اللغة الانكليزية هي اللغة الجامعة اليوم، لغة الاقتصاد والتجارة والتقارير والتقنيات، لكن ثمة أممًا كثيرة ترفض إجادتها لأسباب سياسية وجغرافية ونفسية. إلا أنها قادرة على التسلل إلى دول العالم أجمع.


دبي: لا بد من الاعتراف بأن اللغة الإنكليزية هي لغة العصر. فبهذه اللغة تصدر التقارير الاقتصادية والسياسية في غالبية الدول، خصوصًا أن معظم هذه التقارير تصدر بالتعاون مع منظمات دولية، تتبع للأمم المتحدة، التي تتخذ من الإنكليزية لغة أمًا.

ومع تصدر هذه اللغة، بدأت أمم كثيرة، أوروبية في معظمها، تتخلى عن تمسكها بلغاتها المحلية، أو بفرانكوفونيتها التي طالما اعتزت بها، من أجل اللحاق بركب التطور، وخصوصًا التطور التقني الذي يفرض وجوده أكثر فأكثر في مختلف المجتمعات. ولغة التقنيات إنكليزية بامتياز، وإتقانها شرط من شروط ركوب موجة العالم الافتراضي الذي يبدو أن موسم مده مستمر إلى حين.

سويسرا متخلفة

وبالنظر إلى تقارير إجادة الشعوب الأوروبية للغة العصر، تبدو سويسرا متخلفة عن الدول الاسكندينافية، التي كانت الأسرع إلى إدخال الانكليزية لغة أساسية في مناهجها التعليمية، وعن هولندا والنمسا وبلجيكا، وامم أخرى في البلطيق وأوروبا الشرقية.

فسويسرا، على الرغم من مكانتها المصرفية التي تحتم عليها إقامة علاقات مالية وطيدة مع المركز المالي العالمي في الولايات المتحدة، تحل في المرتبة السادسة عشرة في قائمة تضم 60 دولة غير ناطقة بالانكليزية، بحسب تقرير أخير صادر عن مؤشر إجادة الانكليزية في العالم الذي تصدره منظمة quot;التربية أولًاquot; السويسرية، لتسبقها إستونيا وبولندا والمجر وسلوفينيا وألمانيا وليتفيا.

وعلى الرغم من أن السويسريين مشهورون بتعدد لغاتهم إذ يتكلمون الفرنسية والألمانية والإيطالية والرومانية، لكن يبدو أنهم لا يعيرون الانكليزية أهمية كافية.

وسويسرا مقسومة لغويًا غلى مناطق نفوذ، حيث تتحول الانكليزية إلى لغة مشتركة، خصوصًا بين المتكلمين بالفرنسية والألمانية. كما يعتمد التجار الانكليزية في تعاملاتهم مع العالم، لكن تبقى اللغة الانكليزية غير معترف بها رسميًا في البلاد.

لكن المسؤولين عن المؤشر يؤكدون أن الحال في سويسرا اليوم أفضل مما كان قبل أعوام، بسبب العولمة الاقتصادية التي فرضت شروطها اللغوية على السويسريين، كما على امم أوروبية اخرى تفاخر بلغاتها. فهذه اللغة هي وسيلة نمو اليوم، أكثر منها وسيلة تخاطب.

التكبر الفرنسي

في المراكز السبعة الأولى، تحل السويد والنروج وهولندا وأستونيا والدانمارك والنمسا وفنلندا. ويقول محللو المؤشر إنها دول صغيرة، يتيح لها حجمها أن تتأقلم بسرعة مع التوجه الدولي لاعتماد اللغة الإنكليزية، وهذا ما يسمح لشعوبها بسرعة إجادة هذه اللغة، بينما سويسرا تعجز عن ذلك.

وعلى الرغم من هذا، تبقى سويسرا متقدمة كثيرًا على فرنسا مثلًا، التي تحتل المرتبة الخامسة والثلاثين، إذ قلة قليلة من الفرنسيين يجيدون الانكليزية.

فالفرنسيون ينظرون إلى الانكليزية على أنها لغة جديدة، ليست لها عراقة الفرنسية، التي طالما وصفت بأنها لغة الأدب والثقافة والتراث العالمي، ولغة الرقي والحضارة. والفرنسيون يرفضون تعلم الانكليزية لأنهم يرون فيها تهديدًا مباشرًا للغتهم الأم، ولهويتهم الوطنية، ولدورهم في الحفاظ على الحضارات البشرية.

ومن هذا المنطلق، لا يأبهون لتعلم هذه اللغة quot;الجافةquot; كما يصفونها. وهم في ذلك يتكئون إلى تاريخهم الطويل، وإلى ترامي إمبراطوريتهم القديمة، التي اخضعت شعوبًا كثيرة وعلمتها لغتها، ونقلتها من آفة التخلف إلى نعيم التمدن.

وفرنسا، بموقعها المتقدم في منطقة اليورو، لا تهتم كثيرًا لفرضية الدور المهم الذي تلعبه اللغة الانكليزية في استدعاء عوامل النمو الاقتصادي لأي بلد يتقنها، ولا في تعزيز تنافسيتها الاقتصادية في العالم. إلا أن الدكتور كريستوفر ماكورميك، مدير شبكة الأبحاث الأكاديمية في quot;التربية أولًاquot;، يلفت إلى أن إتقان الانكليزية يعزز بيئة الأعمال، لانها ستجذب العديد من المستثمرين الدوليين إليها، quot;ولهذا نشجع على تعليم الانكليزية وإجادتهاquot;.

وفي بروكسل، كان مفاجئًا أخيرًا اقتراح سياسي يدعى باسكال سميت اعتماد اللغة الانكليزية لغة رسمية في الدولة والمدارس وفي التعاملات اليومية، إن كانت السلطات تريد تحويل بروكسل إلى مدينة عالمية. مجرد اقتراح هذا الامر في بلد مقسوم بين اللغتين الفرنسية (40%) والهولندية (59 %)ليس أمرا عاديًا، فهل تكون هذه المدينة تدق ناقوس الخطر الانكليزي الداهم في هذه المنطقة؟

التعليم العالي

إلى كل ذلك، ثمة عامل آخر، وبالغ الأهمية، يساهم في تسلل الانكليزية إلى ما وراء خطوط الدفاع اللغوية الأخرى في أوروبا. إنه التعليم العالي. فثمة تزايد مطرد في اعتماد الانكليزية في برامج الدراسات العليا بأوروبا. ويقول معهد التعليم الدولي إن 6407 رسائل ماجستير قدمت في أوروبا بالانكليزية، منذ حزيران (يونيو) الماضي وحتى اليوم، بارتفاع 38 بالمئة عن العام الماضي، وبارتفاع أكثر من 10 أضعاف العدد في كل العام 2002.

إن الإقبال المتزايد على اختيار برامج دراسات عليا قارية باللغة الانكليزية يتجلى في ارتفاع الاقبال إلى 18 بالمئة في العام 2013 على الجامعات الألمانية، بعدما كان 14 بالمئة في العام 2011، وانخفاض الاقبال على الجامعات البريطانية من 31 بالمئة في 2011 إلى 24 بالمئة في 2013.

وكذلك تزايدت الطلبات على الدراسة في برامج ممثلة، مقدمة في السويد وفرنسا، وباللغة الانجليزية. ففي السويد، قدمت 708 رسائل ماجستير باللغة الانكليزية هذا العام، بارتفاع 73 بالمئة عن العام 2011، و400 بالمئة عن العام 2007.

أما في فرنسا، حيث يمنع القانون التعليم بغير الفرنسية، ارتفع عدد رسائل الماجستير بالانكليزية من 11 في العام 2007 إلى 494 رسالة في هذا العام. وهذا دليل على جهود كبيرة تبذلها السلطات التعليمية في هذه الدول لجذب تلامذة متفوقين، والدراسات العليا باللغة الانكليزية هي السبيل الأقصر لذلك.

في المقلب الآسيوي

على الضفة الآسيوية، احتلت تايلاند المركز 55 على قائمة المؤشر، على الرغم من أنها وجهة مفضلة للسياحة العالمية، وخصوصًا الأميركية، ما يفرض عليها إجادة اللغة الانكليزية الجامعة.

وكانت تايلاند احتلت المرتبة 53 من بين 54 دولة شملها الاستطلاع فى مؤشر العام 2012، متفوقة حينها على ليبيا فقط. كما جاءت ماليزيا فى المرتبة 11، متفوقة على سنغافورة التي احتلت المركز 12. وجاءت الهند فى المرتبة 21، تليها هونج كونج في المركز 22، وحلت كوريا الجنوبية فى المركز 24، ثم إندونيسيا في المركز 25، ثم اليابان في المركز 26، وسريلانكا في المركز 30.

والغريب أن يغيب لبنان عن قائمة هذا المؤشر، خصوصًا أن اللبنانيين مشهورون بغلبة اللسان الأجنبي على حياتهم اليومية، بسبب وجود أكثر من 6 جامعات في هذا البلد الصغير التي تعلم باللغة الانكليزية، وبسبب وجود أكثر من 14 مليون لبناني في دنيا الاغتراب، لا يجمع بينهم جميعًا إلا اللغة العامة، أي اللغة الانكليزية.