-1-

غالبا ما نتساءل، عندما ننشر مقالا في إيلاف، من هو قارئي الافتراضي - الإيلافي هذا، إلى أي جيل، تيار، ينتمي، ماذا ينتظر مني حتى أكون في حسن ظنه، ما هو العنوان المناسب الذي يجذبه لفتح مقالي، أي موضوع قريب من قلبه وعقله، هل أغلبه أنثوي أم ذكري، وأية طريقة مثلى للتأثير فيه/ فيها، حتى أشعر أني ساهمت في التغيير الفكري والاجتماعي المنشود...
نريد من هذا السؤال أن يكون موضوع مقال بمناسبة التصميم الجديد

عصر الانترنت، هو عصر طوفان الكلمة المكتوبة والكلمة المقروءة.
لم تكثر الكلمة، ولم تنتشر كما كثُرت وانتشرت في هذا العصر.. عصر quot;النتquot;. والانترنت ليست شبكة عنكبوتية لاصطياد الهوام، ولكنها شبكة بحرية ضخمة لاصطياد أطنان سردين الكلام، وأكثره فائدة وصحة.

-2-
جاءت quot;النتquot; في وقتها تماماً للكاتب المستعجل والقاريء النزق.. قاريء الـ (Take Away) وقاريء المطاعم الارستقراطية على السواء.
وهذا القارئ النزق، الذي فُتحت أمامه - وبنقرات معدودات ndash; كافة أبواب المعرفة التي كانت مغلقة بمزاليج ضخمة وأبواب سميكة، أصبح قارئاً انتقائياً مدللاً، يختار الأسرع والأسهل في القراءة.

-3-
فكتبُ الكاتب ومقالاته، لم تعد المصدر الوحيد للمعرفة.
أصبحت لدى المتلقي مصادر مختلفة: التلفيزيون، والسينما، والمدونات، والفيس بوك.. الخ.
وكان المتلقي يسبح في quot;بانيوquot; الحمام، فأصبح الآن يسبح في محيط، لا آخر له.
فماذا على الكاتب أن يفعل حيال هذا العصر، ومستجداته؟

-4-
عليه أن يكون يسير العبارة، سهل القراءة.
وأنصح وزارات التربية والتعليم في العالم العربي ndash; وما أنا بالناصح المخلص - أن تقرر تدريس كتب طه حسين جميعها، في كافة المراحل التعليمية من الابتدائية حتى الثانوية، لأنها مصدر مهم وسهل جداً من مصادر المعرفة. يفهمها الطالب الصغير، وأستاذ الجامعة.
وأنصح كافة المفكرين التنويريين العرب من محمد أركون إلى العفيف الأخضر، بإتباع quot;الأسلوب الحُسينيquot; لكي يصل خطابهم إلى العامة.
فلا يوجد ndash; مثالاً لا حصراً - أجمل مما كتبه طه حسين عن الفلسفة والفلاسفة ndash; ذلك المبحث المنفِّر لكثير منا - في كتابه الجميل المهضوم quot;قادة الفكرquot;.

-5-
وسرُّ عظمة طه حسين في يُسرُ ولذة أسلوبه.
فالرجل لا يأتي بجديد، ولكنه يُمتعك، ويسرك، ويدفعك دفعاً إلى مواصلته.
فهو يردد جُمله كثيراً، ويستهلك كماً كبيراً من اللغة، كما قال الروائي الأردني الراحل غالب هلسا. ولكن في كل إعادة، يأتيك بمقام جديد من مقامات الكلام، كما تفعل أم كلثوم في أغانيها.

-6-
فلا تطيلوا أيها الكتاب (أنا أطلتُ الآن، وعارٌ عليَّ أن أُنهى عن خطأ وآتي بمثله!)
ولا تتقعروا أيها الكتاب.
ولا تسكبوا مقالاتكم على شاشة النت كسكب الماء على الأرض.
قسموا مقالاتكم إلى أجزاء، وعناوين فرعية، لسهولة القراءة، وسرعة الفهم والهضم.

-7-
أما أسئلة quot;إيلافquot; لكتابها عن القارئ الإيلافي الافتراضي، وإلى أي جيل وتيار ينتمي، وأية المواضيع قريبة من عقله وقلبه.. الخ. فهي أسئلة موجهة إلى تحرير quot;إيلافquot; الذي لديه العدادات والمعدات التي تؤهله للإجابة على كل هذه الأسئلة.
فالشجرة تطرح الثمر فقط، والمحللون وحدهم من يعرفون مركبات الثمر، وفوائده، وآكليه.
كل عام وأنتم جميعاً بخير، وسنة خير جديدة، وquot;إيلافquot; جديدة متألقة كل يوم، وكل ليلة.