أحداث مؤسيةٌ, ومؤسفة تلك التي شهدتها الحدود المصرية مع غزة، ونأمل أن يتفهم الطرفان أن ما حدث ليس لمصلحة أي منهما؛ فلا مصر تتمنى توترا مع غزة, أو حتى مع حماس التي تعد طرفا فلسطينيا لا يمكن تجاهله, ولا حماس تضع في أهدافها تحويل المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي إلى مصر, وقواتها الأمنية.

بداية التوتر في الأزمة الحالية كانت مع قافلة شريان الحياة, بسبب خلاف القائمين عليها مع القاهرة حول الطريق التي يجب أن تسلكه لإيصال المساعدات لغزة. ثم تأزم الموقف بعد دخولها الأراضي المصرية، بسبب قرار السلطات المصرية عدم السماح سوى لـ 139 مركبة فقط في القافلة بعبور القطاع عن طريق معبر رفح، من مجموع مركباتها البالغ نحو 200 مركبة.
على إثر ذلك دعت حماس أنصارها إلى التظاهر أمام بوابة صلاح الدين الفاصلة بين قطاع غزة ومصر ؛ فاندلعت المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن المصرية على جانبي الحدود.
الخلاف في جوهره سياسي، بالطبع, قبل الاعتبارات الأخرى, فالقاهرة طالما ربطت فتح معبر رفح بإنهاء الانقسام, وعودة السلطة, بقيادة محمود عباس إلى الإشراف عليه، وفق اتفاقية المعبر الموقعة في الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2005م بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل, وأوروبا طرفا ثالثا.
وبهذا الموقف المصري لا تقبل القاهرة غير السلطة الفلسطينية طرفا رسميا للتعامل، وتعلِّق فتح معبر رفح بالمصالحة بين فتح وحماس, أو بين حكومتي غزة ورام الله.
وحين أُعلن عن البدء ببناء الجدار على الحدود المصرية مع غزة تفاقم التوتر مع حماس؛ فوصفت هذا الجدار بجدار العار وحاولت تجييش الرأي العام ضده, فيما أصرت مصر على أن منشآتها تلك هي جزء من سيادتها, وتأتي حفاظا على أمنها؛ منعا من نشاطات تنظيمية معادية, أو من جرائم تهريب المخدرات.
واحتدم الجدل حول شرعية هذا الجدار بين محلل, ومحرِّم!
الصحيح أنه لا يجوز تعليق مصير مليون ونصف مليون إنسان في غزة، بتلك المجادلات السياسية التي قد تطول, كما لا يجوز الزج بالشعب الفلسطيني, أو جزء منه, في مواجهة مع قوات الأمن المصرية؛ لأن مثل هذه الأجواء الخطرة ستسمح بتسلل المندسين، أمنيا, وسياسيا, من أجل توظيف الأزمة, لتصفية حسابات مع مصر, والتأليب ضدها؛ على نحو انتقائي, ولأغراض, ومآرب خاصة. كما تسمح تلك المواجهات باندساس المخربين والعملاء في صفوف المتظاهرين للنيل من عناصر الأمن المصريين؛ ما يؤجج المشاعر, وينذر بالعداوة بين الشعب الفلسطيني, والشعب المصري، المساند للقضية الفلسطينية, والمتوحد مع آلام الفلسطينيين, وآمالهم؛ فضلا عن كون هذه المواجهة في غير مكانها أصلا, ومهما اختلفنا سياسيا لا ينبغي أن يسمح بتطور الخلاف إلى المواجهات, والاعتداءات, غير المبررة, ولا البريئة.
من الناحية السياسية هذه الفترة يمكن أن تضع العلاقة بين حماس والحكومة المصرية على المحك, ولا يستبعد أن تتجه نحو مزيد من التوتر، ما دامت مصر ماضية في بناء الجدار, وحكومة غزة, أو حركة حماس ماضية في عرقلة المصالحة, برفض التوقيع على الورقة المصرية.
في هذه الأثناء تستطيع إسرائيل اللعب على هذه التناقضات الفلسطينية الفلسطينية, و تخويف السلطة من العدول عنها إلى حماس, للتوصل إلى حلول مؤقتة؛ ما يضعف من موقف السلطة، وقد يدعوها ذلك إلى مزيد من التنازلات, أو التخلي عن بعض الاستحقاقات, كوقف الاستيطان, مثلا, وقفا شاملا وتاما؛ قبل استئناف المفاوضات؛ خوفا من أن تملأ حماس الفراغ السياسي في الضفة, في حال استمر الانسداد في أفق التفاوض, ورغبت إسرائيل في تدعيم موقف حماس, أو غيرها من المنظمات غير الراضية عن نهج عباس المقتصر على التفاوض.
وثمة مؤشرات على ذلك؛ إذ ما زال الاحتلال يعيق إنهاء ملف المطاردين؛ ما قد يدفعهم إلى استئناف عملياتهم العسكرية, وفي ذلك تهديد للسلطة ومنجزاتها الأمنية, وتخريب لجهودها في عزل إسرائيل, دوليا, وفي استئناف النشاطات العسكرية تغيير لطبيعة المواجهة إلى شكل تتفوق فيه إسرائيل, وقد تنجح في تغيير صورتها عالميا, من دولة محتلة إلى دولة تدافع عن أمنها.
وما دام العرب والفلسطينيون على هذه الحالة من التباين في الاتجاهات فإن محصلة قواهم تساوي صفرا, وما دام منطق بعض الجهات الفلسطينية قابعا في ازدواجية مقيتة, من القبول والرفض, والتفاوض, والممانعة, والميل نحو المحور الإيراني وأجنداته, تارة, والمحور العربي وتوجهاته المناقضة تارة أخرى؛ فإنه من الصعب أن تعرف الأوضاع الفلسطينية استقرارا, أو حتى وضوحا.
[email protected]