حوار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الأخير مع صحيفة المصري اليوم، جاء بلغة دبلوماسية راقية، ربما أراد ألا يغضب النظام الحاكم الذي هو جزء منه، لأنه لا يزال أمينًا عامًا للجامعة العربية التي رشحته مصر لرئاستها، وكان قبلها وزيرا للخارجية لعشر سنوات استطاع خلالها أن يحتل مكانا قريبا من قلوب المصريين إلى حد دفع إسلام خليل إلى تأليف أغنية شعبان عبد الرحيم الشهيرة quot; أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى quot; قبل أن يعدل الجزء الثاني منها quot;وبحب حسني مباركquot;، وقيل إنها السبب في إبعاد عمرو موسى من منصبه وزيرًا لخارجية مصر وترشيحه لرئاسة جامعة الدول العربية.


في حواره كان موسى صريحًا في انتقاده للمادة 76 من الدستور التي تقيد الترشيح لمنصب الرئاسة، والمادة 77 التي لا تحدد إطارا زمنيا لمنصب رئيس الدولة، وانتقى ألفاظه بدقة وابتعد عن العبارات المثيرة حتى لا يعادي النظام الحاكم، ولكي يوصل رسالة بأن الاهتمام بالشأن العام هو واجب على كل من لديه إحساس بالمسؤولية، وحب لهذا الوطن فهو يدعو إلى حوار تشارك فيه جميع القوى السياسية والمجتمع من أجل وضع دستور يتناسب مع القرن الحادي والعشرين.


وأريد في هذه المسألة أن أشير إلى ما أثاره الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش، أحد أبرز واضعي دستور 1971 قائلا quot;إن هذا الدستور تم تزويره بأمر الرئيس الراحل أنور الساداتquot;، مشيرا إلى أن لجنة إعداد الدستور التي شكلها السادات عام 1971 بعد التخلص من مراكز القوى، كان فيها مئة وعشرون عضوا بينهم ثمانون من مجلس الأمة، وأربعون من القضاة وأساتذة القانون الدستوري وانتهت اجتماعات اللجنة إلى تشكيل ثلاث لجان، الأولى تختص بمواد السلطة التنفيذية والثانية تختص بالسلطة التشريعية والثالثة بالسلطة القضائية.


انتهت اللجنة إلى وضع تصور شامل للسلطات الثلاث واختيرت لجنة للصياغة العامة وسلم الدستور إلى رئاسة الجمهورية ولكن ظهر دستور جديد مختلف تماما عما قدموه، كان محوره الأساسي تركيز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، على الرغم من أن التوجه كان يركز على نظام سياسي يقوم على أساس سلطة تنفيذية تتميز بالكفاية وليست مسيطرة، كما هي الآن وسلطة تشريعية قادرة وليست تابعة، وسلطة قضائية مستقلة وهو ما لم يتحقق حتى الآن.


رأى واضعو الدستور إلغاء الاتحاد الاشتراكي على أساس أن مصر سيأتي عليها يوم تأخذ فيه بنظام التعددية الحزبية، وأن يكون مجلس الشعب بالانتخاب، وعدم تعيين أي عضو حتى لا تبطل ديمقراطيته، وأن تلغى نسبة الخمسين في المئة، عمال وفلاحين، فوافق السادات ثم جاء الدستور الجديد متضمنا كلَ المواد التي اتفقوا مع السادات على إلغائها..
يفهم من كلام الرجل أن quot; ترزية القوانينquot; ليست ظاهرة جديدة بل كانت في عهد السادات، وكانوا يفعلون ما يريده الحاكم ويصيغونه في قالب قانوني، كما هو الحال الآن، ولعل quot;ترزيةquot; القوانينquot; الآن أعلى شأنا وأرفع منزلة لدى النظام الحاكم من ذي قبل، ويأتي على رأسهم رئيس مجلس الشعب ووزير الشؤون البرلمانية.
ألا يبعث هذا على الأسى لما ألت إليه الأحوال في مصر المحروسة، بعد كشف المستور بأن الدستور المعمول به حاليا مزور؟ وزاد الطين بلة، التعديلات الأخيرة التي جرت على المادتين 76، و77 الأمر الذي يؤدي إلى الدفع جديا في اتجاه صياغة دستور جديد.


ولعل هذا ما دفع عمرو موسى إلى عدم التفكير في ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن الطريق- على حد وصفه- مغلق، فالرجل يرى أن الترشيح من خلال حزب انتهازيةٌ سياسيةٌ واضحة، مبررا ذلك بأنه لا يقبل بأن ينضم إلى حزب لم يشارك في نشاطه وتشكيله وصياغة مبادئه، واتخاذ هذا الأمر جسرًا للمنصب الرفيع.
والترشيح كمستقل أمر مستحيل، لما يتطلبه ذلك من الحصول على تأييد مائتين وخمسين عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية في المحافظات، وألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين عضوا من أعضاء مجلس الشعب، وخمسة وعشرين عضوا من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من بين أربع عشْرةَ محافظة على الأقل، وما زاد الأمرَ تعقيدا حظرُ المشرع التأييد لأكثر من مرشح، الأمر الذي يستحيل معه لعمرو موسى أو البرادعي أو أي مرشح آخر أن يتقدم إلى الترشيح إلا بموافقة الحزب الوطني.


ونظرة سريعة إلى القوانين التي أصدرتها الحكومة في العقود الثلاثة الأخيرة يتبين أنها غير دستورية، وآخرها قانون الضريبة العقارية، لأنها لم تُعرض ndash; وفق المادة 62 من قانون مجلس الدولة- على قسم التشريع في المجلس، قبل عرضها على مجلس الشعب وفي ظل الدستور المعمول به حاليا، يسيطر رئيس الجمهورية على السلطة التنفيذية، ورئيس الوزراء والوزراء لا يملكون أي اختصاصات، طبقا للمواد من 153 إلى 160 من الدستور، فهم موظفون يعينهم ويقيلهم رئيس الجمهورية، ولعل وزير الزراعة السابق يوسف والي كان صريحاً حين قال quot;نحن قطع شطرنج يحركها الرئيس كيفما شاءquot;.


أما السلطة التشريعية التي وظيفتها الرقابة والتشريع، لا تراقب ولا تشرع، وإنما تحولت وظيفتها إلى التصفيق والموافقة على ما يطلبه الرئيس، حتى إن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات السنوي الذي يكشف فساد الحكومة، ينتهي به الحال إلى الأدراج المغلقة، ليستمر مسلسل الفساد في البر والبحر والجو ويهرب الفاسدون تحت سمع الحكومة وبصرها، وجميع أعضاء مجلس الشعب الذين ترشحوا مستقلين ثم انضموا إلى الحزب الوطني بعد نجاحهم وبذلك يكونون قد خدعوا الشعب بالإنضمام إلى الحزب الوطني.


إذن تشكيل مجلس الشعب باطل، وغير دستوري حتى السلطة الفضائية التي من المفروض أن تكون ملاذ المظلومين من أبناء هذا الشعب، ليست مستقلة لسبب بسيط، وهو أن هناك اثنتين وعشرين مادة في قانون السلطة القضائية الحالي تعطي لوزير العدل، الذي هو معين من قبل الحكومة، حق التدخل في شؤون القضاء، حتى الإشراف القضائي على الانتخابات يتكون من لجان تعينها الحكومة ويكون رؤساء هذه اللجان من هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية وبالتالي تنتفي عن هذه اللجان صفات الحياد والنزاهة.


إذن ما حدث للدستور في 1971 كان بمنزلة حركة انقلابية جرت على الدستور الأصلي، وسماه بعض فقهاء القانون الدستوري quot;دستور الساداتquot; وهناك شعور عام بأن الدستور الحالي لا يلبي تطلعات المصريين، وظهرت اتجاهات تطالب بالعودة إلى النظام البرلماني، الذي يقوم على تحقيق التوازن بين السلطات مشيرة إلى أن دستور 1923 كان تجربة فريدة في الحياة السياسية المصرية، شابها فقط خروج القصر عليه، وآياً كان الأمر فالخلاصة هي أن الكلام عن دستور جديد، لابد أن يتم بحوار شامل بين مختلف القوى والتيارات السياسية والشعبية، والتوافق عليه ليأخذ مصر إلى المكانة التي تستحقها محليا وإقليميا ودوليا، عسى أن يحمل العام الجديد بشائر هذا التغيير.


إعلامي مصري