الجدل مستمر في المجتمع الأميركي حول قدرة الحكومة الأميركية على سن قوانين صارمة لتقييد حيازة الأسلحة، وكيفية التعامل مع متجاوزي ذلك، من خلال إدخال تعديل ثانٍ على المادة الموجودة في الدستور، والتي تحمي حق الأفراد في حيازة الأسلحة النارية.


واشنطن: فجر الحادث المأساوي الأخير الذي حدث منتصف كانون الأول (ديسمبر) في مدينة نيوتاون في ولاية كونيكتيكات، الذي ذهب ضحيته عشرون طفلًا وسبعة من المدرسين برصاص شاب عشريني قتل والدته ثم قتل نفسه، جدلًا واسعًا في الشارع الأميركي الذي طالب باتخاذ اجراءت أكثر صرامة مع مرتكبي هذه الحوادث، وسن قوانين متشددة تمنع امتلاك السلاح وتصعّب الحصول عليه.

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد دعا إلى التحرك سريعًا لمواجهة الجرائم المسلحة في الولايات المتحدة، وبذل المزيد من الجهود لحماية الأطفال، موضحًا أنه سيستخدم كل سلطات مكتبه لمنع تكرار هذه المأساة. وقال: quot;لا يمكننا التهاون مع هذا الأمر بعد الأن، وعلى هذه المآسي أن تنتهي، ولكي تنتهي لا بد من أن تتغير القوانينquot;.

ثم أعلن في وقت لاحق عن تعيينه ائبه جو بايدن لتولي قيادة الجهود في وضع مقترحات من شأنها أن تؤدي إلى إصلاحات في قوانين الأسلحة والعنف المسلح، مؤكدًا صعوبة القضية إذ لا يوجد قانون يستطيع أن يمنع جذريًا كل الأعمال التي تتسم بالعنف المسلح .

وصرح جي كارني، الناطق باسم البيت الأبيض، أن أوباما يؤيد بقوة خطة السناتور الديمقراطية دايان فينشتاين لإعادة العمل بقانون حظر السلاح الهجومي، الذي انتهى العمل به في العام ٢٠٠٤، خلال فترة جورج دبليو بوش الرئاسية.
وكانت فينشتاين قد أعلنت في تصريح تلفزيوني أنها ستطرح مشروع قانون على مجلس الشيوخ لحظر الأسلحة الهجومية، وأن مشروعًا مماثلًا سيطرح في مجلس النواب.

تعديل التعديل

كان أوباما قد أعرب في حملته الإنتخابية الثانية عن تأييده لحظر السلاح الهجومي، وذلك في خلال إحدى المناظرات مع منافسه ميت رومني. لكن بعد حادثة المدرسة، تزايدت دعوات المسؤولين الأميركيين المطالبة بسن قوانين صارمة، من شأنها أن تحكم السيطرة على انتشار السلاح. كما طالب أوباما آعضاء الكونغرس بتقديم مقترحاتهم لمناقشتها حول هذا الموضوع في كانون الثاني (يناير) المقبل.

لم تكن تلك هي الحادثة الأولى التي يذهب ضحيتها عدد من المواطنين بسبب انتشار السلاح بين أيدي الأميركيين. لكنها ذكرت المجتمع بجميع الحوادث التي حصلت في الأعوام العشرة السابقة، بسبب سهولة الحصول على الأسلحة النارية، هذه السهولة التي يكفلها التعديل الثاني في الدستور الأميركي.

ويعد هذا الحادث الأكثر تأثيرًا على الرأي العام، ساهم جديًا في تحريك المجتمع لمطالبة الحكومة بوجوب التدخل لتعديل القانون لحماية أنفسهم وأبنائهم من خطر السلاح. وينص التعديل الثاني في الدستور الأميركي على أن quot;حق الناس في الإحتفاظ وحمل السلاح لن يمس، فوجود ميليشيات منظمة جيده هو أمر ضروري لأمن الدولة الحرةquot;.

قراءة مختلفة

من جهته، يرى البروفيسور إدوارد فاليري، أستاذ القانون في جامعة أوكلاهوما، أن وجود قانون لا يعني بالضرورة عدم وجود إجراءات مشددة لشراء وامتلاك تلك الأسلحة، مضيفًا: quot;كلمة الناس في الدستور لا تعني بالضرورة جميع المواطنين، فقد وضع هذا النص في وقت معينquot;.

ويعتقد فاليري أن المشكلة لا تكمن في التعديل الدستوري كقانون، ولكن في كيفية قراءته وتفسيره من قبل المشرع، قائلًا: quot;قد يفهم من النص بأنه حق للجميع، لكن لو تمت قراءته في السياق التاريخي الذي وضع فيه، فقد نجده لا ينطبق على كل الأحوالquot;، مضيفًا أنه عندما تم وضع هذه المادة في الدستور كانت لها ظروف تاريخية خاصة، فقد أعطي هذا الحق في العام ١٧٩١، في ظروف وبيئة مغايرة عن البيئة المعاصرة.

لكنه يؤكد أن المشكلة لا تكمن في التعديل الدستوري الخاص بامتلاك الأسلحة النارية، ذلك أن هنالك دومًا أدوات يمكن استخدمها للقتل، قائلًا: quot;من يريد أن يقتل يبحث دائمًا عن وسيلة حتى لو تم حظر السلاح الناري، ومن الممكن أن يتم استخدام السكاكين أو المتفجرات أو أية طريقة أخرىquot;.

لذلك، فهو يرى أن سن القوانين الصارمة في امتلاك الأسلحة لا تكفي، بل يجب الوقوف على الأسباب للبحث عن حلول، من شأنها أن تمنع أو تحد من تلك المخاطر، مؤكدًا على أهمية العوامل النفسية للفرد التي تلعب دورًا كبيرًا في وجود بعض الجرائم في المجتمع. فهناك الكثير ممن يعانون من مشاكل نفسية وأسرية. كما تعمل العوامل الإقتصادية كالبطالة وفقدان العمل أحيانًا على تدمير حياة الشخص الذي قد ينعزل عن المجتمع، وتجعله يفكر في تدمير نفسه أو تدمير المحيطين به، مستخدمًا السلاح الذي قد يكون الذي يتوفر له ذلك الوقت لإستخدامه.

المشكلة في الوازع

من ناحية أخرى، يعتقد كثير من المواطنين أن الجمعية الوطنية للسلاح، التي تعد من أكبر المدافعين عن التعديل الدستوري الثاني وحق امتلاك الأسلحة من باب الدفاع عن النفس، تتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب دفاعها المستميت عن حق امتلاك الأسلحة واعتراضها على سن قوانين صارمة لا تجيز للجميع اقتناء السلاح بسهولة ويسر.

وكانت هذه الجمعية قد لزمت الصمت خلال الحادث وبعده، ولم تعلق إلا بعد مضي أربعة أيام ببيان مقتضب أعلنت فيه استعدادها اامساعدة لعدم تكرار الحادث، ما اغضب الكثيرين.
كما سجل بعض أصحاب محلات بيع الأسلحة في مختلف الولايات رفضهم سن قوانين تمنع حيازة الأسلحة منعًا قطعيًا، في حين لا يمانعون بتطبيق قوانين وإجراءات مشددة على صغار السن، ورأوا أن المشكلة ليست في امتلاك السلاح وإنما في غياب الوازع الديني الذي يمنع ارتكاب الجرائم.

في الإطار نفسه، أعربت السيدة لورين آزمن، التي تعمل مدرسة في مدرسة ابتدائية في ولاية أوكلاهوما، عن بالغ حزنها بسبب الجريمة البشعة التي حدثت في نيوتاون، معتقدة أن سن قوانين صارمه حول امتلاك السلاح ليس هو الحل الوحيد الذي سيمنع حدوث الجرائم. لكنها تطالب بتوفير أجهزة تفتيش في المدارس، وتوفير رجال أمن أمام كل مدرسة ومجمع تجاري ودار سينما، وذلك لتعدد الجرائم في الأماكن العامة.
كما ترى السيدة دانييلا، التي تعمل في بنك آي بي سي وهي أم لطفليين، بأن تشديد الإجراءات على امتلاك وشراء السلاح من المتاجر جيد، لكنها ترى أيضًا أن التربية الدينية ضرورية للفرد من الأساس، لأنها تقيه من اللجوء لهكذا عمل، quot;فمن يريد أن يقتل لن ينتظر أن يشتري السلاح بل من الممكن أن يسرقهquot;.