بينما كان العالم أول أمس الجمعة وقبله بقليل، مشغولاً بصناعة الكلام السعيد، للدخول السعيد في عام أسعد، كان آخرون في جهاتٍ أخرى من الأرض، مشغولين بصناعة الكلام المفخخ، والنصوص المفخخة، والقتل المفخخ.

ففي الوقت الذي ذهب فيه البعض، إسلامياً، إلى quot;اباحةquot; الاحتفال بليلة رأس السنة وممارسة طقوسه، بحجة ان الاسلام دين الانفتاح على الآخر، وجدنا بعضاً مسلماً آخر قد ذهب إلى quot;تحريمquot; الاحتفال بليلة رأس السنة باعتبار أنه quot;العيد البدعةquot;، وليس من سنن الاسلام، وأنه quot;العيد الشبهةquot;، ومن تشبه بغير المسلمين في عقائدهم وعاداتهم فانه صار منهم.

د. أسامة عبدالسميع، يرى مثلاً quot;أنّ الشريعة الاسلامية لم تحرّم الاحتفال بالأيام التي تأتي بالمناسبات الجميلة مثل عيد رأس السنة مادام المسلم لم يتأثر في عقيدته بهذه الاحتفالات، بل يعتبرها أيام فرح وسرور وراحة، يستطيع أن يقيّم أعماله خلال عام مضى من عمره، فينظر في سجله الذي مضى ليأخذ العبرة من ماضيه لحاضره.quot;

أما quot;فكرة التشبه، على حد رأي الكاتب الإسلامي جمال البنا، التي يثيرها بعض الفقهاء بغير المسلمين لا يمكن أن تؤخذ على اطلاقها وكما يقول الشاعر: quot;وتشبهوا أنه لم تكونوا منهم.. ان التشبه بالكريم إكرامquot;.

في حين أنّ عضو المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية في القاهرة، الشيخ يوسف البدري، وعبد العزيز محمد فرج استاذ الفقه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، حرّما الإحتفال بليلة رأس السنة واستحضار طقوسها، لquot;أنه لا يحق للمسلم أن يساعد على نشر البدع فالشريعة الاسلامية نهت عن اتباع البدع لقول النبي صلى الله عليه وسلم quot;لكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النارquot;، والاحتفال بما يسمى بعيد رأس السنة أو عيد الأم أو عيد الربيع وغيره من البدع، والاسلام شرّع عيدين هما عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، وأمرنا بالاحتفال بهما. أما ماعدا ذلك فهو منسوخ في شريعة الاسلام(الشرق الأوسط، 24.12.09).

أما الشيخ يوسف القرضاوي، فقد حرّم احتفال المسلم بأعياد رأس السنة الميلادية، وانتقد العواصم العربية المحتفلة بهذه المناسبة قائلاً: quot;إنّ هذا الإحتفال حرام، ويعني تنازل الأمة الإسلامية عن هويتهاquot;.

هذا المنع أو التحريم(على مستوى الكلام الفقهي والفتوى)، من الدخول الجديد إلى عامٍ جديد، لم يتوقف لدى البعض الماضي في هويته الماضية، عند حدود منع quot;الذاتquot; من دخول الفرح الجديد، فحسب، وإنما تجاوز حدود الآخر أيضاً، بمنعه من دخول الفرح ذاته، أو تعكير صفوة السعادة عليه.

هؤلاء الخارجون على سعادة العالم، لم يحرّموا على ذواتهم الإحتفال بدخولٍ سعيدٍ في زمانٍ جديدٍ، فحسب، وإنما حاولوا أيضاً قتل السعادة على أبواب الآخرين أيضاً، لمنعه من أي دخولٍ ممكن في جديد العام الممكن.

الصومالي البالغ من العمر 28 عاماً، والذي حاول مساء أمس الجمعة قتل كورت فسترغارد، رسام احدى الصور الكاريكاتورية المثيرة للجدل حول النبي محمد، وذلك عبر قيامه بمحاولة اقتحام فاشلة لمنزل الفنان، لقتل الفرح في الأول من سنته، وقتل الأول من السنة في فرحه، يشكل نموذجاً مثالياً، لهذا البعض الخارج على كل فرحٍ عالٍ، وطقوسه العالية، الذي quot;لا يعيش ولايترك الآخرين كي يعيشواquot;.

هذا البعض الخارج على فرح العالم، لا يريد توقيف الفرح على عتبات إيمانه أو تديّنه فحسب، وإنما يريد اغتياله على باب الآخر أيضاً، ليصبح الفرح واقفاً أو موقوقاً، يقرأ الفاتحة على موته العجول.

هو بعضٌ يحبُّ الموت في سبيل الله، لأنه فشل(ولا يزال) في الماضي من هويته، كيف يعيش لأجله.
هو بعضٌ يعشق الموت في الله، لأنه فشلَ عشق الحياة في ذاته.
هو بعضٌ فاشلٌ في تحقيق الأرض، لهذا يهرب مفخخاً إلى تحقيق السماء.
هو بعضٌ، لا يعيش إلا لموته، وليست الحياة في عرف هويته الماضية، سوى طريقاً مؤمناً إلى أقرب موتٍ، أو قتلٍ quot;مؤمنquot;.
هو بعضٌ يقتل كي quot;يعيشquot; لدينه أكثر، في كونه quot;إلهاً ماضياًquot; ليس إلا.
هو بعضٌ لا يعيش لذاته، إلا ليقتل آخره المختلف.
هو بعضٌ لايعيش، لهذا يجاهد كيف يقتل، أو يُقتل ويموت لquot;يطيرquot; إلى السماء، بعد فاتحةٍ أو فاتحتين.
هو بعضٌ ميتٌ في قديم العام، لهذا هو لا يعرف جديده، ويحرّم الإحتفال بقدوم أيّ جديدٍ، ويمنع بالتالي أيّ عبورٍ أو دخولٍ جميل إليه.

لست هنا بصدد مناقشة الممكن أو المتوقع من حرية الفنان الدانماركي، الذي عبّر بها عن رأيه، على صفحات صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية، التي قامت في 30 سبتمبر 2005، بنشر 12 صورة كاريكاتورية quot;مسيئةquot; لرسول الإسلام، وذلك وفقاً لما يسمح به قانون بلاده. فنتائج استطلاعات الرأي في يناير 2006 أظهرت أن 79% من الناس اعتقدوا أن لا داعي لأن يعتذر رئيس الوزراء الدانماركي للمسلمين، لأن الرسومات، بحسب رأيهم، لم تخرق أي قانون من القوانين الخاصة بالسب أو الشتم أو التجريح. أما الصحيفة التي نشرت الصور فلم تعتذر لخرقها قوانين البلاد أو لدَوسها على دساتيرها، وإنما اعتذرت لquot;جرحها لمشاعر المسلمينquot;، كما جاء على لسان القائمين على إدارتها. لهذا سقطت القضية التي رفعتها الجالية المسلمة في الدانمارك، آنذاك، من قبل المدعي العام قبل وصولها إلى المحكمة، لأنه وجدها بلا أساس قانوني.
فما يسمح به القانون في الدانمارك، أو أي مكان غربي حرّ آخر، بنشر صور كاريكاتورية عن quot;وجهquot; النبي quot;زيدquot;، يسمح بذات القدر، بنشر صورٍ كاريكاتورية أخرى، تترجم وجه النبي quot;عبيدquot;.

والسبب بسيط، وهو لأن الحرية هناك، أكبر من كل دين. ولأن الدين ليس بدولة، كما أن ليس للدولة أيّ دين.

ولكن الدين في الشرق، ليس ديناً للعبور إلى الله وسمواته فحسب، وإنما هو دين للعبور إلى الدولة أيضاً. فالدين في الشرق، هو الدولة، والدولة هي الدين.
فحدود الدولة ومواطنيها، في الشرق المسلم هي الجامع. وحدود الخلَف هي السلَف، مثلما حدود الحاضر والمستقبل هي غيتو الماضي.

أما الغريب في أمر هذا البعض العاشق للموت في القديم، والمؤمنين بquot;خروجهم المؤمنquot; على الفرح، فهو أنهم يذهبون إلى quot;القتل المقدسquot; المحمول على ظهر quot;شهادة مقدسةquot;، وكأن في حوزتهم quot;تصريحاً من اللهquot;، يصنفون به العالم كما يشاؤون، إلى quot;أهل إيمانٍquot; وquot;أهل كفرquot;، أو quot;مؤمنٍ قاتل وquot;كافرٍ مقتولquot;.

لكأن هذا البعض الخارج على الجديد من كل فرح، وعلى الفرح من كل جديد، أراد أن يقول للعالم، بلسان الشاب الصومالي الصائم عن الفرح، في كوبنهاجن، قلب الغرب المشتعل بفرح 2010:
كل عامٍ وأنا أكرهكَ!
كل عامٍ وأنت تخافني!
كل عامٍ وأنا أقتل جديد زمانك!
كل عام وأنت ميتٌ!
كلّ عامٍ وأنا quot;شهيدٌ مفخخٌquot;!
كل عامٍ وأنت تتساقط كموتٍ!
كل عامٍ وأنا أمشي على جنازتك!
كل عامٍ وأنا جاهل وأنت مجهول!
كل عام وأنا quot;قاتلٌ مؤمنٌquot; وأنت quot;كافرٌ مقتولٌquot;!

[email protected]