-1-
يوسف عبد العزيز أبا الخيل..
احفظوا هذا الاسم جيداً..
واقرأوه أينما ثقفتموه..
فهو الكاتب الأسبوعي المدهش في جريدة quot;الرياضquot;..
احفظوا نصوصه عن ظهر قلب..
ضعوا نصوصه تحت وسائد رؤوسكم، حتى تطرد الخرافة والسحر والشعوذة والنصوص، التي اختلط فيها الدين بالعادات والتقاليد والأعراف..
يوسف أبا الخيل فولتير السعودية الآن..
وسيكون له شأن عظيم إن صحت نبوءتي فيه، فيما لو لم يقتل مبكراً، حيث تمَّ تكفيره وإهدار دمه بفتوى شرعية (14/3/2008) من الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك مع صديقه الآخر عبد الله بن بجاد العتيبي. وطلب البراك محاكمة كل منهما واستتابتهما. فإذا لم يرجع أبا الخيل عن أقواله quot;وجب قتله مرتداً، فلا يُغسل، ولا يُكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون.quot; ولم يرجع أبا الخيل حتى الآن عن أقواله. وكان أبا الخيل، قد كتب مقالاً قال فيه quot;إن الإسلام لا يُكفِّر مَن لا يَدِين به، إلا إذا حال بين الناس وبين مُمارسة حرية العقيدة التي يَدينون بهاquot; وقد أيّد فتوى الشيخ البراك، عشرون من المشايخ والأكاديميين منهم: عبدالله بن الجبرين، وعبدالعزيز بن عبدالله الراجحي، وفهد بن سليمان القاضي وغيرهم. بينما أصدرت مجموعة من الليبراليين السعوديين في 31/3/2008 بياناً تضامنياً (لا للتكفير.. نعم لحرية التعبير) مع أبا الخيل والعتيبي، ورفضاً للفتوى التي قالوا إنها تهدد السلم الاجتماعي السعودي.


-2-
فما أكثر الشبه بين فكر يوسف أبا الخيل وفولتير (فرانسوا ماري أرويه) مع بعض التباينات، نتيجة لاختلاف العصر والتحديات والمتغيرات!
يوسف بن عبد العزيز أبا الخيل من عائلة كبيرة ومعروفة جيداً في منطقة نجد. مفكر ليبرالي في الخمسين من عمره، من مواليد مدينة بريدة في القصيم عام 1962، وحاصل على درجة الماجستير في العلوم المالية، وقطع شوطاً كبيراً في رسالة الدكتوراه بهذا التخصص الأكاديمي. أما ثقافته الشرعية فهي - كما يقول - ثقافة مكتسبة من ثني الركبتين على المشايخ لما يزيد عن عقدين من الزمان. وهو من القلائل جداً في السعودية، من يرفض مقارنة الليبرالية بأية أصول مذهبية، لأنها لا تلتقي والتمذهب من وجهة نظره أبداً. ويقول قول حق وحقيقة، وهو أن الليبرالية نشأت في أساسها ضد التمحور حول المذاهب.


-3-
من يظن أن السعودية اليوم، هي فقط مجموعة من المشائخ المفتين، فتاوى ضد المرأة، وضد المساواة، وضد التسامح، وضد الفكر الحر، وضد الديمقراطية، فهو مخطئ خطأ كبيراً.
ومن يظن أن السعودية اليوم، هي فقط مجموعة من الأشياخ المفتين بهدر دماء وتكفير الشباب الجدد من طلائع الليبرالية السعودية، فقد جانبه الصواب مجانبة قصية.
ومن يظن أن المرأة السعودية اليوم، عبارة عن عباءة سوداء ونقاب أسود وقفازات سوداء، وأن المرأة ما زالت في منظور quot;الحرملكquot;، ومحتجزة في البيت، ومكرسة فقط للعلف والخلف، فهو يرى السعودية بعيون نصف قرن مضى.
والسبب في كل هذا النظر الآحادي للسعودية، هو طول فترة الجليد الثقافي والأيديولوجي والاجتماعي، وتسارع ذوبان هذا الجليد، وبزوغ فجر quot;ربيع الرياضquot;، خلال الثلاثين سنة الماضية فقط.
فكان من الصعب علينا نحن المراقبين من خارج السعودية في الشرق والغرب، أن نقوم بتحميض الصورة السعودية الملونة الجديدة بهذه السرعة، ونضعها أمام الناظرين إلى جانب الصورة القديمة.
كما كان من الصعب على السعوديين في الداخل، أن يضعوا اللوحة السعودية الجديدة إلى جانب الإطار الفارغ من اللوحة، حيث كان الرسم محرماً تحريماً فقهياً خاصاً، ومازال جزء من هذا التحريم قائماً إلى الآن، علماً أن الفن التشكيلي السعودي بما فيه الرسم متقدم كثيراً، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما ينشره موقع quot;الأوانquot; على الانترنت بين حين وآخر، في زاوية quot;ملء العينquot;، من لوحات باهرة للرسّامات والرسّامين السعوديين.
ففي السعودية اليوم، ليبراليات وليبراليون يملأون الساحة الثقافية، ويدافعون ويساندون الخطوات الإصلاحية غير المسبوقة في العهد الحالي، وهم من أكثر المثقفين العرب اطلاعاً على الفكر الغربي والعربي الحديث، كما أنهم أوسع أفقاً ومعرفة بالتراث قمحه وزوانه.
وفي السعودية اليوم، روائيات وشاعرات، وروائيون وشعراء، يتسابقون وينافسون طلائع الحداثة الأدبية في العالم العربي.
وفي السعودية اليوم، مفكرون وكتاب وصحافيون وناشطون، قلما نجد لهم مثيلاً في أنحاء كثيرة من العالم العربي.
والجليد الفكري والثقافي والاجتماعي، الذي تراكم على العقل السعودي، في الأزمنة الماضية، نتيجة لعوامل جغرافية وتاريخية وأيديولوجية واجتماعية معينة، بدأ مع حرارة نهايات القرن العشرين، ونار بداية القرن الحادي والعشرين، وما تمَّ من تغيرات جذرية في العالم المحيط بنا، بالذوبان السريع. ومنَّا من يخشى عواقب الطوفان، نتيجة هذا الذوبان السريع للجليد. لذا، فوصية العقلاء الذهبية بـ quot;ضرورة التدرُّجquot;، وصية رائية، وثمينة، وواقعية.
وفي المقال القادم، سنبين أوجه المقارنة بين أفكار فولتير (فرانسوا ماري أرويه) وأفكار يوسف أبا الخيل.