من العقوبات التي فرضها النظام على داريا حرمانها من الخدمات ومضايقة أهلها وسلبهم ممتلكاتهم وضربهم على حواجز التفتيش. وهم يسألون أين المساعدات التي وعدتهم بها دول العالم التي تضامنت معهم؟


شعارات معادية للرئيس السوري خطها معارضون على عربة تابعة للأمم المتحدة

إعداد عبدالإله مجيد: أبلغ أزلام النظام السوري أم محمد أنهم سيعودون بعد ساعة مصطحبين زوجها وأبناءها ومعهم رجال آخرون اعتقلتهم الأجهزة الأمنية من قبو ملجأ في ضاحية داريا في ريف دمشق. ولكنهم بدلاً من ذلك قتلوهم كلهم رميًا بالرصاص، كما أكدت أم محمد. والآن تخشى الأم المترملة والمثكولة أن تعود زبانية الرئيس بشار الأسد إلى جولة أخرى من القتل، بلا وازع ولا رادع يوقفهم.

وقالت أم محمد باكية quot;نحن جميعًا خائفون، لأن هناك شائعات كثيرة تتحدث عن أنهم سيهاجمون داريا مرة أخرى. فهم يقولون باستمرار إن هذه ليست النهايةquot;.

تملأ محنة داريا مجلدات عن تطور، أو نكوص، النزاع السوري المستمر منذ 18 شهرًا ومواقف العالم منه. وبعد أكثر من شهر على ما وصفه مواطنون من سكان المنطقة في المجزرة، التي راح ضحيتها 500 شخص على الأقل، نُسيت داريا وتُركت تعيش حزنها بمفردها، فيما تواصل قوات النظام تطويق البلدة، لتذكيرها بأن ضربة أخرى يمكن أن تهوي عليها في أي وقت من دون أن ينتبه أحد.

وعندما قُتل 108 أشخاص في بلدة الحولة وسط سوريا في أيار/مايو جرى الحديث على نطاق واسع عن الواقعة بوصفها نقطة انعطاف محتملة في مواقف المجتمع الدولي ما أصبح حربًا طاحنة.

وعندما أُبلغ عن مقتل أضعاف هذا العدد في داريا على امتداد أيام في أواخر آب/أغسطس، أطلقت المجزرة الجديدة موجة خاطفة من الإدانات، ثم أعقبها ما يشبه الصمت المطبق quot;وكأن النزاع السوري أصبح شيئًا يمكن أن يتعايش المجتمع الدولي معهquot;، كما نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن دبلوماسي متخصص بالشؤون السورية.

كانت مجزرة داريا من أشد أعمال العنف دموية في أي مكان من سوريا منذ اندلاع النزاع. وأدانها أعداء نظام الأسد ومؤيدوه على السواء رغم التباين الحاد، كالعادة، بين ادعاءات كل فريق بشأن الجهة المسؤولة عن المجزرة.

وقالت وكالة الانباء الرسميةquot;ساناquot; إن القوات المسلحة quot;طهّرتquot; داريا من quot;فلول المجموعات الإرهابية المسلحة التي ارتكبت جرائم ضد أبناء البلدةquot;. وفي تقرير ندد به كثير من السوريين قابلت قناة quot;الدنياquot; الموالية للنظام ضحايا كانوا يحتضرون، معلنة أن العنف يُرتكب من أجل quot;قضيةquot; الحرية ترديدًا لرواية النظام، الذي ينفي استهداف المدنيين، ويدّعي أنه ضحية مؤامرة إرهابية مدعومة من الخارج.

لكن مواطنين من سكان البلدة قالوا إن قوات النظام التي أغضبتها هجمات الجيش السوري الحر على مواقعها ومطار عسكري قريب قصفت داريا قصفًا عنيفًا في البداية، ثم دفعت بجنودها وشبيحة النظام إلى البلدة، حيث أخذوا ينهبون ويقتلون الأهالي من بيت إلى بيت.

أطفال قضوا في مجزرة داريا الشهيرة التي يتقاذف كل من النظام والثوار مسؤولية وقوعها

واعتُقل آخرون ليزيد عدد الموقوفين أو المفقودين على 700 من اهالي البلدة، بحسب ناشطين. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن احد السكان قدم نفسه باسم ديراوي ان النظام اعتقل اثنين من اشقائه بدعوى عدم التبليغ عن وجود مخبأ سلاح للجيش السوري الحر قرب منزلهما. وقال ديراوي ان شقيقيه لا يعرفان حتى ما هو السلاح. وأكد ديراوي quot;ان هذه المعاناة ستزيد الناس تصميمًا على التخلص من الأسدquot;.

ويقول ناشطون إن الاعتقالات التي تستهدف الشباب بالدرجة الرئيسة تأتي في اطار حملة أوسع يقوم بها النظام لمعاقبة سكان داريا جماعيًا. ومن العقوبات الأخرى التي فرضها النظام حرمان الضاحية من الخدمات ومضايقة الأهالي وسلبهم والاعتداء عليهم بالضرب على حواجز التفتيش. وقال الناشط المحلي المعارض ابو كنعان quot;انها خطة يريد بها النظام ألا يبقى أي مستقبل لهذه المنطقةquot;.

وبعد اسابيع على المجزرة تبدو شوارع داريا الهادئة مكانًا لم يمت بعد، ولكنه ليس حيًا تمامًا. وبعدما دُفنت جثث الضحايا ونُظفت الشوارع كانت آثار ما حدث بادية في المباني المدمرة بالقصف وواجهات المتاجر المخرمة بثقوب الرصاص، والأشد رعبا في الأكمة الطويلة، التي قال مواطنون انها قبر جماعي يحوي مئات الجثث.

وبعدما كانت المنطقة معروفة بكرومها وأثاثها الأنيق فانها تجسّد الآن نموذجًا مصغرًا لثورة بدأت سلمية، لكن فظائع النظام اشعلت فيها حربا ورغبة في الثأر. إذ قال الناشط ابو كنعان ان احد الشبيحة اعتُقل قبل يوم. وحين سُئل عما حدث له مط شفيته وقال quot;أحسب انه ميت الآنquot;.

وفيما ينتظر اهالي داريا متحسبين لما هو اسوأ، فانهم ينتظرون باحساس من التسليم بالأمر الواقع وتخلي العالم عنهم، بدأ يسود بينهم قبل مجزرة آب/اغسطس وتعمق بعدها.

وانتقد اهالي البلدة القوى الغربية لتقاعسها عن المساعدة على انقاذ غياث مطر، الناشط الذي اعتُقل وقُتل منذ عام، بعدما عُرف بتنظيمه احتجاجات سلمية، تُقدم فيها الزهور والماء إلى جنود النظام. وحضر سفراء أجانب في سوريا، بينهم السفير الاميركي روبرت فورد، مجلس العزاء، الذي أُقيم على روح مطر، ولكن اهالي داريا، مثلهم مثل الكثير من السوريين، كانوا يتوقعون من القوى الدولية أكثر من المواساة والتنديد.

وقال موظف حكومي لصحيفة فايننشيال تايمز طالبًا عدم ذكر اسمه quot;ان العالم كله كان يتحدث عن مساعدتنا، ولكننا لم نر شيئا من المساعدات التي وعدونا بهاquot;.