أكد المرشح لوزارة الداخلية العراقية توفيق الياسري أن للتجاذبات السياسية داخل العراق دورًا في تأخير حسم أمر الوزارات الأمنية العراقية التي لما تزل تدار بالوكالة.


توفيق الياسري

عبد الجبار العتابي من بغداد: قال المرشح لمنصب وزير الداخلية العراقية الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق توفيق الياسري إن سبب عدم استباب الوضع الامني بعد تسع سنوات يعود إلى إرهاصات الساحة السياسية العراقية، التي لايمكن أن تنفصل عن مسارح العمليات الأخرى، ومنها ما يجري على الساحة السورية.

وأضاف الياسري خلال حديث موسع مع إيلاف أن هناك تداخلاً في قواعد المعلومات، وفي نشاط الإرهابيين، ونشاط الجماعات المسلحة، هناك حدود متداخلة ومساحات واسعة، وهناك دول داعمة للإرهاب، من مصلحتها أن تهزّ الأمن الداخلي للعراق، مشيرًا إلى أن التفجيرات لن تنتهي إن لم تعالج قضية اجتثاث منابع الإرهاب.

وأوضح مرشحوزارة الداخلية أن عملية اختيار الوزراء الأمنيين ما زالت تخضع للكثير من التجاذبات السياسية، الموضوع لم يحسم بعد، ونأمل في الفترة القريبة المقبلة أن تأخذ الترشيحات صيغتها النهائية، ويحدث اتفاق على المرشحين. وفي ما يلي نص الحوار:

* تردد اسمك أكثر من مرة كمرشح لوزارة الداخلية؟ ما صحة هذا الخبر؟.
- هذا صحيح بالتأكيد، ترشيحي تم من قبل دولة رئيس الوزراء، ومضت عليه أشهر، ودولة الرئيس أرسل الترشيحات إلى مجلس النواب مع السيرة الذاتية أيضًا، أنا والأخ سعدون الدليمي كمرشح وزارة الدفاع، والأخ رياض غريب للأمن الوطني، وما زالت العملية تخضع للكثير من التجاذبات السياسية، الموضوع لم يحسم بعد، ونأمل في الفترة القريبة المقبلة أن تأخذ الترشيحات صيغتها النهائية، ويحدث اتفاق على المرشحين، ولكن حتى الآن لم تحسم قضية المرشح فلان أو فلان.

* هل هناك اسم آخر ينافسك في الترشيح؟
- ليست لديّ معلومات دقيقة، ولكنني أدري أنني واحد من المرشحين، ولكن لا أعرف إذا ما كانت الصيغة النهائية قد حسمت أم لا، ليس لديّ تصور.

* ما العائق وراء عدم اختيار مرشحين للوزارات الأمنية حسب رأيك؟
- أعتقد أن العائق هو في الدفاع والداخلية، ربما بقية المؤسسات الأمنية يتم عليها التصويت في سلة واحدة، يعني لا يجوز تجزئة المرشحين، أتصور أن هناك إشكالاً في مرشح وزارة الدفاع، فالمرشح الفعلي الذي وصل اسمه إلى البرلمان هو الأخ سعدون الدليمي، القائمة العراقية قدمت أسماء مرشحين، وخضعوا إلى أمور كثيرة خلال عملية التقويم، فقسم لم يؤمّن الغالبية، وقسم جرى بشأنه تحفظ. أنا أعتقد إن لم يحسم موضوع وزارة الدفاع لن يحسم موضوع وزارة الداخلية لأن التصويت عليهما سلة واحدة.

* ما زال الوضع الأمني وبعد تسع سنوات غير مستتب، لماذا؟
- هذا متوقع، لأن إرهاصات الساحة السياسية العراقية لا يمكن أن نفصلها عن مسارح العمليات الأخرى، ومنها ما يجري على الساحة السورية، وهناك تداخل في قواعد المعلومات، وفي نشاط الإرهابيين، ونشاط الجماعات المسلحة، هناك حدود متداخلة ومساحات واسعة، وهناك دول داعمة للإرهاب من مصلحتها أن تهز الأمن الداخلي لهذه الدول، والتي في مقدمها العراق. المناورة بالفعاليات والأنشطة المسلحة الإرهابية واختيار أهداف متنوعة، واختيار توقيتات والتحكم بطبيعة العمليات التي تنفذ، بطبيعة الجهات الداعمة، حيث تضخّ ملايين الدولارات، إن لم نقل مليارات من أجل أن يبقى الوضع الأمني في العراق ساخنًا.

الجهود التي تبذل الآن من دول عديدة في شأن تعقيدات الوضع السوري، هذه كلها تنسحب سلبًا أو إيجابًا على مسرح العمليات العراقي، وبتقديري هذه الأهداف تشكل نسبة بسيطة جدًا مقارنة بنشاط وفعالية الإرهابيين في السنوات السابقة، ستبقى هذه الحالة، وهم لديهم استعداد للمناورة بخططهم وبرامجهم وفعالياتهم وعملياتهم، فيحاولون ضخ معلومات مضللة من أجل أن يصيبوا الأجهزة الأمنية بالتراخي، والاعتماد على المؤسسات المتعددة الأخرى، مؤسسة تعتمد على مؤسسة مقابل تطوير عمليات الإرهابيين والجماعات المسلحة، ولا بد أن يكون هناك تطوير في عمليات الأجهزة الأمنية. يعني لا يجوز أن نبقى أسرى الانتشار والمفارز والسيطرات والأضلاع الكونكريتية التي تقطع الطرق، هذا ليس العلاج الوحيد، يجب أن تبحث المؤسسة الأمنية عن معالجات وحلول وخطط وبرامج وسياقات وآليات جديدة تتناسب مع تعقيدات الوضع الأمني، وتتناسب مع تطوير هذه العمليات من قبل الجماعات المسلحة.

* بعد كل تفجير نسمع أن هذه التفجيرات سياسية؟ كيف ترى هذا؟
- هناك علاقة جدلية بين الوضع السياسي والوضع الأمني، وكذلك الوضع الاقتصادي أيضًا، يعني إذا كان هنالك مجتمع مكفول، نسبة بطالة قليلة، اقتصاد منتعش، وضع مالي جيد، شارع مستريح، فقطعًا هذه ستحدّ من العمليات، يعني شراء الذمم والضمائر من قبل الناس، الذين ربما منهم بسبب البطالة والعوز يمكن أن يندفع ويشارك بشكل أو بآخر في تسيير الوضع الاقتصادي والوضع السياسي، لأن هناك جهات تستغل التوقيتات والظروف، فتدعي أنها تدعم الجهة السياسية الفلانية، التي في اعتقادها أنها ضُربت مصالحها أو حصرت في زاوية معينة أو لحق بها ضرر، ولكن في الحقيقة هي لا علاقة لها بتلك الجهات السياسية، بل هي في طليعة أعدائها، لكنها تراهن على الوقت من أجل إضعاف الدور العراقي بكل مستوياته.

* ما رأيك بما حدث لمديرية الجرائم الكبرى؟
- هذه تحتاج وقفة كبيرة، لأنه من المفترض أن آخر ما تصل إليه يد الإرهاب هي هذه المؤسسة، هذه الدعامة الأساسية التي من خلالها نبعث رسائل للاستقرار الأمني، فخرقها بهذه الطريقة، وإن اعتمدوا صيغة المباغتة، وهم يعرفون طبيعة الأجواء التي تسود العملية التي تلي انفجارا، سواء كان بعبوة أو بسيارة مفخخة أو بحزام ناسف، ويعرفون طبيعة الإرباك العام، التي تصيب المؤسسات التي تحمي هذا الجهاز أو الدائرة أو المديرية، وتداخل الجهد المدني بجهود الإخلاء.

لذلك قاموا بعمليتي تفجير سبقت عملية الدخول إلى الدائرة، وقد استغلوا حالة الإرباك، هذه من المفروض أن يكون عليها توجيه، وتخضع إلى محاسبة وتطوير بكيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع أية فعالية من هذا النوع في حالة حدوث انفجار بأي شكل من الأشكال، في شارع مدني، في مؤسسة، في سوق، المفروض أن الأجهزة الأمنية تعرف ما الخطوات التي تتخذها مع اللحظات الأولى للانفجار، وما ردود الفعل، وما تفاصيل العمل الدقيق بالدقيقة الواحدة، وللأسف الشديد هذا ما كان موجودًا، وكانت هناك حالة من الإرباك.

* سمعنا عن فساد في الأجهزة الأمنية يتسبب في الخروقات الأمنية التي تحدث، ما رأيك؟
- هو ليس فسادًا كبيرًا، ولكن إن كان واحد بائعا لذمته وضميره وبإمكانه أن يؤمن تسهيلات للإرهابيين باجتياز نقاط السيطرة أو نقاط التفتيش أو الوصول إلى هدف معين، هذا لا يعني أن مؤسستنا الأمنية أو مؤسستنا العسكرية فاسدة، هذا ظلم وهذا إجحاف، عناصر المؤسسة العسكرية والأمنية هم بشر، وهم عراقيون، قبل أن يكونوا عسكرًا، ويخضعون لتأثيرات وضغوط، وربما إلى إغراءات، وهؤلاء لا يشكلون إلا ثلة بسيطة جدًا، وإن شاء الله هذه الظاهرة البسيطة سوف يحدّ منها.

* كيف تنظر إلى تغيير القيادات الأمنية؟
- إجراء ممتاز، وهذا الإجراء كان من الممكن أن يكون منذ زمن، هناك مبدأ في القانون يقول (من أمن العقوبة أساء الأدب)، وفي الحقيقة إن هذه ليست إساءة أدب، بل إنه جهد تآمري على مهمته ومسؤوليته، ما يترتب عليه أن تسيل دماء لأبرياء من العراقيين، فلا بد أن يكون هناك عقاب وثواب، ومسألة التغييرات والمحاسبة وإجراء تنقلات لضخ دماء جديدة في مؤسستنا الأمنية في غاية الأهمية، وكان من المفروض أن يحصل هذا منذ زمن.

* هل ما زال هنالك مكان لتنظيم القاعدة في العراق؟
- بالتأكيد موجود، ولكن أنا رأيي الشخصي إنه أضعف بكثير مما كان عليه.

* متى تنتهي إذن هذه التفجيرات في بغداد والمحافظات؟
- التفجيرات لن تنتهي، إن لم تعالج قضية اجتثاث منابع الإرهاب، نحن لا نزال نتعامل مع ظواهر الإرهاب، لذلك تشاهد دائمًا عملياتنا..، يحدث التفجير، ثم تتحرك أجهزتنا الأمنية، وتلقي القبض وتحقق وتعاقب، ليس هذا هو العلاج، بل العلاج هو أن تصل بقاعدة معلوماتك إلى الجهات التي تتبنى عمليات من هذا النوع، بحيث توصلك قاعدة معلوماتك ومصادرك إلى الجهة التي تروم التنفيذ في آخر مرحلة من مراحل التخطيط، وليس بعد عمليات التنفيذ، وهذا يعتمد على الكثير من العوامل، باعتقادي في مقدمتها مشاركة الشارع العراقي، فمهما كانت كفاءة الأجهزة الأمنية، إن لم تكن هنالك مشاركة بفعالية وبمسؤولية عالية من قبل المواطن العراقي نفسه ستبقى هذه المؤسسات أسيرة معلوماتها ومصادرها.

* إلى أي مدى يؤثر وضع الساحة السورية في الساحة العراقية؟
- يؤثر تأثيرًا مباشرًا، ولو، لاسمح الله، صار شيء في سوريا والجماعات المسلحة استطاعت أن تغير النظام، فسوف ينسحب سلبًا على الوضع العراقي لتداخل الأرضية، وتداخل طريق التفكير وتداخل التنوع المذهبي، وهذا يؤثر بشكل مباشر في الوضع العراقي، لذلك فالوضع العراقي حساس جدًا، ولو تلاحظ أن دولة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة يركز دائمًا على الموضوع هذا، ويحاول أن ينأى بالعراق لكي لا يكون طرفًا أساسيًا في ما يجري في سوريا، هناك موقف وسطي محايد لأنه يعرف النتائج التي ستترتب، والتي ستلحق بالعراق ضررًا كبيرًا إذا ما انهار الوضع في سوريا.

* كيف يمكنك إن أصبحت وزيرًا للداخلية أن تزرع الطمأنينة في نفوس الناس؟
- إدارة البشر عملية ليست سهلة، نحن للأسف الشديد متوقفون فقط عند كيف ندير عملياتنا، ولكن إدارتنا للبشر وتوجيههم الوجهة الصحيحة وزرع حالة الاطمئنان وتشجيعهم وتبني مواقفهم وخططهم وبرامجهم تصنع مؤسسة أمنية عملاقة، وتصنع قائدًا أمنيًا ممتازًا. أما الضابط أو القائد أو المسؤول الأمني مجرد بين قوسين وتحت طائلة مساءلة نتيجة عدم تقصير، وإنما اتخاذ لموقف شجاع وصريع، تجد حقه يذهب، ولا توجد جهة تحميه، هذا العنصر مرة أخرى سوف لا يندفع، ولا يضحّي بحياته.

وتتذكر أن هناك العديد من العسكريين رصدوا إرهابيين يرتدون الأحزمة الناسفة، ورموا بأنفسهم عليهم، واستشهدوا بعدما فجّر الإرهابيون أنفسهم، هذا الذي يضحّي بحياته هو بمنتهى العطاء، والمفروض أن ظواهر كهذه تشجّع وتدعم وتكافأ وتأخذ مواقعها التي تليق بها، وفي الوقت نفسه الأطراف الأخرى المتهالكة المتآمرة الهزيلة البائعة لضمائرها تحاسب حسابًا عسيرًا كي تكون عبرة للأخير.

مسؤولية الوزير يجب هي أن يزرع الطمأنينة والتنافس الشريف بين مؤسسات وزارة الداخلية، وفي الوقت نفسه يحمي منتسبيه، ويحاول أن يتدخل في المفردات الدقيقة للخطط الأمنية والبرامج ومتابعتها بشكل تفصيلي ويومي، وفي جانب آخر يجب أن تكون هنالك وحدة قرار ووحدة موقف ووحدة خطة ووحدة توجيه للمؤسسات الأمنية بشكل مركزي، وأن تكون هنالك غرفة حركات مشتركة لكل هذه المؤسسات الأمنية التي تصنع القرار الأمني، وهي التي توظف المعلومة الأمنية لوجهتها الصحيحة.