مرّ أكثر من عقد من الزمان على سقوط نظام صدام حسين في العراق، وما زال البلد بلا علم ولا نشيد ولا يوم وطني، ما يزرع حسرة وخيبة أمل في نفوس عراقيين يتوقون إلى أن يتمتع بلدهم بالسيادة الحقيقية.


عبد الجبار العتابي من بغداد: أبدى عراقيون استياءهم من فقدان بلدهم، وبعد عشر سنوات من التغيير الذي أطاح بالنظام السابق، لا عيد وطنيًا يحتفلون به ولا نشيد وطنيًا ولا علم جديدًا يفخرون بهما. فما زال العراق بدون علم جديد بعدما اتفقت الأطراف على إجراء مسابقة لهذا الغرض، إلا أنها اصطدمت بخلافات الأطراف السياسية.

ولا يزال العراق بلا نشيد وطني، يعتمد على نشيد quot;موطنيquot;، الذي تستخدمه السلطة الفلسطينية حاليًا، لأنه نشيد فلسطيني يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي. ولا يزال العراق بلا يوم وطني، شأنه شأن الدول الأخرى، لذلك يعيش على نماذج سابقة قديمة.

نواب وخيبة أمل
عبّر النائب جمال البطيخ عن خيبة أمله من هذه الحال، وقال: quot;عقد من الزمن مرّ على التغيير، كان العراقيون ينتظرون أن يتغير كل شيء في حياتهم نحو الأحسن، لكن الخيبة كانت بديلًا لهم في برلمان هزيل وحكومة محاصصة ضعيفة، أصابها الهزال من كثرة الصراعات السياسية والطائفية، فتوقفت الحياة العامة، وتوقف معها بناء الدولة والمجتمع.

وأوضح النائب عبد الرحمن اللويزي أن الدستور نصّ صراحة على وجوب تشريع قانون للنشيد الوطني، وقانون للعطل والأعياد الرسمية، وقانون للعلم العراقي، وكل هذه قوانين نصّ الدستور صراحة على وجوب تشريعها.

أضاف: quot;طرح قانون العلم العراقي في الدورة البرلمانية الماضية، فحصلت مشاكل سياسية كبيرة بين الكتل عند مناقشة إقراره، وانتهت النقاشات إلى رفع النجوم الثلاث من النسخة القديمة، كما تمت قراءة قانون النشيد الوطني، وكان هناك أكثر من نص لشعراء عراقيين، أحدها للجواهري، وآخر للسياب، فواجه طرحه معارضة من الكرد، لأنهم أرادوا تضمين اللغة الكردية فيه، وتمت تسوية الخلاف بإضافة عبارة إلى النشيد، وكلا القانونين في مرحلة التشريعquot;.

يريدوننا أن ننسى
وأشارت الإعلامية هبة العامري إلى أن السياسيين يسعون إلى أن يجعلوا الناس ينسون كل جميل. وقالت: quot;جعلونا ننسى أنفسنا، ويريدوننا أن ننسى أصلنا في النشيد والعلم واليوم الوطني، وأنا أتمنى في كل لحظة أن أسمع النشيد الوطني العراقي، الذي يعلمنا حب الوطن، للأسف لم أسمع أي طفل من أطفالنا يقول في يوم الخميس، حيث رفع العلم في المدارس، أنشدنا النشيد الوطني أو وقفنا أجلالًا للعلم، كما كنا نقفquot;.

أضافت: quot;أنا أحبّ بلدي بالرغم من المصاعب التي عشتها هنا، لكن المشكلة في السياسيين، الذين أنسونا كل وطني جميلquot;. كريم حسن موظف حكومي رأى أن العلم والنشيد والعيد الوطني من أبرز الدلالات على السيادة الوطنية واحترام الشعب لنفسه وفرضه هذا الاحترام على الآخرين، quot;ومن يعرقل إقرارهما يحاول إفشال العملية السياسية، وهناك من يقول ربما ليسا مهمين الآن، على العكس ففيهما تجديد للروح الوطنية ولمشاعر الناس وللجمال أيضًا، فما أحلى أن يرفرف علم عراقي، ليست فيه رائحة للبعثيين، وما أحلى أن نسمع نشيدًا يتغنى بالعراق والجمال والمحبة، وما أحلى أن نحتفل بيوم وطني لا أثر فيه للدماءquot;. وختم: quot;هناك سياسيون يريدون إبقاء العراق على قديمه، ويكرهون العراق الجديدquot;.

لا وجود لقيادة
قالت الدكتورة سناء إطيمش، رئيس اللجنة العلمية في مديرية الإعداد والتدريب في وزارة التربية: quot;العلم يعني قيادة دولة وكيان، والنشيد الوطني يمثل الشعب، فكيف تريد علمًا ونشيدًا، ولا توجد قيادة، فقانون الدولة غير موجود إلى الآن، وما زلنا نعمل على قوانين النظام السابق، لذلك أعتقد أن عدم وجود علم ونشيد سببه عدم وجود قيادةquot;.

وأوضحت: quot;هنا، القياديون لا نعرف خلفياتهم ومصالحهم، ولا من يحبون من يكرهون، فهل هم محل ثقة ؟quot;. أضافت: quot;هذا هو السبب، لو كان هناك قيادي يتحلى بصفات القيادة، لكان العراق بخير، فكل الساسة ورجال الدين في العراق جلسوا على كراسيهم من دون تأهيل، وهذه هي النتيجة، وهذا الموضوع ليس عشوائيًا، بل مخطط له منذ زمن بعيد لإضعاف العراقquot;.

مفهوم حداثوي للوطن
من جانبه، تساءل الشاعر ياس السعيدي بمرارة إن كان السياسيون يعرفون لمن نشيد وطنهم الحالي. قال: quot;هذه المسألة لا تهم غير الوطنيين، وأنا أعني بالوطني هنا من يشعر بأن له وطنًا يخاف على سمعته، ويفرح حين يسمع نشيده الوطني أو يرى رايته الجديدة، وأنا هنا لا أتهم سياسيينا بعدم الوطنية، لكن المشكلة أن مفهومنا للوطن قاصر، حيث إننا نظنه بشرًا وترابًا وماءً وأجواء. أما هم بفهمهم الحداثوي للوطن فقد تجاوزوا نظرتنا الشاسعة للوطن، وبدلًا من عدد البشر أصبح الوطن لديهم عددًا من الأوراق النقدية، وحلت مساحة الجيب الداخلي للثياب محل مساحة التراب، لأنها تحفظ ما يسرقون من أموال الأولاد اليتامى والأمهات الثكالىquot;.

تابع: quot;كان الأولى أن نسأل أنفسنا هل يعرف السياسيون أن نشيد وطنهم ليس عراقيًا، فهم لا يعرفون جنسية كاتب أو ملحن نشيدنا الوطني. أما عن العلم فلا داعي لذلك، لأننا اعتذرنا من فدائيي صدام، وعلينا أن نعتذر من نجومه التي أسقطناها من العلم، أو حتى أن نضيف إلى ألوان العلم ذات الذاكرة الدموية شاربين يمثلان فتوة قتلتنا، ونسحق بهذا أنين الامهات وعظام الذين خسروا حياتهم في مقابر جماعية، مهّدت لوصول من يسحق أحلامًا ماتوا من أجل تحقيقها.

السيادة الحقيقية
إنها عشرة أعوام من الانتظار المر، ومن الصراعات السياسية والطائفية والعرقية والمذهبية، من دون أن يعرف العراق أي رجل سياسي يعي مصلحة هذا البلد، الذي دكته الازمات. هكذا يعبّر الكاتب نهار حسب الله عن حسرته، quot;وقبل الحديث عن العلم العراقي والنشيد الوطني الرسمي والعيد الوطني، أعتقد أن السيادة الحقيقية لا يعبّر عنها علم، أو نشيد أو عيد وطني، فحدودنا مخترقة واقتصادنا ينهارquot;، على حد قوله.

أضاف: quot;العلم يعبّر عن سيادة أي دولة لكنه لا يتجاوز حدود السيادة الشكلية، واليوم نحن بحاجة إلى أعلامنا العراقية والخبرات الوطنية بمختلف الاختصاصات، التي غادرت العراق بسبب التهجير القسري والتهديد والخوف، فهي تمثل سيادة هذا البلد، فضلًا عن كونها اليد البيضاء التي تعيد بناء الوطن على أنقاض واقعه المحطمquot;.

وتابع: quot;من حق الشعب أن يحتفل عيد وطني يمثل الدولة، لكن ليس في مثل هذه الأوضاع، لأننا نعيش أيامًا تتطلب منا أن نعمل جاهدين للنهوض من سباتنا، علنّا نزرع بستان ورود يحتفي به أنباء المستقبل، ومن حقنا أن نفكر في نشيد وطني يمثلنا كعراقيين، لكن علينا أن نعالج آذاننا من أصوات الانفجارات، وأن ننسى معزوفات الموت، وعويل الأرامل واليتامىquot;.

الدولة لم تتبلور بعد
وأشار الأديب جمال جاسم أمين إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في الهوية المؤجّلة للبلد. قال: quot;عشرة أعوام بعمر الزمن العراقي المهدور أبدًا، زمن بلا إنجاز بسبب مضادات الإنجاز، فليست المشكلة بالعلم والنشيد، بل المشكلة الحقيقية في الهوية، التي ينبغي أن تحدد ملامح هذا العلم ومضمون النشيدquot;.

أضاف: quot;الدولة العراقية لم تتبلور بعد، وما عندنا هو ترادف حكومات وسلطة تخلف سلطة بلا مؤسسات ثابتة، لأن عقل المؤسسة لم ينضج عندنا بعد، والسؤال المهم هو سؤال الهوية المؤجّلة والمختلف عليها في بلد مر على وجوده أكثر من خمسمائة سنة، كانت فيه الأعلام تتغير بتغير الحكومات، وكان كل نشيد مديح لكيان مرتبط بسلطة، فإذا انزاحت هذه السلطة انزاحت ادبياتها وعلمها ونشيدهاquot;.

إشكالات الكتل السياسية
من جانبه، شرح علي الشلاه، رئيس لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان العراقي، سبب غياب علم ونشيد ويوم وطني جدد، quot;فبالنسبة إلى العلم هناك مشكلة سببها لجنة الثقافة والإعلام السابقة، إذ تشكلت لجنة ووصلت إلى نماذج عدة، الأول نموذج عبد الكريم قاسم، في حينها رفضته جبهة التوافق، ولم يطرح للتصويت، ونحن في اللجنة الحالية، وبعد أن يمر النشيد الوطني لدينا رؤية لإتمام موضوع العلم، فإذا مر نص الجواهري مثلًا أعتقد أنه من المناسب أن يكون النشيد متلائمًا مع العلم في الرمز، يعني مثلًا (سلام على النخل ذي السعفات الطوال)، فمن الممكن أن نستعين بالنخلة في هذه الحالة كرمز من رموز العراق، والشيء نفسه ينطبق على الشعار، نحن ننتظر أن يمر قانون النشيد حتى نشتغل بعده بسرعةquot;.

أضاف: quot;جرت مسابقة في الدورة السابقة، ووصلت إلى أربعة نماذج، لكن من الأربعة كان الرأي الأول لعلم عبد الكريم قاسم، علم أول جمهورية في العام 1958، وحتى الآن لم يطرح موضوع العلم، فهناك من يقول لدينا علم، وهو ليس علم صدام نفسه، ولذلك لا ينبغي أن نتعجل في هذا الموضوع، ويجب أن نكون في ظرف أهدأ، لكي نطرح فكرة العلم، لكن لا بد من تغيير النشيد، لأن الحالي نشيد فلسطيني تستخدمه السلطة الفلسطينية حاليًاquot;.

لا يثير الحساسية
وكشف الشلاه أن هناك رأيًا حول إضافة عبارات من اللغات المختلفة التي تتكلم بها المكونات العراقية إلى النشيد الوطني، quot;وأنا مع هذا، ولا بد أن نأخذ النظرة الإيجابية للموضوع، وأرتأي أن يقف كل عراقي ويقول بلغته في نهاية النشيد (عاش العراق)، وهذا أمر إيجابي، خصوصًا أن الأمر ليس كلمة معقدة (عراق.. عراق) تضاف إليها كلمة عاش بالكردي أو التركماني، يقولها كل عراقي بلغته بكل حماسةquot;.

وتابع: quot;موضع اليوم الوطني مشكلة هو أيضًا، فهناك من يريد أن يكون يوم 14 تموز (يوليو)، وهو يوم إسقاط الملكية في العراق في العام 1958، وهناك من يريد 9 نيسان (أبريل) يوم سقوط النظام السابق في العام 2003، وهم قلة، وهناك من يريده يوم دخول العراق عصبة الأمم المتحدة، أي يوم 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، وهذا الأخير يبدو أنه الرأي العقلاني للكثيرين، لأنهم يعتقدون أن هذا لا يثير أية حساسية، ولا يذكر بأية مشكلة، والمهم أننا في اللجنة منفتحون على كل الآراء، وسنترك الخيارات لمجلس النواب وأي خيار سيمر سيعتمدquot;.