رحيل الشخصية الدينية الايرانية المحارضة الکبيرة آية الله المنتظري، کانت بمثابة مفاجأة کبيرة ليست للنظام الايراني لوحده، وانما لمختلف الاوساط الدولي حيث أعاد رحيل المنتظري المشهد الايراني الى الشاشة الدولية وجعلها مرة أخرى تحت مجهر البحث و التدقيق و التحليل.


المنتظري، الذي أبلي بلائا حسنا في ظل نظام الشاه بسبب من مواقفه و آرائه السياسية التحررية حتى وصل الامر الى الحکم عليه بالاعدام في عام 1975، لکن الحکم لم ينفذ بسبب القاعدة الشعبية العريضة له بين اوساط الشعب الايراني وافرج عنه بعد ثلاثة أعوام، إمتدحه الکثير من الشخصيات المختلفة التي تسنى لها الالتقاء به أيام کان نائبا للخميني، و توسم فيه الکثيرون أن يحقق الکثير من المکاسب و المنجزات على صعيد التقريب بين المذاهب وحتى أن الشخصية الدينية الکوردية الراحلة عثمان عبدالعزيز الذي کان يشغل يقود الحرکة الاسلامية الکوردستانية، ذکر أمام جمع من الناس کان کاتب هذه السطور من بينهم:( عندما إلتقيت بالمنتظري لأول مرة، تصورته سني المذهب لکثرة إلمامه بالمذهب و دفاعه عنه).


المنتظري الذي أقصي من منصبه کنائب للخميني في مارس آذار من عام 1989، نظرا لإحتجاجه على المجزرة الجماعية التي حدثت بحق السجناء الايرانيين(وکان جلهم من منظمة مجاهدي خلق المعارضة)، حيث أعدم خلال بضعة أسابيع فقط 30 ألف سجين سياسي، إذ کتب حينها رسالة للخميني في اواخر تموز/يوليو1988 يقول:(إن إعدام بضعة آلاف خلال بضعة أيام لن يکون له أصداء جيدة) واضاف في نفس الرسالة:(إذا أنتم مصرون على تنفيذ أمرکم فأصدروا أوامرکم بإستثناء النساء الحوامل على الاقل)، ومن هذا الکلام يتوضح ان الرجل لم يکن بمجرد شخصية إعتباطية او رمزية تستظل بظل(القائد الاعلى) وتلتزم بأوامره و تعليماته حرفيا ومن دون أدنى مناقشة، کما هو الحال في معظم الانظمة الشمولية، وانما کانت له دوما آرائه و أفکاره الخاصة المتسمة ببعد و طابع انساني يميل للتحرر.


ولم يکن المنتظري من تلك الشخصيات التي تتعامى او تتجاهل عن الحقائق الاساسية على الارض، کما لم يکن من اولئك الذين يستهينون بخصومهم لمجرد الاختلاف معهم وانما کان دوما يضع في إعتباره قدرا ملائما من الاحترام و التبجيل لمخالفيه و يحاورهم على هذا الاساس ولو طالعنا رسالة له کتبها بتأريخ 15آب/اغسطس 1988، نجد موقفا مميزا له من منظمة مجاهدي خلق المعارضة التي لم هنالك من مسؤول في النظام الايراني يجرؤ على مجرد ذکرهم من دون نبزهم بصفة(منافقين)، لکن المنتظري قال في رسالته تلك:(هکذا مجزرة جماعية و بدون محاکمة في حق السجين و الاسير سوف تصب في المدى البعيد لصالحهم(مجاهدي خلق)..ان مکافحة الفکر و العقيدة من خلال القتل إجراء خاطئ...ان مجاهدي خلق ليسوا أشخاصا، إنهم يمثلون مدرسة فکرية و اسلوب للمنطق فيجب مواجهة المنطق الخاطئ بالمنطق الصحيح و عن طريق القتل لاهzwnj;مکن التخلص من هذه الظاهرة بل ان القتل يؤدي الى إنتشارها).


وهنالك العديد من الرسائل الاخرى التي بعث بها الى الخميني يحتج فيها على ظاهرة الاعتداء الجنسي على الفتيات الايرانيات السجينات من قبل جلاديهن، ناهيك عن مواقف أخرى کثيرة لهذه الشخصية الجريئة التي أقضت مضجع النظام و دفعت محور الخامنئي الرفسنجاني وقتها الى التحرك السريع لدى الخميني لإقصائه من موقعه القيادي ذلك أنهم کانوا يدرکون جيدا ان رجلا يحمل هکذا أفکارا و مواقف إنسانية جريئة و نبيلة و سامية سيغير حتما من الماهية و الجوهر الاستبدادي القمعي للنظام عندما يتسلم السلطة من الخميني. وقد رد المنتظري على هذا الکيد بقوة عندما قام بإصدار فتوى بعزل خامنئي عقب تصاعد الانتفاضة العارمة للشعب الايراني حيث حذره و دعاه بأن يأخذ العبر من مصير دکتاتورية الشاه وهذه الفتوى، دفعت الساحة الايرانية لکي تصل الى درجة الغليان سيما عندما تيقن النظام الايراني من مدى قوة تأثير و حضور هذه الشخصية بين مختلف اوساط الشعب الايراني.


الحق ان المنتظري کان بمثابة الحلقة المفقودة بين نظام يتخذ من الدين برنامجا سياسيا له، وبين شعب يتطلع للمزيد من الحريات و الحقوق الاساسية، وکان ذلك و لايزال أهم مايحتاج إليه الشعب الايراني المتدين بفطرته وان رحيله يعتبر ليس خسارة للشعب الايراني و لمختلف قواه السياسية المتطلعة لإحداث تغيير في الواقع الايراني، وانما هي خسارة أيضا للشعوب الاسلامية و لکافة قوى التحرر في العالم.zwnj;