تعرفت على مصطلح ( ميني ndash; جوب ) عام 1972،كنت في الأول المتوسط من الدراسة الإعدداية، وفي مدينة عراقية جنوبية صغيرة، كانت عمتي (أم سهام ) اشهر خياطاتها النسوية، فهي أنذاك تعتمد اساليب الخياطة الأوربية اعتمادا على مجلة الأزياء الشهيرة (بوردا )، وحين كنت صغيرا قابلت ومن خلال صالون خياطة عمتي تلك،بنات أكابر الناس، حسب ما يعرف في تلك المدينة، كانت الصرعة (ميني ndash; جوب ) وهي تنورة قصيرة ترتفع كثيرا عن الركبة،لكن كل بنات المدينة وبنات أكابرهم يحبذهنها، حتى أنا في الثالثة عشر من العمر أحببت (المنجوب )، فقد كنت أودع اصغر عماتي الى محطة القطار وهي تلبس تنورة تكشف فخذيها وجمالها لكنها ترتدي ايضا عباءة سوداء، وما أن تصعد القطار حتى تكون العباءة في (حقيبة الطالبة الجامعية ).وحين التحقت بمعهد التكنولوجيا في البصرة عام 1977،كانت زميلاتنا الطالبات لايرتدين المين جوب بل الماكس جوب وهوالتنورة الطويلة،لكن أغلبهن يفضلن رداء الميني جوب، فقد جاءت كوكوش الإيرانية للعراق بالوانها ومينيجوباتها لتغني وترقص وتتمغنج وترتدي الوشاح الأبيض وهي تزور العباس وأخيه الحسين،بغض النظر عن ما يجريه الرجال من تخطيط الحروب، ولم أر َ طالبة محجبة في المعهد حتى خروجي من السجن عام 1978، وقيام الثورة الإسلامية بقيادة آية الله روح الله الخميني.

*****

يقول شاه ايران محمد رضا بهلوي بعد أن عاد الى الحكم اثر انقلاب محمد مصدق في خمسينيات القرن الماضي ( مايحدث هنا تجده في العراق )، وقد حدث في العراق انقلاب عام 1958، لكن ملك العراق ووصيه قد تم هدر دمهما اضافة للحكومة والعائلة.

العبرة في قول الشاه أن هناك ارتباطا شديدا بين العراق وايران، فميني جوب ايران سوف يكون له وقع في العراق، وجميعنا نتذكر كيف كانت طهران السبعينيات وكيف هي في العقد الأول من القرن الحالي.

الشيعة اينما وجدوا تتقمصهم الثورة، وقد تقمصهم الأمام الخميني الثائر على كل فساد العالم، ثورته في ايران وفي العراق وجنوب لبنان،لكن الثورة الشيعية الإيرانية لها ثوار اخرون ليس الخميني المتشدد وحسب،فقد كان هناك اية الله منتظري، الذي قاد الثورة الإيرانية في الشوارع ضد التعسف والقهر وسوء احوال العامة أعوام الستينيات والسبعينيات وتحالف َ مع اليسار الإيراني في ( نصر الأمّة الفارسية ) ضد الشاهنشاهية، توفي منتظري عن 87 عاما ً قبل أيام في الإقامة الجبرية وهو يدعو لعزل السياسة عن الدين وإحقاق حقوق الإنسان واحترام النساء ومنع التسلح النووي،والتعامل مع الجيل الجديد بعقلية جديدة وجدية ونبذ خرافات الكتب وأكاذيب الأحاديث والسنن وشرائع تجارة المتعة وجلد الذات..الخ.

*****
اشك أن الشيخ جمال الدين الأفغاني عربي الأصل والفصل لكني لااشك باصول تلميذه محمد عبده، والأفغاني على التحديد تم تدريسه لنا على أنه صاحب النهضة العربية والإسلامية وتعارك مع العثمانيين إثر عودته من باريس وبلاد الإفرنج ودعى الى الثورة والتحديث، لقد ذهب علماء الإسلام الى الغرب قبل 120 عاما لكي يكتشفوا لنا نحن العامة والخاصة مناهج في العمل والتفكير وادارة الحياة وسبل الزراعة والتصنيع بعيدا عن الدين والشريعة وثبوت المفاهيم،فيخرج لنا الشيخ الإسلامي الجميل!!الدكتور عائض القرني الذي ذهب لفرنسا لعلاج ركبتيه بأجمل مقال عن الحياة الغربية في صحيفة عربية أرصفه لكم رصفا ًquot;.

(المرعى اخضر لكن العنز مريض)
الدكتور عائض القرني

أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف، ووالله إن غبار حذاء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين. ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني، يقول تعالى: laquo; ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة raquo;.

وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة، وتهذيب الطباع، ولطف المشاعر، وحفاوة اللقاء، حسن التأدب مع الآخر، أصوات هادئة، حياة منظمة، التزام بالمواعيد، ترتيب في شؤون الحياة، أما نحن العرب فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.

نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله، فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق، وتصحّر في النفوس، حتى إن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر، الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته على الناس، من الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء، من الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى، من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له، وإذا جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه، الشرطي صاحب عبارات مؤذية، الأستاذ جافٍ مع طلابه، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس، وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية.


المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا. في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة، من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة، لذلك تجد في غالب سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة، وكلما قلت: ما السبب؟


قالوا: الحضارة ترقق الطباع، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك، نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا، نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا، احترام متبادل، عبارات راقية، أساليب حضارية في التعامل.

بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا، أين منهج القرآن: laquo; وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنraquo;، laquo; وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما raquo;، laquo; فاصفح الصفح الجميلraquo;.laquo; ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير raquo;. وفي الحديث: laquo; الراحمون يرحمهم الرحمن raquo;، و laquo; المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده raquo;، و laquo; لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا raquo;. عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف، يقول عالم هندي: ( المرعى أخضر ولكن العنز مريضة ). من هو المريض وأي إسلام تريدوننا أن نتبع؟؟؟