ارتفعت وتيرة الصدام اللبناني على خلفية مشروع اللقاء الارثوذكسي للقانون الانتخابي، فتجاوز التراشق القانون إلى اتهام النائب ميشال عون بالانغماس في الممانعة السورية، وتنفيذ رغبات بشار الأسد، بتمرير قانونه الانتخابي الذي يهدّ أسس الدستور اللبناني ويشرذم شعبه.
يرتاب فريقٌ كبير من اللبنانيين، ومن المسؤولين الغارقين في أعماق البحث عن قانون انتخابي، من انسحاب النائب العوني آلان عون من اجتماع اللجنة المصغرة، على خلفية مطالبته بإقفال محضر الاجتماعات وإحالته على الهيئة العامة. ووصف بعض المصادر هذا الانسحاب بالمدبّر، أي بالمنسق سلفًا مع النائب ميشال عون، قرّره ملاذًا له إن رأى أن التوافق على مشروع اللقاء الأرثوذكسي لن يتم.
فقد أراد عون تجاوز مناقشة نقاط قد تفرط عقد الإجماع الرباعي الماروني على القانون الارثوذكسي، ليقطع الطريق على أي بحث في قانون آخر يشكل مهربًا لمسيحيي 14 آذار، وتحديدًا للكتائب والقوات اللبنانية، من توافق يصرّ التيار الوطني الحر على أنه تم تحت عباءة بكركي، بينما كان سيّد بكركي واضحًا في غسل يديه من أي قانون طائفي.
منغمس في الممانعة
أثار خروج عون من اجتماع المصغرة حفيظة النائب أنطوان زهرا، عضو كتلة القوات اللبنانية، فقال في بيان أصدره مكتبه اليوم إن إقفال المحضر واحالته على الهيئة العامة مرهون بإجماع اللجنة المصغرة على اقتراح القانون الارثوذكسي، quot;أما وقد رفضته مكونات أساسية كالمستقبل والاشتراكي، فقد كان منطق الامور يقتضي البحث في بدائل يمكن أن تحقق إجماعًا أو شبه اجماع، واحالة كل الاقتراحات على المجلس النيابي لبحثها وإقرار المتوافق عليه منهاquot;.
ولفت زهرا إلى أن القوات اللبنانية تجاوزت متانة تحالفاتها في 14 آذار، وسارت في مشروع اللقاء الارثوذكسي وأيّدته، quot;بينما لم يكلف التيار الوطني الحر نفسه عناء إزعاج خاطر حليفه حزب الله وطرح مشروع الدوائر الصغرى عليه، ولو لاستمزاج الرأي، وهذا يكشف لعبة المناورة والبلف التي يمارسها التيار، ويؤكد انغماسه في المشروع الممانع، وعدم قدرته على تغيير حرف واحد في ما هو مكتوب فيهquot;.
أضاف زهرا: quot;أخشى ما نخشاه أن تكون حركة التيار السياسية واندفاعه في طرح الاقتراح الارثوذكسي والانسحاب من اجتماعات اللجنة المصغرة محاولات لاستعادة بعض الثقة التي افتقدها في مسيرة تفاهمه مع السلاح غير الشرعي وانخراطه في المشروع الاقليمي الداعم لهذا السلاحquot;.
قانون بيت الأسد
الرد الأقسى على ممانعة النائب ميشال عون أتاه من إيلي محفوظ، القيادي العوني سابقًا ورئيس حركة التغيير لاحقًا، الذي شدد اليوم، في مؤتمر صحافي، على أن المشروع الأرثوذكسي الذي يتمسك به عون يضع النظام اللبناني برمته على المحك، quot;وأكثر ما نخشاه هو اتجاه النيات، طبعًا لدى قوى 8 آذار وعلى رأسها حزب الله، التي سعت وتسعى لنسف هذا النظام، وبالتالي نكون أمام عملية واضحة لإلغاء الطائف، واستطرادًا نتّجه عمليًا إلى تعديل الدستور اللبنانيquot;.
وتساءل محفوظ: quot;من هي الشخصية السياسية التي أطلقت هذا المشروع؟ هل مسوّق المشروع هو أحد رموز النظام السوري في لبنان، والذي لا يزال حتى هذه اللحظة يفاخر بأنه من داعمي بشار الأسد ونظامه؟ هل من المنطق أن تصل حركتنا الاستقلالية لدرجة ألا يعود لديها شخصيات وكادرات ومفكرون وقادة رأي وعلماء قانون وجهابذة دستور في صفوفها، حتى نستسهل تلقف مشروع قانون انتخابي أعده أحد رموز بيت الأسد في لبنان؟quot;.
حزب الله خصمنا
وإذ أعرب محفوظ عن قلقه على وحدة لبنان واللبنانيين من هذا المشروع، أكد أن quot;تعويم جماعة سوريا في لبنان مرفوض تحت أية حجةquot;. وقال: quot;وحدة المسيحيين لا يمكن أن تتأمن على حساب إعادة هؤلاء إلى داخل البيت اللبناني، ليمروا من الباب العريض بعدما أخرجناهم من الشبابيك، فالغرض من الترويج للمشروع المسمى أرثوذكسيًا هو إعادة إنعاش رجال سوريا في لبنان عشية رحيل عرّابهم ومشغلهم الأساسيquot;.
واتهم محفوظ حزب الله بالوقوف وراء طرح المشروع الأرثوذكسي، ليكون تعويضًا له عن خسارته عرابه ومشغله، أي النظام السوري، بعد رحيل بشار عن الحكم، quot;هو حزب الله نفسه الذي تبنّى حالة ميشال عون الشعبية في العام 2005، فأمّن لنفسه تعويضًا عن انسحاب الجيش السوري من لبنانquot;، مدغدغًا مشاعر المسيحيين بتكبير حصتهم النيابية، ليقفوا بوجه السنة في لبنان والمنطقة، عبر الكلام عن استبدال المناصفة المسيحية - الإسلامية الميثاقية، بالمثالثة المسيحية - السنية - الشيعية، quot;وتاليًا الخروج من اتفاق الطائف الذي أمن الحقوق للمسيحيين والمسلمين على السواء، بالعدل والانصاف، وذلك بموجب الدستور الذي كرّس هذه الحقوقquot;. وقال محفوظ: quot;خصمنا اليوم في هذه المعركة جهة وحيدة هي حزب اللهquot;.
لن يمشي!
لا بد أن التيار العوني في موقف لا يحسد عليه اليوم، في اتهامه بأنه ملكي أكثر من الملك نفسه، أي محافظ على مصالح حليفه حزب الله أكثر من محافظته على مصالحه ومصالح من يمثل من المسيحيين.
فقد كان يستند إلى حجري بكركي وعين التينة، وخيبّاه. فالبطريرك الماروني قالها صراحة إنه لا يقف مع قانون ماروني أو آخر أرثوذكسي، بل مع قانون لبنان توافقي. كما سحب بطريرك البرلمان سرًا كلامه العلني عن موافقته على أي قانون يتوافق عليه المسيحيون، تاركًا الحليف البرتقالي وحده.
فالنائب ميشال عون أصرّ، عبر ممثله النائب في اللجنة المصغرة، على توقيع المحضر ليدفع برئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى دعوة الهيئة العامة للمجلس للاجتماع والتصويت على المشروع الارثوذكسي، ثم سحبه حين أدرك أن بري ليس بهذا الوارد أبدًا.
كما أراد عون إلقاء اللوم في فشل المشروع على فريق 14 آذار، من دون أن يحرج حزب الله، خصوصًا أن الحزب يختبئ حتى الآن وراء اصبع مبتور. فهو يريد المشروع الارثوذكسي لأنه الجسر إلى أكثرية عددية تخوله لعب دور سياسي أكبر، ولا يريده لأنه عالم حق العلم بأنه لن يمشي، لأن بري الحريص على اتفاق الطائف لا يريده أن يمشي، على الرغم من أنه أعلن مرارًا موافقته quot;على العميانيquot; على ما يتوافق حوله المسيحيون.
حجة حزب الله الأولى أنه لن يعارض ميشال عون في ما يريده، والثانية أن النسبية مع دوائر كبرى أو متوسطة هي مشروعه، لكن رفض 14 آذار النسبية دفعه إلى أحضان اللقاء الأرثوذكسي. غير أن هذا المشروع يشرع الأبواب أمام مثالثة سنية شيعية مسيحية في حكم لبنان، بدلًا من مناصفة إسلامية مسيحية. وهذا مكسب لحزب الله على المدى البعيد. فلم لا؟
التعليقات