غالبا ما نتساءل، عندما ننشر مقالا في إيلاف، من هو قارئي الافتراضي - الإيلافي هذا، إلى أي جيل، تيار، ينتمي، ماذا ينتظر مني حتى أكون في حسن ظنه، ما هو العنوان المناسب الذي يجذبه لفتح مقالي، أي موضوع قريب من قلبه وعقله، هل أغلبه أنثوي أم ذكري، وأية طريقة مثلى للتأثير فيه/ فيها، حتى أشعر أني ساهمت في التغيير الفكري والاجتماعي المنشود...
نريد من هذا السؤال أن يكون موضوع مقال بمناسبة التصميم الجديد

أملك الجرأة للاعتراف انطلاقا من تجربتي في الكتابة أن مهمة الكتابة السياسية تحديدا لصحيفة quot;إيلافquot;، تختلف عندي عن الكتابة لأية صحيفة أخرى ورقية أم اليكترونية، ومرجع ذلك إلى وجود رقيب قاس لا يرحم ولا يجامل، وهم السادة quot; قراء إيلاف quot; الذين أتاحت لهم هيئة تحرير الموقع هامشا من الحرية في التعليق وابداء الرأي نادرا ما يتوفر للقراء في مواقع أخرى. هذا الرقيب أصبح منتشرا وواسعا ويمتلك نفوذا بسبب الانتشار الهائل للموقع الذي أهّله للعديد من الجوائز التقديرية. وهذا الاختلاف يجعلني عبر تجربة ما يزيد على ستة سنوات إيلافية، أن أفكر مليّا عند الكتابة أو كما يقول المثل الشعبي (أعدّ للعشرة) كي أكون في محل رضا وقناعة النسبة الأعلى من هؤلاء القراء، وهذا الموضوع ينطوي على تنويعات متعددة سأحاول طرحها من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
من هو القارىء الإيلافي الذي أتخيله عند الكتابة؟
هذا القارىء في مخيلتي لحظة الكتابة ينتمي لجيل الشباب عموما، انطلاقا من فرضية أن هذا الجيل هو صاحب النسبة الأعلى من مستخدمي تكنولوجيا الكومبيوتر في الأقطار العربية، و على اعتبار أن هذه النسبة متدنية في تلك الأقطار قياسا بنسبة مستخدمي الكومبيوتر في أوربا وأمريكا والصين واليابان، حيث أصبح لديهم تعريف (الأمّي) منذ ما يزيد على ربع قرن هو الشخص الذي لا يستخدم الكومبيوتر والنت أيا كانت الشهادة التي يحملها، بينما في أقطارنا العربية ما زال تعريف (الأمي) هو الشخص الذي لا يجيد القراءة والكتابة، مع أهمية التذكر أن مجرد معرفة القراءة والكتابة لا يخرج الشخص من دائرة (الأمّية)، فما قيمة أن يجيد الشخص القراءة والكتابة، ولكنه لا يمارسها وبالتالي فهو لا يعرف ما يدور حوله في بلده والبلدان المجاورة والعالم أجمع، فالنتيجة هي أنه quot;أمّي quot;، لأنه يجهل كل ما يحدث في العالم. واعتمادا على تجربتي هذه ترسخت عندي قناعة لست متأكدا من صحتها، وهي أن النسبة الأغلب من هؤلاء الشباب هم من الذكور، مما يعني أنهم أكثر اهتماما بالسياسة وتوابعها من الشابات الإناث.
ما هي قناعاته واتجاهاته الفكرية السائدة؟
وكون هذا القارىء في مخيلتي غالبيته من جيل الشباب، وضمن المنظومة الفكرية السائدة في الأقطار العربية أتخيلة ينقسم إلى منظومتين:
الأولى: المنظومة التي تتبنى الأفكار العروبية القومية ذات الطابع العاطفي رافضة اخضاعها لمحاكمة الواقع لاختبار مدى صلاحيتها وواقعيتها. فمثلا شعارات (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، (تحرير فلسطين من النهر إلى البحر)، (صدام حسين القائد العروبي البطل المؤمن قاهر الامبريالية والصهيونية) وغيرها من شعارات مشابهة، لا يقبل أنصار هذه المنظومة مناقشتها فهي عندهم من المسلمات الإيمانية التي لا تقبل النقاش والجدل، ويرفضون سماع وجهة نظر مغايرة مفادها: (أين الأمة العربية الواحدة في ضوء واقع التشرذم وعدم السماح للمواطن العربي بالتنقل والسفر بين أغلب الأقطار العربية إلا بتأشيرة دخول مسبقة من المستحيل الحصول عليها من أغلب هذه الأقطار؟). و (كيف أصبح صدام بطلا عروبيا مؤمنا، وهو الذي احتل ودمر دولة الكويت العربية عام 1990؟ وقتل عشرات ألالاف من العراقيين العرب والكرد؟). و (أين هو شعار التحرير من النهر إلى البحر وغالبية المنظمات الفلسطينية تطالب كحد أقصى بدولة ضمن حدود عام 1967 أي ما لا يزيد عن عشرين بالمائة من مجموع مساحة فلسطين؟). الملاحظ أن غالبية القراء من هذه المنظومة يهاجمون الكاتب الذي يتبنى هذه الأفكار المناقضة لقناعاتهم، ويسكتون على التنظيمات التي تتبناها فيما يتعلق بمستقبل فلسطين مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وفتح وغيرها.
الثانية: المنظومة الأقل نسبة ولديها نظرة عقلانية منفتحة، تقبل نقاش هذه الأفكار فتؤيد الكاتب في بعضها وتخالفه في بعضها الآخر دون اتهامات وسباب شخصي كما يسود في تعليقات أصحاب المنظومة الأولى.
كيف أكون عند حسن ظن القارىء في المنظومتين؟
هذا السؤال يشغلني كثيرا منذ لحظة التفكير في موضوع مقالتي، لأنني لا أكتب لمجرد الكتابة واضاعة الوقت، بل لديّ هدف وهو محاولة تطوير قناعات مشتركة بيني وبين أكبر عدد من القراء علها تسهم في الوصول لفهم حقيقي لمشكلات الوطن الذي يتقدم العالم من حوله كل يوم، وهذا الوطن يتراجع ويتخلف كل دقيقة. لا أعتقد أن كاتبا أو قارئا يمتلك الحل لهذه المفارقة التي جعلت العربي مثالا للتخلف والرجعية، إلى حد أن دولة إسرائيل ذات الستة مليون من البشر، تتحكم في كل المحيط العربي ذي الثلاثمائة وعشرين مليونا، وتحركهم شمالا ويمينا ليس بإشارة من اليد ولكن بالريمونت كونترول. ومن خلال تفاعلي مع تعليقات القراء، أعتقد اننا وصلنا لقناعة مشركة مفادها أن هذا التخلف العربي مرجعه إلى:
1. الأنظمة الاستبدادية التي يحكمنا فيها الديكتاتوريون من المهد إلى اللحد، ثم يتكرمون علينا بتوريث أبنائهم في الكرسي. والقناعة المشتركة بيني وبين القراء حول الموقف من أنظمة الاستبداد العربية، هي أهم الموضوعات التي حصل توافق بيني وبين القراء حولها كما أرصد من مواقفهم وتعليقاتهم، خاصة أنه من النادر أن مواطنا عربيا لم يكتو بنار الاستبداد والمستبدين العرب، بدليل أن كافة الدراسات والاحصائيات تشير إلى أنّ نسبة عالية من هؤلاء الشباب يرغبون في الهجرة للولايات المتحدة والدول الأوربية.
2. هذه الأنظمة تبذر الثروات على ملذاتها وفسادها دون توجيهها للجامعات ومؤسسات البحث العلمي ورعاية المواهب، بدليل أن المواهب العربية أمثال: الدكتور إدوارد سعيد، أحمد زويل، فاروق الباز، البرادعي وغيرهم، كلهم برزوا في الغرب ولو بقوا في أقطارهم العربية لما وجدوا الفرصة والرعاية لهذا النبوغ العلمي والأكاديمي.
محاولة تطوير هذه القناعات
وترسيخها لدى النسبة الأغلب من القراء هي الخطوة الأولى لنقلها من خلالهم لقطاعات أوسع من الشعوب، وهي رؤيتي أو نافذتي لممارسة دور نقدي هادف يبرر ممارستي لمهمة الكتابة، وإلا تحولت مهنة الكتابة لدى الكاتب والمبدع والمثقف العربي لدور عبثي لاضاعة الوقت والتسلية فقط. ولكن هذا الدور لا يكتمل إلا إذا مارس القارىء دوره بعقلانية وحضارية، وهذا يقودني لممارسة دوري في التعليق على تعليقات قراء إيلاف، إذ تتيح لهم إدارة التحرير هامشا واسعا للتعليق كما يريدون على كتابات الكتاب، فلنمارس دورنا ككتاب للتعليق على تعليقات قرائنا لنرى هل تعطينا إدارة التحرير نفس الهامش الواسع من الحرية؟
تعليقي على تعليقات القراء
أولا: هناك نسبة من القراء إقليميون لا يؤمنون بشعار (أمة عربية واحدة،ذات رسالة خالدة)، بدليل أنهم إذا لم تنسجم كتابة كاتب فلسطيني مثلا مع قناعاتهم، كان تعليقهم (يا أخي إنت فلسطيني تفرغ لشؤون وطنك المحتل، و خلي الشأن العراقي للعراقيين). أو (فلان حرّر وطنه فلسطين المحتلة وباقي عليه فقط التدخل في الشأن اللبناني)، وهكذا يوجه نفس التعليق لأي كاتب من أية جنسية عربية إذا كتب في شأن عربي آخر.
ثانيا: نسبة عالية من تعليقات القراء لا تتعرض لموضوع المقالة مطلقا، بل تكون تعليقاتهم شتائم وتجريح شخصي بالكاتب أبسطها الاتهام بالعمالة والخيانة والجاسوسية، وليس مبالغة إذا تفرغ صحفي أو كاتب لرصد أسماء الكتاب الذين تعرضوا لإطلاق هذه التهمة عليهم لوجدنا أن أغلب الكتاب العرب خونة وجواسيس وعملاء، طبعا مع اختلاف جهة العمالة فهي إما الامبريالية أو الصهيونية او دولة عربية أو إيران أو حزب سياسي عربي أو تنظيم فلسطيني...وهكذا فالمهم الصفة هي العمالة !!!.
ثالثا: نسبة من تعليقات القراء تقفز أيضا عن مضمون المقالة وأفكارها، فتتحول ساحة التعليقات إلى تعليق قارىء على تعليق قارىء آخر وأحيانا أيضا باسلوب الشتائم والسباب.
ما الحل إذن يا كتاب وقراء إيلاف؟
ونحن نودع مع القراء عاما ونستقبل عاما جديدا من عمر بيتنا وحاميتنا (إيلاف)، أقترح وساطة بشرط أن تكون (تركية) بين كتاب إيلاف و قرائها، لتوقيع اتفاقية (كامب إيلاف) مضمونها: (نحن القراء والكتاب هدفنا واحد وهو الارتقاء بالأمة العربية لتكون فعلا أمة واحدة ذات رسالة خالدة، وستكون طريقتنا هي النقاش العقلاني الهادف الملتزم بحدود حرية الرأي والرأي الآخر، انطلاقا من أنه لا يملك أي شخص الحقيقة المطلقة، وهذه الحقيقة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الموضوعية واحترام الآخر)....وكل عام وأنتم بخير قراء وكتابا وجمهورا...والعمر المديد لراعيتنا وبيتنا إيلاف.
[email protected]