أهم ما جاء في تصريح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة تقصي الحقائق في كارثة سيول جدة خلال جولته الأخيرة لمناطق الكارثة،إضافة إلي تأكيده بأن اللجنة المشكلة بأمر ملكي مستمرة في استدعاء وتوقيف كل من يثبت أنه تسبب في الكارثة، وبأنها ستفتح ملفات الفساد القديمة في إشارة إلى كل عمل غير مشروع سبق كارثة جدة، كان تحذيره من أن أي عبث بالأراضي الحكومية ستتم مواجهته بحسم.

وهناك عدد من النقاط التي يمكن ان نستخلصها من تصريح الأمير خالد الفيصل تلقي الضوء علي مسيرة التحقيق في الكارثة التي راح ضحيتها ما يزيد عن 120 قتيل.
تأكيد سموه بأن اللجنة ستفتح ملفات الفساد القديمة في إشارة إلى كل عمل غير مشروع سبق كارثة جدة، وهو ما يعني عدم إستثاء كائن من كان- جهاتاً وأشخاصاً ndash; من التحقيقات التي تجريها اللجنة والتي طالت حتي الآن عشرات الأشخاص الذين تم استدعائهم والتحقيق معهم من قبل اللجنة.

التزام اللجنة بمنطوق الأمر السامي لتحديد المسؤولين الحقيقيين عن الكارثة ndash; quot;ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة بهquot;.


أن هناك خطة عمل متكاملة تجري دراستها حالياً تشمل تنفيذ مشاريع الصرف الصحي و تصريف مياه السيول مع إعادة تخطيط عدد من الأحياء في جدة.

أن الهدف النهائي الذي يسعي إليه خادم الحرمين الشريفين، كما جاء في نص البيان السامي الذي أمر خلاله بإنشاء لجنة للتحقيق في كارثة جدة هو الوصول إلي الحقائق وإعلانها للناس إبراء للذمة، وquot;صدقاً مع الله قبل كل شيء، ثم تقريراً للواجب الشرعي والنظامي، وتحمل تبعاتهquot;. ومهما كانت نتائج التحقيقات التي ستخرج عن لجنة التحقيق والتي نتوقع أن تضع حداً لاستشراء الفساد والمفسدين. ولقد استشعرت في مقال قديم منذ أكثر من سنة بعض المبالغات في قيمة مشاريع تُنفذ علي قدم وساق هنا وهناك في مناطق المملكة، خاصة وأنها تنتهي بإعادة quot;بيعهاquot; أو quot;تقبيلهاquot; من الداخل مرة أخري، وأحيانا عدة مرات، بسعر أقل؟! وهو ما يعني أن قيمة المشروع مُبالغ فيها، وأنه كان يمكن أن يُنفذ بها أكثر من مشروع إضافي. كما تساءلت في مقال آخر نشرته في موقع منبر الحوار والإبداع بعنوان quot;أين المصلحة؟quot; (الخميس، 19 فبراير، 2009) عن الدوافع quot;التي تحكم عملية تنفيذ المشاريع الحكومية، هل هي الجدوى الاقتصادية لإقامة المشروع، أم الحاجة الفعلية للمشروع بغض النظر عن جدواه، أم مجرد رغبة المسؤول المباشر في أن يري فكرة طرأت علي باله قيد التنفيذ دون أن يهتم بغير ذلك من التفاصيل؟!quot;

أننا كثير ما نري مشاريع هامة وحيوية يتحدث الخبراء والمختصون عن أهميتها وضرورتها وفائدتها، ثم نفاجئ بأنها تأخذ وقتاً طويلاً بين الدراسة والبحث والتقصي.. لينتهي الأمر بركنها علي الرف وتنفيذ مشاريع أخري أقل أهمية وتأثير وذلك علي وجه السرعة دون تقصي أو دراسة مع تشكيك كثير من الخبراء والمختصون بجدواها أو أهميتها، رغم أنها قد تكلف البلايين من الريالات.. ثم يتم إزالتها بتكلفة أخري لا تقل عن تكاليف إنشاؤها؟! ولقد ضربت في هذا الخصوص مثلا بارزاً لمثل هذه المشاريع بمشروع تصريف السيول السطحية بعرفات التي أكد وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية الدكتور حبيب زين العابدين حينها عن نية وزارته علي تنفيذها في عرفات ودراسة إنشاء خيام متعددة بمني بتكلفة تزيد عن المليار ريال سعودي رغم الخلاف حول مدي عمليتها أو أهميتها أو الحاجة إليها إلي درجة وصفها بـ quot;الطامة الكبري والمعضلة العظميquot; في الوقت الذي تحتاج فيه مناطق أخري لتلك البلايين المُهدرة لتنفيذ مشاريع أكثر حيوية؟! وهو ما دفعني إلي مناشدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آملاً صدور أمره الكريم بالتمهل في تنفيذ هذا المشروع حتى يتم الرجوع فيه إلي آراء ذوي الرأي والحكمة والاختصاص.

وأخيراً أري أن انتهاء لجنة التحقيق في كارثة جدة في الوصول إلي المتسببين في الكارثة لا ينبغي أن يكون نهاية المطاف في عمل اللجنة التي يجب أن تكون منطلق لفكر جديد تعاد فيه دراسة كافة الأنظمة الإدارية والمالية والرقابية الحكومية وهو أمر يجب أن يضطلع به مجلس الشورى الذي أعطي الحق بأن يدرس الأنظمة ويقترح ما يراه من أنظمة جديدة. وكارثة جدة تضع علي مجلس الشورى مزيدا من الضعوط لتحمل مسؤولياته التشريعية الكاملة والمماثلة للمجالس المشابهة، على وجه يؤكد أن مجلس الشورى هو السلطة التنظيمية (التشريعية) في البلاد.

يبقي لي التعليق أخيراً علي عبارة وردت في تصريح سمو أمير منطقة مكة وهي تحذيره من أن أي عبث بالأراضي الحكومية ستتم مواجهته بحسم.فهذا التصريح وإن كان يؤكد علي الحزم تجاه عمليات الإستيلاء علي الأراضي الحكومية فإنه لا يُعالج ما تم الإستيلاء عليه بالفعل من ملايين الأمتار من الأراضي والتي نري أنها كانت أحد أهم الأسباب في إتجاه كثير من المواطنين للبناء بعيداً عن العمار وفي ما يُسمي بالعشوائيات لعجزهم عن تأمين أراض قريبة تصلها الخدمات رغم توفر كثير من تلك الأراضي داخل المدن، وأحيانا في قلب الأحياء الرئيسة فيها، ربما دون أن يعرف مالكيها حيازتهم لها؟! لذا يجب أن يفتح أيضً ملف الاستيلاء علي الأراضي الحكومية حتي تستعيد الدولة حقها الكامل، وهو ما يستوجب أيضاً إعادة النظر في نظام منح أراضي الدولة يتوخي فيه العدالة ما بين المواطنين جميعاً.

ولا ننسي في هذا الخصوص كلمات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتوالية في التشديد علي تلمس احتياجات المواطنين والتصدي لأي مشكلة تواجههم، ففي أول كلمة له حفظه الله إلي شعبه عقب مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية عاهد الله ثم شعبه: [[أن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة ثم أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا علي بالنصح والدعاء.]] وفي خطابه في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى شدد خادم الحرمين حفظه الله علي تلمس احتياجات المواطنين والتصدي لأي مشكلة تواجههم، فقال مخاطبا أعضاء مجلس الشورى : [[إن حكومتكم - حين ترسم سياساتها وتضع برامجها - تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة، وتلمس احتياجات المواطنين والتصدي لأي مشكلة أو ظاهرة تبرز في المجتمع السعودي....]]

وأستطيع الاستمرار في سرد الكثير من تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز علي نفس هذا المنوال لكنني سأكتفي بهذا وأتساءل: هل تكون كارثة جدة المدخل إلي نهج جديد في التعامل مع كافة مشكلاتنا وقضايانا وفي تسريع وتيرة الإصلاح التي جعلها الملك عبدالله عنوانا لحكمه؟

كاتب وإعلامي سعودي