها وزوجها إلى دولته كل عام لمدة شهر كامل لتزور عائلة زوجها.

وقالت quot;ليس لديّ أي مانعمن أن يحمل أبنائي جنسيتي أو جنسية والدهم.. ولهم وحدهم حق الاختيار في ذلك، لأنه في النهاية مستقبلهمquot;.

الجنسية الإماراتية

في المقابل أكد عدد كبير من الإماراتيين رفضهم لزواج الإماراتية بأجنبي، وذلك لأن الزوج الأجنبي يسعى من وراء ذلك الزواج إلى تحقيق مصالح خاصة له، مثل الحصول على الجنسية الإماراتية أو الحياة في مستوى معيشي مرتفع أو غير ذلك.

مشيرين إلى أن ذلك الزوج عندما يحصل على مآربه، سيترك الزوجة الإماراتية ويطلقها، سعيًاإلى حياة أخرى جديدة. وأضافوا أن الأبناء الناتجين من هذا الزواج سيدفعون في المستقبل ثمنًا باهظًا لزواج والدتهم بأجنبي، كما سيواجهون تحديات لا حصر لها.

تجدر الإشارة إلى أن هناك إحصاءات تشير إلى ارتفاع معدلات المواطنات الإماراتيات اللاتي يتزوجن بأجانب في الآونة الأخيرة بنسبة تقترب من حاجز الـ 10 % سنويًا. كما تشير بعض هذه الإحصائيات أيضًا إلى أن كل حالتي زواج لمواطنين إماراتيين بإماراتيات يقابلها حالة زواج لمواطنة بأجنبي.