إن كان من العسير أن تصف الجبال بشموخها وسموها، أو تصف المحيطات بعمقها واتساعها، فالأصعب أن تصف رجل مثل المهندس عدلي أبادير يوسف.. رجل يوهبه الله للبشرية كل عدة قرون حامل لصفات عديدة بها الكثير من المتناقضات ولكنها تسير في هارموني عجيب ففي شخصه العظيم تلك الصفات الحاملة الشجاعة، الإباء، الشموخ، الصدق، العطف، الحب، الشراسة بعد رؤية عميقة للأمور، الصراحة، الحزم، الخبرة النادرة في معرفة نفوس البشر... كلما اقتربت منه اكتشفت شيئاً جديداً فمع كل ثانية تتعلم وتتطور ليس بكلمات نظرية بل بأفعال عملية.

كنت محظوظاً حظاً وفيراً فقد لاصقت المهندس عدلي مدة طويلة تابعت معه يومياً حتى الرابعة صباحاً إتصالاته بالقارات الخمس أثناء عقد الخمس مؤتمرات العالمية، عرفت منه المثابرة على تحمل الآخرين، وعناد وكبرياء آخرين، والتغاضي عن عيوب الكثيرين.. لأجل هدف أسمى وهو القضية القبطية لرفع الظلم عن أهل مصر، لقد أعطاني الرب إكليل جميل وهو بقائي مع أبي الروحي إلى أن صعدت روحه الطاهرة للسماء لتستقر في أحضان آبائنا القديسين الأبرار.

تميزت حياة المهندس عدلي بأعمال عظيمة وهي:

مؤتمر زيورخ الذي تم عقده في سبتمبر 2004 بعنوان quot;مسيحيين تحت الحصارquot; برعاية منظمة التضامن المسيحي العالمي، ونال هجوم جميع الصحف المصرية وعدد من الصحف العربية حاول أثناءها النظام المصري تعطيل هذا المؤتمر، أو التدخل في القرارات النهائية وبواسطة عدد من العملاء ولكنه فشل وكانت بداية رفع القضية عالمياً استكمالاً لعمل المرحوم شوقي كراس وشركاء النضال.

نجح المؤتمر قبل إعداده... ويرجع الفضل للجيش الجرار من الصحف الصفراء والأمنية التي هاجمت المؤتمر ووصمته بمؤتمر صهيوني، ورفعت سيوف العمالة والتخوين على كل من شاركوا في المؤتمر وبالطبع من أعد المؤتمر.

بعد نجاح المؤتمر اعتقدت أننا سوف نستريح بعض الوقت إلا أن المهندس عدلي واصل الاتصالات وكانت كلماته ترن في آذاني دائماً: (يجب علينا دائما تصدير الثورة للأقباط الخانعين ليطالبوا بحقوقهم)، وكان شعارة الدائم quot;Keep hotquot; فكان يعمل للرابعة صباحاً كل يوم سبعة أيام أسبوعياً على مدار العام.

لم يكتف المهندس عدلي بذلك بل عقد مؤتمر في واشنطن عام 2005 في شهر نوفمبر ونجح المؤتمر عالمياً كما شارك في المؤتمر نخبة من السياسيين، وحضره بعض رجال الكونجرس الأمريكي وشعار المهندس الدائم: (النجاح يغري بالنجاح(، فعمل أكثر وأكثر وأجهد جسده ودخل المستشفى عدة مرات وكان يجول المستشفى ليبحث عن مكتب لعمل الفاكسات هنا وهناك، وكان يبذل نفسه وكان دائماً يردد إنني أسابق الزمن لعلي أقوم بعمل شيء نافع لأقباط مصر الغلابة، وحينما تعرض لمضايقات من بعض الأقباط كان شعاره: (أنا أعمل ليس لهؤلاء بل للغلابة المطحونين في مصر).

امتداد الحب واتساع الكفاح... نظر بعيون ثاقبة وجد أن هناك أقليات مضطهدة كمثل الأقليات الشيعية، الآشوريين، القرآنيين، والاكراد، والسريان، الأرمن، اليزيديين، الصابئة والمندائيين.. واتسع حب المهندس عدلي فشمل جميع الأقليات ونظم لهم مؤتمر عالمياً في زيورخ شاركت أقليات العالم والمهمشين والمضطهدين فى منطقة الشرق الاوسط، فحملوا قضية الأقباط معهم أينما كانوا وانتشرت القضية القبطية مع المضطهدين وكسبنا العديد من الأخوة في العالم أجمع.

أخيراً هناك الكثير والكثير من رحلة كفاح المهندس عدلي عشتها معه يومياً، كما أنه مازالت توجد جميع التسجيلات التي سجلتها معه، بالإضافة للأحاديث الصحفية التي كنت بجانبه فيها لأتعلم من معلم جاد صادق أمين ضن بمثله الزمن.

كبير السن لأقباط المهجر

لم يسع المهندس عدلي للقب كبير أقباط المهجر أو أبو أقباط المهجر أو البابا العلماني.. ولكنه دائماً كان يؤكد: (أنا كبير السن للأقباط في المهجر)، وإنما سعت إليه الألقاب من الإخوة المسلمين قبل المسيحين، ونال عن جدارة لقب كبير أقباط المهجر والبابا العلماني وأبو الأقباط... بعد عمل شاق بذل فيه وقته وماله وحياته فقد حاول أن يتمثل بأبيه السماوي كأب للضعفاء، وحامي للمساكين.

أبي المحبوب الغالي مهندس عدلي أبادير يوسف:

كنت أميناَ في القليل وبذلت الكثير أدخل إلى فرح سيدك لتتنعم، وأسمعك ولسان حالك يقول:

أمضي وتبقى صورتي انظروا الدنيا الغرور

لا تنتظروا عودتي إلى دار المآسي والشرور

فقد ظللت بمنزلي في جيرة الله الغفور

حيث المسرة لم تزل تجلي المآسي من على الصدور

هنيئاً لك أبي الغالي.. فأنت شمس لن تغيب.. ستظل داخل قلوبنا.. ستظل تشعل فينا الحماس والحمية.. ولنحقق إرادتك quot;العيش الكريم لأقباط مصرquot; سنسير على دربك.. وستظل شمسك تضيء لنا الطريق حتى بحمية كحميتك.

[email protected]