غارات الطيارات بلا طيّار (الدرون) الأميركية على الإرهابيين في مختلف بقاع العالم لا تعني أن الأميركيين داخل بلادهم مستثنون منها، وللرئيس اوباما الحق في إصدار الأمر بذلك. هذا ما صرح به وزير العدل وأثار به عاصفة من الغضب الأميركي.

منذ أن وظفت الولايات المتحدة طائرات بلا طيار من طراز laquo;الدرونraquo; في حروبها ومعاركها الخارجية للتجسس وقصف ما تعتبره laquo;مواقع الإرهابيينraquo; والجدل يتنامى حول عدد من المضامين المرتبطة بهذا الأمر وأبرزها ضحاياها من المدنيين.
وإن كان ثمة من يعتقد أن هذا بحد نفسه كافٍ لإقناع الإدارة الأميركية بإعادة النظر في موازين استخدام هذه الطائرات عالية التكنولوجيا، فليتوقف قليلاً ويستمع الى وزير العدل إريك هولدر. فقد أعلن أن الدرون مشروعة الى حد أن الرئيس باراك اوباما يستطيع استخدامها لقصف مواطنين أميركيين على أراضي الولايات المتحدة نفسها.

خيار مشروع
يقول الوزير إن القوة العسكرية القاتلة laquo;مشروعة ومبررة إذا استدعت الضرورة ذلكraquo;. وضرب مثلاً على هذا بهجمات 11 سبتمبر / ايلول 2001 (9/11) بالطائرات المدنية على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن. وأضاف قوله: laquo;هذا جائز في حال كان الخيار الوحيد أمام الرئيس هو إعطاء الضوء الأخضر للقوات المسلحة باستخدام القوة من أجل التصدي لهجوم على شاكلة 9/11 وحماية أراضي البلاد ضدهraquo;.
وتبعًا لأرقام وردت في تقرير لـlaquo;مكتب الصحافة التحقيقيةraquo; الأميركي فقد تسببت الغارات بطائرات الدرون في مقتل ما بين 475 و880 مدنيًا ndash; بمن فيهم أطفال - داخل الأراضي الباكستانية في الفترة من 2004 حتى العام الماضي. وبالطبع، فإن هذا التقدير نفسه يعتبر متحفظًا في أعين جهات عدة تقول إن العدد الحقيقي أكبر من هذا كثيراً.
غضب وتهديد
أثار ذلك التصريح موجة من الدهشة والاستنكار داخل أميركا، فوصفه السناتور الجمهوري راند بول (كنتاكي) بأنه laquo;مرعب على أقل تقديرraquo;، وفقًا لصحيفة laquo;ديلي تليغرافraquo; التي أوردت النبأ. ووصف السناتور، المعتبر من نجوم حركة laquo;حفلة الشايraquo; الجمهورية اليمينية، توظيف الدرون لمهاجمة أميركيين على أراضي بلادهم بأنه laquo;إساءة لا تغتفر في وجه الحقوق التي يكفلها الدستور الأميركي لأهل هذه البلادraquo;.
ولم يكتفِ السناتور، الذي يطمح لترشيح حزبه الى الرئاسة في انتخابات 2016، بهذا التعليق بل تقدم بطلب رسمي الى إدارة الرئيس اوباما من أجل تحديد موقفها بالضبط من تصريح وزير العدل. وفي حال لم يتلقَ ردًا منها، كما قال، فسيسعى على الأقل الى سد الطريق أمام تعيين جون برينان مديرًا جديدًا لوكالة الاستخيارات laquo;سي آي ايهraquo; كما يرغب اوباما نفسه.
إرهابيون لكنّهم أميركيون
الانتقادات الأميركية لمسألة غارات الدرون تركّز على المضامين التي تحملها الحرب ضد المشتبه في أنهم إرهابيون لكنّهم يحملون الجنسية الأميركية. والمثال الساطع الذي يبرز هنا هو أنور العولاقي، الذي ولد ونشأ في الولايات المتحدة، وقتلته غارة بالدرون في اليمن - مسقط رأس أبويه ndash; في 2011.
والآن تزعم الإدارة الأميركية أن لها الحق المشروع بقوة القانون في اغتيال مواطنيها الأميركيين إذا ثبتت أنهم من قيادات تنظيم laquo;القاعدةraquo; ويشكلون خطرًا على أمن الولايات المتحدة ويتعذر أو laquo;لا معنى للقبض عليهمraquo;! وهذا الموقف جديد في الواقع ولم يطفُ الى السطح إلا الشهر الماضي في مذكرة صدرت من مكتب وزير العدل وسُرّبت الى الصحافة.
اتهام
أنصار الحقوق المدنية، أفراداً وجماعات، سارعوا من جهتهم أيضًا الى اتهام الرئيس ومساعديه بما اسموه laquo;الاستيلاءraquo; على سلطات كاسحة تتيح لهم حرمان المواطن الأميركي من حقوقه الدستورية من وراء ظهر الكونغرس والقضاء.
وتحت كل هذه الضغوط اضطر وزير العدل لإصدار بيان قال فيه إن موافقة الرئيس على اغتيال مواطن اميركي على أراضي الولايات المتحدة laquo;افتراضية بحت ومن غير المرجح أن يمارسها الرئيس كحق قانوني له. هذا كلام نظري الأغلب ألا يتجاوز مرحلة كونه حبرًا على ورقraquo; على حد قوله.
لكنه أضاف ايضًا: laquo;مع ذلك فلنا أن نتخيل ظروفًا غير عادية يصبح من الضرورة القصوى أن يجيز الرئيس فيها استخدام القوة القاتلة داخل الأراضي الأميركية نفسها. هذا سيناريو افتراضي واستطيع القول إن الولايات المتحدة لا تعتزم استخدام طائرات الدرون لأي أعمال من هذا القبيل داخل أميركاraquo;.

لا عدوان بالإنابة
كما أوردت laquo;إيلافraquo; وقتها فقد بدأت جماعات نافذة تشمل فائزين بجائزة laquo;نوبلraquo; للسلامraquo;، بالتضافر مع أكاديميين وجماعات ضغط مناهضة لسائر أشكال العدوان، حملة دولية تهدف الى إقناع الحكومات بالتوقف عن السير على طريق توظيف الماكينات ndash; مثل طائرات الدرون - لخوض الحروب.
وستطلق هذه الجماعات مبادرتها بمجلس العموم البريطاني (برلمان ويستمنستر) في ابريل / نيسان المقبل. وستنضوي تحت رايته جماعات شهدت في السابق حملات ناجحة لتحريم استخدام الأسلحة الفتاكة مثل القنابل العنقودية والألغام الأرضية.
ووفقًا لما أوردته الأنباء، فإن قسم الأبحاث بوزارة الدفاع الأميركية laquo;البنتاغونraquo; يعمل حاليًا على تصميم طائرة laquo;درونraquo; تسمى X47B قادرة على الالتفاف والدوران بسرعات فوق سرعة الصوت. وهذا يولد G-force laquo;قوة تسارعraquo; لا يتحمّلها البشر لكنها لا شيء بالنسبة لماكينة عالية القدرات. كما أن هذه الطائرة قادرة على دمار هائل في أي مسرح للقتال تؤخذ اليه حول العالم بغض النظر عن المناخ والتضاريس ودفاعات العدو.