كان تكتم الحكومة الأميركية على أنشطتها بمثابة هبة نزلت على الصين. وأفاد تقرير أعدته الاستخبارات الأميركية بأن الحرب الالكترونية التي تستهدف الشركات الأميركية تكلف إجمالي الناتج المحلي الأميركي 100 مليار دولار سنويًا.


بسبب إحجام الشركات عمومًا عن الاعتراف بتعرّضها للاختراق والسرّية التي تحيط بعمل وكالة الأمن القومي المسؤولة عن تقويم طرق القرصنة الصينية، من خلال عملها مع هذه الشركات، فإن الصين تمكنت من مواصلة هجماتها الالكترونية بمنأى عن الرد.

لكنّ هذا الوضع سيتغير عمّا قريب. وستقدم وكالة الأمن القومي، بالتعاون مع وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي، معلومات إلى عدد محدود من شركات الاتصالات عن برنامج التجسس الالكتروني الصيني، كما أفادت مجلة فورين بولسي نقلًا عن مسؤول استخباراتي أميركي واثنين من مستشاري الحكومة الأميركية يعملان على مشاريع الكترونية ترتبط بالبرنامج.

أسرار الدولة الأميركية
تتضمن المعلومات جردًا عن الأدوات المتطورة التي تستخدمها الصين والإجراءات المضادة، التي تلجأ إليها وكالة الأمن القومي وبرمجيات خاصة، كانت لا تُستخدم في السابق إلا لحماية الشبكات الحكومية الأميركية.

وأشارت تقارير صحافية إلى أن إدارة أوباما تعتزم تزويد شركات معينة بقائمة تحوي أسماء مجالات على الانترنت تستخدمها الصين لاستغلال الشبكة. لكن الإجراءات الجديدة تغطي نطاقًا مغايرًا بالكامل يمتد إلى أسرار الدولة الأميركية.

عمليًا لا يفوت وكالة الأمن القومي شيء تفعله الصين، وهي ترصد كل تقنية تستخدمها الصين، وتتصدى لها بصمامات أمان مضادة. كما استخدمت الوكالة على امتداد سنوات بعض الشركات الأميركية غطاء، بموافقتها، لملاحقة القراصنة الالكترونيين.

أدى هذا الى الرد بطرق تكشف عن اتجاهات وأنماط تتيح للولايات المتحدة أن تعرف مصدر الهجمات الالكترونية أو أن quot;تنسبquot; هذه الهجمات بدقة إلى الجهة التي تقف وراءها. وابتكرت وكالة الأمن القومي طرقًا جديدة تسمح بتنفيذ هجمات لاحقة، لكنها تمنعها من إلحاق أي ضرر. وبهذه الطرق تتمكن الوكالة من معرفة طريقة عمل الصينيين.

إخلال بالتوازن
لكن الآثار التراكمية للحرب الاقتصادية الصينية، التي أصبحت أسرار الشركات الأميركية كتابًا مفتوحًا للصينيين في غمارها، أدت إلى تغيير الحسابات الأميركية من الأساس. وقال مسؤول أميركي مطلع على البرنامج الجديد المصنف إن الصين لم تعد تلتزم بقواعد اللعبة، مشيرًا إلى quot;أن الحرب الباردة فرضت معايير، وكان السوفييت والأميركيون لا يتخطون الحدود المرسومة، ولكن الصين تخرج عن هذه الحدود الآن، ويجري الإخلال بالتوازنquot;.

يهدف البرنامج، الذي أعدته وكالة الأمن القومي، إلى تمكين الشركات الأميركية من التصدي للهجمات الصينية. ويعمل البرنامج على محورين، هما تغيير نمط السلوك بفضح التكتيكات الصينية، وبذلك إحراج الصينيين، على ما يُفترض. وثانيًا أن هذا سيحمل الصين على البحث عن طرق أخرى لممارسة قرصنتها الالكترونية، ولكنه سيحتاج وقتًا، يمنح الشركات الأميركية مهلة للتهيؤ بالإجراءات اللازمة.

لدى وكالة الأمن القومي أدوات أخرى لحماية الفضاء الالكتروني، منها رصد مراكز حيوية على الانترنت، ودراسة أنماط من حزم المعلومات الآتية إلى الولايات المتحدة، للبحث عن دلائل هجمات منسقة.

تستعرض المبادرة الشاملة للفضاء الالكتروني الوطني خطة الحكومة الأميركية المتعارف على تسميتها quot;إنيشتاين 3quot; لمواجهة الأخطار التي تهدد المعلومات الحكومية أثناء مرورها عبر شبكات كومبيوتر خاصة. لكن الوكالة لا تفعل هذا الآن إلا مع مجموعة مختارة من الشركات، التي تتعامل مع وزارة الدفاع. وهي ممنوعة قانونيًا من إقامة محطات تصفية حول كل منافذ حركة الانترنت.
لكن الدوائر الحكومية تختلف عن الشركات الخاصة. ولحماية المؤسسات الفيدرالية تمدّ وكالة الأمن القومي وزارة الأمن الداخلي بالمعدات والكوادر لتفتيش حزم المعلومات. وتقوم الوزارة مستخدمة كوادر الوكالة بتحليل الأنماط وتنظيف المعلومات وإعادتها إلى مقر وكالة الأمن القومي، لتحديد الرد على ما يُكتشف من تهديدات. ولا تشمل صلاحيات وزارة الأمن الداخلي الجيش وأجهزة الاستخبارات، بل هذه من اختصاص وكالة الأمن القومي.

شيفرات
جمعت الوكالة كمًّا كبيرًا من المعلومات عن الطرق التي تستخدمها مفاعيل الكترونية حاذقة عادة ما تكون دولًا، وفي الغالب الصين تحديدًا، في كتابة شيفراتها. وتكون الوكالة قادرة أحيانًا على تلقي إنذار بتوقع هجوم كبير داهم على شركة كبرى من خلال مجموعة الإشارات التي جمعتها. وبدأت الوكالة أخيرًا تتقاسم هذه المعلومات مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يتقاسمها بدوره مع الشركات المستهدفة أو المرشحة للاستهداف.

لكن وكالة الأمن القومي كانت دائمًا حريصة على إبقاء معلوماتها طيّ الكتمان. فهي جهاز استخباراتي يجمع المعلومات في السر ويستخدمها في السرّ للتفوق على حيل العدو.

وإذا تقاسمت الوكالة معلوماتها عن قدرات الصين التجسسية الالكترونية مع جهات عامة، مثل الشركات، فإن الصين ستعرف ما تعرفه الوكالة، وتكيّف تكتيكاتها على هذا الأساس، وبذلك كشف فضاء وزارة الدفاع على الانترنت أمام الخطر. لكن الاختراقات أصبحت كثيرة، وأضرارها الاقتصادية المحتملة فادحة، بحيث قررت الحكومة الإقدام على هذه المخاطرة وإطلاع الشركات.

قد تكون الخطوة التالية السماح لوكالة الأمن القومي برصد الشبكات الخاصة. ولا يُنكر أن الكونغرس والرأي العام لن يشعرا بالارتياح حين يعرفان أن لدى الوكالة أدوات حراسة تتمركز على بوابات الانترنت.

تسليح القطاع الخاص
لكن هذه قد تكون الطريقة الوحيدة المجدية للكشف عن الهجمات الالكترونية الكبيرة وإحباطها. وبفضل اللوبي التكنولوجي القوي فإن الكونغرس يناقش مشروع قانون يسلّح القطاع الخاص بالأدوات التي يحتاجها للدفاع عن نفسه. وتفتقر وزارة الأمن الداخلي إلى الموارد والقدرات التكنولوجية لتأمين الفضاء الالكتروني على الانترنت، وهي تتنافس مع وكالة الأمن القومي والقطاع الخاص على العقول الهندسية، حيث للوكالة اسم وسمعة أشد جاذبية، ولدى القطاع الخاص حوافز مالية أقوى.

تنفق بعض شركات القطاع الخاص من مالها ووقتها لتأمين شبكاتها، ولكن شركات كثيرة أخرى لا تفعل ذلك. فالتكاليف باهظة سواء أكانت لشراء منظومات أمنية تحمي شبكاتها أو لجهة التفاعل بين الموظف الاعتيادي والبرمجيات.

وإذا قررت وكالة الأمن القومي تقاسم معلوماتها عن الهجمات الالكترونية المحتملة مع القطاع الخاص فإن تحسنًا كبيرًا يمكن أن يطرأ على أمن الانترنت على المدى القريب. لكن ما عدا الشركات التي تتعامل مع أجهزة الاستخبارات والجيش، فإن قلة من الشركات لديها من الموظفين الذين يستوفون شروط وكالة الأمن القومي، بحيث يمكن توزيع المعلومات المتعلقة بالتهديدات الالكترونية المحتملة عليها. وبموجب المبادرة الجديدة، ستمر معلومات وكالة الأمن القومي عبر مصفاة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي.

وبسبب تلوث سمعة وكالة الأمن القومي من جراء مشاركتها في عمليات مراقبة من دون موافقة من القضاء، وحذر شركات الاتصالات من التعامل معها خارج نطاق القانون، فإن الشركات تخاف حتى من الاعتراف بأنها طلبت نصيحة الوكالة تقنيًا.

واعترف مسؤول كبير في غوغل، التي طلبت مساعدة وكالة الأمن القومي، لتطويق عملية صينية تهدف إلى استغلال الشبكة عام 2008، قائلًا لمجلة فورين بولسي quot;إن وكالة الأمن القومي ليست موضع ثقة، وما يثير الشكوك أن نسمح لها بالإطلاع على معلومات وأشياء أخرى. إن هذا ليس من مصلحتناquot;. ولكن كان من مصلحة غوغل أن تعمل مع وكالة الأمن القومي، وتراهن الوكالة على تعاون شركات أخرى أيضًا في الأشهر المقبلة.