تتقدم ذكرى استشهاد الإمام الحسين ع على كل المناسبات الدينية المحتفى بها لدى أتباع آل بيت النبوة بل إن الانتماء لقيمة الثورة الحسينية هي الطابع المميز لفكر الشيعة ككل وخاصة العراقيين منهم..والعراقيون أبدعوا بإحياء الذكرى الأليمة رغم توالي عداء السلطات الحكومية لهم ومنع إقامة الشعائر الحسينية على مر العصور.

وظل المجلس الحسيني والمنبر الحسيني من صميم تقاليد الشيعة خاصة في أيام شهر محرم الحرام والى العشرين من شهر صفر تبقى العاطفة الشيعية أسيرة المنبر الحسيني وقد جرت العادة لمرتقي المنبر على استذكار قصة استشهاد الإمام الحسين ع ثم التذكير بالرسالة النبوية ومباديء الإسلام ثم الختام بأبيات من الشعر تحكي الواقعة الأليمة.

اليوم وبعد الذي جرى في العراق من تغيرات سياسية دراماتيكية وظهور التشيع السياسي ومشاركته بالسلطة بشكل فعال..أين ذهب دور المنبر الحسيني وهل يمكن للمنبر الحسيني أن يساهم في بناء الدولة العراقية الحديثة ؟؟؟ اغلب السياسيين العراقيين في القائمة الفائزة في الانتخابات هم ممن مارس النضال خارج العراق من على ظهر المنبر الحسيني في الحسينيات المنتشرة في دول المنافي وهذا ليس عيبا بل انه من الفضائل التي لم يحسن اغلبهم استغلالها في حياتهم السياسية في داخل العراق.

فيما بعد إلا أن بناء المؤسسة في دولة محتلة تتقاذفها أمواج عنف متعدد المصادر لا يشبه إدارة حسينية في بلد من بلاد المنافي شتان مابين الأمرين!!


أتذكر كل هذا وأنا أتابع ألازمة التي اشتعلت هذه الأيام بين قراء المنبر الحسيني والسلطة ممثلة بالوقف الشيعي فما الذي يدفع السلطة وهي التي استخدمت المنبر ورموز المنبر جسرا للعبور إلى ماهي فيه من نعيم!! ما الذي يدفعها إلى التورط بهكذا أزمة وكيف يسمح قاري المنبر لنفسه بالتدخل بما تسميه السلطة السيادة القانونية على الأضرحة وخطباء الأضرحة المقدسة!!


الحقيقة إن المهم بالموضوع كله هو كيفية استخدام المنبر في عملية الإصلاح والتنمية والسلام الاجتماعي والسياسي وهي الأمور المهمة المطلوبة لبناء الدولة العراقية الآن كيف يساهم المنبر في تهدئة الناس وسط هذه الفتن العمياء وهذا موضوع على الجميع أن يفكر به ويضع له الخطط العلمية ولكي لاتمر ذكرى عاشوراء كما مرت مثيلاتها موسما للبكاء والحزن فقط على الجميع أن يجلس لوضع الخطط العلمية التربوية والاجتماعية لتسخير الامكانات التعبوية للمنبر في بناء حياة أفضل للجميع وهذا هو عينه ما استشهد لأجله الإمام الحسين ع..الم يكن يطلب الإصلاح في المجتمع العراقي آنذاك؟؟

كيف ننتج مسيرة سلمية منظمة تحترم معتقدات الأخر المختلف عنا ؟؟كيف نحاور هذا الأخر في بناء المجتمع ولا نفكر في التصفية الجسدية كحل لأزماتنا وطمعنا ؟؟كيف نرفع شعارات الولاء للحسين في خدمة التنمية؟؟

هل يمكن للمنبر الحسيني أن يفرض على كل زائر للحسين أن يغرس شجرة في ارض العراق كل يوم عاشوراء ؟؟ تخيلوا معي شكل العراق بعد 4 أعوام من هذه الفكرة !! وهي مسألة ليست مكلفة قياسا بما ننفقه على المواكب وفي البيوت العراقية أيام عاشوراء؟؟ هل يمكن أن يفرض المنبر الحسيني على من يريد التطبير أن يتبرع بالدم لجرحى الانفجارات قبل موكب التطبير؟؟؟ هل يمكن للسلطة أن تقوم بحملات تنظيف لكل المؤسسات الفاسدة وتسميها حملة عاشوراء أن تستعين بالحسين وقيمه بالهجوم على الفساد في الأنفس والمؤسسات؟؟


هل يكون المنبر مخلصا لتاريخه مبتدأ التوبة إلى الله من كل قذارات حب المال والسلطة ومنارا للحب الإلهي الخالص ؟ من أدران الدنيويات الملطخة بالعنف؟


لم يتدخل الإمام زين العابدين ع وهو شاهد العيان على استشهاد الإمام ع في قيادة ثورة العنف التي اشتعلت في العراق بل اختار النصح والإرشاد والثورة للتغيير من خلال منبر العزاء الحسيني وهو الوسيلة الإعلامية ذاتها التي اختارتها زينب ع في إقامة مجالس العزاء والإرشاد في المدينة ثم في الشام مرتع السلطة الأموية آنذاك!


بينما قاتل المختار وإبراهيم الاشتر في الكوفة بمرجعية محمد ابن الحنفية وسيطروا على الكوفة وقتلوا الكثير ممن شاركوا في قتل الحسين ع بينما هم كذلك كان الإمام زين العابدين يرشد الناس إلى الحق والفضيلة ولم يعط مرجعية القتال..وهذا ثابت في كتب السيرة والتاريخ المعروفة لذن هناك إمكانية تاريخية لتحويل فعل العنف الرهيب المتمثل بحز رأس الإمام الحسين ع إلى ثورة للتنمية والإصلاح والحب الإلهي !!إذ لم يدفع الإمام دمه الطاهر وحياة آل بيته وأصحابه لأجل ثورة المختار بل لإحياء قيم الإسلام الطاهر قيم السلام الاجتماعي قيم الرسول العظيم محمد ص وليس قيم ردود الأفعال العنيفة والتشنج السياسي!!


أقول للكرام أرباب المنابر رفقا بأرواح الناس وقليلا من الحكمة قبل النطق بحرف لتثو يرهم فالناس منهم الهمج الرعاع الناعقين وراء كل ناعق على حد قول الإمام علي ع وليسوا بحاجة ألان للإثارة والتثوير خاصة وهم في أيام الحزن والرغبة في اخذ ثأر قتل إمامهم الذبيح رفقا بأعصاب الناس وبعقولهم ضعوا مصلحتهم وحاجتهم للعدالة الاجتماعية والخدمات قبل حاجتكم لقيادتهم والسيطرة عليهم!!


قيم الحسين ع تفرض على الجميع سلطة وخطباء وعلماء وقائمين على إدارة المؤسسات الدينية الجلوس لوضع خطط استغلال المناسبة لسعادة الناس وخيرهم وأمانهم فمثلما قضية حماية الزائر مهمة وأساسية أيضا احترام عقل الزائر وإنسانيته أكثر أهمية ومثل أيام الزيارة سائر الأيام الباقية لان الحسين ع استشهد من اجل الإنسانية..

[email protected]