ثمة جانب إيجابي في مسألة التوريث، وهو استمرار نهج من التفكير والممارسة، بعد غياب مؤسسه، أكان زعيمًا أو قائدًا أو مفكرًا. هذا الاستمرار موجود في بعض الحالات، ومنقطع في أخرى، تستكشفها quot;إيلافquot; في بحثها عن أحفاد زعماء عرب، وعن مواقعهم اليوم في بلادهم، من السياسة ومن الإرث الذي حملوه.
شارك في إعداد التقرير:
إسماعيل دبارة من تونس، ريما زهار من بيروت، صبري عبد الحفيظ من مصر، كامل الشيرازي من الجزائر
تنتقد والخوف بقلبها
في إيران، تنتقد نعيمة ايشراغي، حفيدة مؤسس الجمهورية الإسلامية الامام آية الله الخميني وخريجة الهندسة البتروكيماوية، صراحة ما آلت اليه أوضاع حرية التعبير في وطنها، من خلال آرائها على صفحات التواصل الاجتماعي الالكترونية. تقول: quot;انحرف زعماء إيران الحاليون بالثورة التي قادها جدي عن المسار الذي أراده لها، خصوصًا من حيث حرية التعبيرquot;.
وساندت حفيدة مؤسس الجمهورية الإسلامية في العام الماضي حملة مناهضة لقوانين تفرض ارتداء الحجاب على الايرانيات، ونشطت على موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي، إذ في جعبتها نحو خمسة آلاف صديق، يناصرونها ويتابعونها وهي تعبرعن نفسها.
وكون إشراغي حفيدة الإمام الخميني لا يعصمها من التعرض للملاحقة والسجن بسبب انتقاداتها العلنية للقيادة الإيرانية الحالية، وهو ما تخشاه. إلا أنّ ذلك لا يمنعها من لعب دور مهم في بلدها، مستكينة إلى هالة من الشهرة يؤمنها لها نسبها الخميني. في المقابل، وعلى الرغم من مبدأ التوريث السياسي أبًا عن جد في العالم العربي، لا يتطرف أحفاد الزعماء العرب في مواقف سياسية إلا نادرًا، أكانوا نووا الاستمرار على خطى الأجداد أم انتحوا لأنفسهم مواقف خاصة.
نعيمة ايشراغي حفيدة مؤسس الجمهورية الإسلامية الامام آية الله الخميني |
لبنان... أحفاد ناشطون
لربما يتميز لبنان سياسيًا في هذه المسألة. فبداية، هو البلد العربي الوحيد الذي تجد فيه رئيسًا سابقًا، لم ينفَ ليموت في منفاه، ولم يقتل في انقلاب.
من هؤلاء الرئيس كميل شمعون الذي وافته المنية مواطنًا عاديًا، مارس السياسة من بعد نزوله عن كرسي السياسة كأي زعيم سياسي آخر، مورثًا إبنيه إرثًا كبيرًا وحزبًا عريقًا، هو حزب الوطنيين الأحرار الذي يقوده ابنه دوري، مستمرًا على خطى والده في معاداة سوريا والجلوس إلى مناهضيها، بينما خرجت حفيدته ترايسي، إبنة داني المقتول، على هذه المسيرة، واقفةً في السياسة بوجه عمها، إلى جانب حلفاء سوريا كالعماد ميشال عون وحزب الله.
وتميز في لبنان أيضًا رياض الصلح، أحد أبوي الاستقلال اللبناني، الذي يملأ أحفاده الدنيا ويشغلون الناس، كالوليد بن طلال بن عبد العزيز، ومولاي هشام بن عبد الله ابن عم الملك المغربي محمد الخامس، ورياض الأسعد. كلهم ناشطون في السياسة، كل في بابه، لكن الأسعد هو الأقرب إلى حمل ميراث جده في لبنان.
للمزيد من التفاصيل:
حملوا مشعلًا منيرًا أو أناروا مشعلًا باسمهم؟ أحفاد الصلح وشمعون وسعادة: منهم من سار على الدرب ومنهم من وصل بآرائه الخاصة |
انكفاء مغاربي
خلافًا للبنان، أحفاد الرئيسين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات متوارون عن الأنظار، لا يظهرون في الإعلام إلا نادرًا جدًا. فالرئيسان الراحلان أوصيا أبناءهما بالإبتعاد مع أبنائهم عن عالم السياسة، وتجنب الغوص في مستنقعاتها، فكان لهما ما أرادا.
حضر التاريخ وغاب الحاضر
ويلفت أمر الجزائر النظر حيث التاريخ القديم حاضر بقوة اليوم من خلال أحفاد الأمير عبد القادر، والتاريخ القريب والحاضر غائبان إذ لا أحفاد للرئيسين الراحلين أحمد بن بلة والهواري بومدين، ويغيب أحفاد الرئيس الشاذلي بن جديد عن النظر.
فأحفاد الأمير عبد القادر ناشطون في السياسة، ومنهم الأميرة بديعة الحسني الجزائرية التي شاركت في المقاومة الشعبية وتنشط اليوم في حركة الفكر والأدب في سوريا والمنطقة المغاربية، تؤلف الكتب تنشر المقالات في صحف ومجلات جزائرية وعربية، وتلقي المحاضرات دفاعًاعن إرث جدها ومواقفه. منهم أيضًا الدكتور خلدون الحسني الجزائري الذي أصدر القضاء السوري حكمًا بإعدامه في الصيف الماضي، بعد نشره كتابًا أغضب الرئيس بشار الأسد، وما زال قابعًا في السجون السورية. ومنهم ايضًا البرلمانية أسماء بن قادة، التي تمكنت من خطف الأضواء بعد انفصالها المثير عن طليقها الداعية يوسف القرضاوي، واقتحامها عالم السياسة، وانتخابها نائبًا في البرلمان الجزائري.
من جانب آخر، لا أحفاد للرئيس الراحل أحمد بن بلة إذ لم ينجب أولادًا، ولم يكن للرئيس الراحل الهواري بومدين أبناء. وأنجب الرئيس الشاذلي بن جديد ستة أبناء، لكنّهم غائبون في أسرار الزمن، بينما لم ينجب الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة من زوجته آمال تريكي، منذ ارتباطه بها في آب (أغسطس) 1990.
للمزيد من التفاصيل:
التاريخ الجزائري حاضر لكن الحاضر غائب غياب تام لأحفاد رؤساء الجزائر |
مريم تتحزب
أما في تونس، فلا يمارس أحفاد الحبيب بورقيبة نشاطات سياسية تذكر، باستثناء بعض التصريحات الاذاعية والصحافية، إلا مريم بورقيبة العويتي، الحفيدة الأصغر، التي اختارت خوض غمار السياسة، وتأسيس حزب آفاق تونس.
وهي اليوم عضو بالمكتب التنفيذي للحزب الجمهوري الذي تأسس بعد اندماج حزبي آفاق تونس والحزب الديمقراطي التقدمي مع أحزاب وشخصيات أخرى. وهي تقول إن رغبة ممارسة السياسة تولدت لديها بعد سنوات من التيه السياسي، على حدّ تعبيرها.
تضيف مريم بورقيبة العويتي لمراسل إيلاف في تونس: quot;اخترت سابقًا أن أقف متفرجة عوضًا عن الدخول في تجربة لا عقلانية، وبعد الثورة وجدت مع نظراء لي يقاسمونني نفس الأفكار القدرة على الممارسة السياسية فأسسنا حزب آفاق تونس، الذي ضم أناساً أكفاء يسيرون على ذات النهج، وهو ما يعكس رغبتنا في تطوير تونس وإنجاح مسيرتها نحو المستقبل الذي نريدquot;.
تؤكد مريم بورقيبة العويتي أن لديها قناعة بأن ذلك الحزب سيكون خير سلف لمسيرة بورقيبة الثورية، على الرغم من أنها تعجز عن تقييم حقبة جدها الطويلة، إلا أنها تبدي إعجابها بالكثير مما أنجزه، كاهتمامه بالتعليم والتدريس، واستثماره في الثروة البشرية للتونسيين، وانفتاحه وحداثته وعقلانيته. من دون أن تخفي تحفظها من اعلانه نفسه رئيسًا مدى الحياة.
للمزيد من التفاصيل:
أسست آفاق تونس وتخشى تحريف النهضة إرثَ جدّها مريم حفيدة بُورقيبة... تشُذ عن إخوتها تتحزّب |
جانب إيجابي
الفارق بسيط جدًا بين الحفاظ على الإرث السياسي لزعيم ترك بصمة كبيرة في تاريخ بلده، وبين ظاهرة التوريث القسري للاستبداد العربي. وهو لا يظهر في العين المجردة، إذ يأخذ الشعب الصالح بجريرة الطالح.
فأن يحفظ الوليد بن طلال إرث جده رياض الصلح وأن يخلد ذكراه دائمًا أمرٌ لم يجرّه إلى وراثته في منصب رئاسة الوزراء اللبنانية، على الرغم من أنه حاول ذلك، منافسًا آل الحريري على هذا المنصب في حياة دولة الرئيس رفيق الحريري. إلى أن وقف على درج دارة الحريري في قريطم بعد جنازة الحريري الأب، معلنًا وقف أي منافسة أو تضادّ بينه وبين ورثة الرئيس الحريري، منسحبًا من الساحة السياسية اللبنانية، مكتفيًا بأعمال الخير التي تؤديها جمعيته في لبنان.
إنه الجانب الإيجابي من التوريث، الذي يتمسك به أنصار زعيم ما، كانصار كمال جنبلاط اللبناني، الذين يقفون اليوم حيارى إزاء انكفاء الحفيد، تيمور بن وليد جنبلاط، بعيدًا عن العمل السياسي، لأن في ذلك ما يشكل خطرًا على زعامة تقليدية. بينما استمر حفيدا بيار الجميل، بيار وسامي، على خطى الجد الكتائبي خطوة بخطوة، فقُتل الأول ويستمر الثاني في رفع راية الله والوطن والعائلة، كما رسمها مؤسس حزب الكتائب اللبنانية، ولم ينفذها الابن أمين بسبب ظروف فرضتها رئاسته للجمهورية، ثم تركه لبنان ردحًا من الزمن.
مصر: الوصية والتحريم
غير أن هذا الجانب الإيجابي لم يثبت وقعه في مصر، حيث ما زالت الناصرية قوية الجانب، مهابة التاريخ، من دون أن يرث تركتها أي من أحفاد ناصر، الذي لم يفُقه شهرةً بين العرب أي زعيم في العصر الحديث. ولربما يكون الدليل المصري هذا برهانًا على أن وجود الوريث جسديًا ليس شرطًا جزائيًا لاستمرار الفكر والنهج، إلا متى ارتبط هذا الفكر بعوامل تأطيرية، كالطائفة أو الأيديولوجيا أو الموقف.
يتوارى في مصر أحفاد الرئيسين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات عن الأنظار، ولا يظهرون في الإعلام إلا نادرًا جدًا، إلا جمال مروان، حفيد عبد الناصر لإبنته منى، الذي يمتلك مجموعة قنوات ميلودي الترفيهية، وذاع صيت فضائحه.
فالرئيسان الراحلان أوصيا أبناءهما بالإبتعاد مع أبنائهم عن عالم السياسة، وتجنب الغوص في مستنقعاتها، فكان لهما ما أرادا. وعلى الرغم من أن الرئيسين اعتنقا الفكر الإشتراكي، ابتعد أبناؤهما وأحفادهما عن هذا الفكر واعتنقوا الفكر الرأسمالي، وامتلكوا الشركات الإستثمارية الكبيرة، بإستثناء بنات السادات من زوجته الأولى وأبنائهن، الذين يعيشون حياة بسيطة.
إلا أن حفيدته رقية تجري بعض المقابلات الصحافية، وتعمل على توثيق سيرة والدها والدفاع عنه، وإقامة الدعاوى القضائية ضد من يسيئون إليه.
ولعل أخطر الدعاوى القضائية تلك الدعوى التي أقامتها بعد الثورة ضد الرئيس السابق حسني مبارك، متهمة إياه بقتل والدها، في ما يعرف بحادث المنصة، أثناء إحتفالات نصر حرب أكتوبر في العام 1981.
تعد هذه القضية التورط السياسي الأبرز من أي من أحفاد الرئيس السادات، وحتى هذه الدعوى لم تحد سبيلها إلى التحقق بسبب وقوف إخوة رقية ضدها، واعترافهم علنًا بأن لا وجود لأي دليل على أن الرئيس مبارك المخلوع ضالع في مؤامرة اغتيال السادات
للمزيد من التفاصيل:
يفضلون الأعمال والابتعاد عن الأضواء أحفاد ناصر والسادات... السياسة محرمة عليهم بوصية رئاسية |
التعليقات