1.
في الموقع الرسمي لإحدى الكنائس الإنجيلية المشيخية (بروتستانتية) الكبرى في القاهرة عاصمة مِصر، عَبَرَتْ الكنيسة وراعيها القس الدكتور عن quot;فرحتها العميقة تجاه هذا الحدث العظيمquot; هذا ما ذكرته في الموقع، أي ظهور العذراء مريم فوق قباب كنيسة العذراء بالوراق.

2.
سألت في المقالة السابقة لي عن ما هي البركات التي حَلَتْ بمِصر المحروسة نتيجة ظهور العذراء على قباب بعض كنائسها الأرثوذكسية؟

وقلت:اعتقد أن البركة الوحيدة هي زيادة تسلط بعض رجال الدين مِن خلال زيادة الأموال المتدفقة على مثل هذه الكنائس.
وسألت كيف نرى الفساد المستشري والمحيط بمثل هذه الكنائس وكأنه نور البدر حلّ علينا؟
وإذا كان أبرز رجال الدين الأرثوذكس
المصريين يعتبون على الكثيرين مِن البروتستانت المصريين بأنهم لا يُكرّمُون العذراء مريم حين لا يعترفون بظهورها المتكرر، فإنني في نهاية المقال وعدت بتناول خرافات بروتستانتية أخرى غير هذه الظهورات، إلا أنْ ما وقع تحت يدي مِن خرافات بروتستانتية مصرية تتعلق بظهور العذراء أثار لديّ هذه الأفكار حول ما أعلنته أكبر كنيسة إنجيلية مشيخية بروتستانتية وراعيها حضرة القس الدكتور الموقر.

3.
وفي تتابع غير سار، وما يؤكدّ هذه الفكرة غير العلمية وغير العقلانية أن قداسة البابا راعي الرعاة الأرثوذكس المصريين شكر هذا القس الدكتور الإنجيلي البروتستانتي على هذه الفرحة العميقة بهذا الظهور العظيم في عظة الأربعاء 23/12/2009 بالكاتدرائية المرقسية والتي تذاع على ملء الأسماع والأبصار للعالم أجمع.

فهل يتفق كلاهما مع نص الإنجيل المقدس؟ وكيف يقود ذلك كثير مِن الشعب إلى التغييب وسذاجة التفكير وخرافته؟ مما يزيد مِن سرعة انحدارالتابعين لهم إلى مستنقع التفكير الخرافي وانهيار قيمة الإنسان وحقه في مجتمعٍ راقٍ يُبنى على التفكير العلمي ليزدهر ويتقدم أخلاقياً وعلمياً واجتماعياً.

middot; أولاً: ما هو إعلان الله للأمم؟

لم يكن إبراهيم أبو الأنبياء هو أول البشر، ولم يكن أولاده المنتشرين الآن في شتى بقاع الأرض هم كل ما كان في هذا العالم على اتساعه حين ذاك مِن قديم الزمان. بدأت قصة سفر التكوين في العهد القديم وتمحورت حول بني إبراهيم. كان بنو إبراهيم يعيشون في الشرق الأوسط، لكن في المقابل الجغرافي وفي السابق لهم كانت هناك أمم أخرى غير أمة أبناء إبراهيم.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: ما هي صورة quot;الإلهquot; عند هذه الأمم السابقة لإبراهيم؟ وما هي صورة quot;الإلهquot; للأمم الموازية جغرافياً لأمة بني إبراهيم؟
نعم، فحاشا لله أن يكون عنصرياً حتى يتعامل فقط مع بني إسرائيل دون بقية شعوب الأرض. حاشا لله أن يترك بقية شعوب الأرض دون أنْ يعلن ذاته العظمى لهذه الشعوب الغفيرة على مدى دورات العصور المختلفة.

وهكذا كان الإعلان الإلهي للأمم ولبني إبراهيم على مدار العصور المختلفة.
هذه المعلومات المبسطة هي مِن أولى مبادئ العقيدة المسيحية.

middot; ثانياً: ماذا عن السيد المسيح كإعلان الله؟

يذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الإنجيل الشريف عن السيد المسيح كإعلان الله في الأيام الأخيرة، أي وقت مجيئه إلى العالم، قائلاً: quot;الله، بعد مَا كلّم الآباء بالأنبياء قديماً، بأنواعٍ وطرقٍ كثيرةٍ، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابْنهِ....quot; انظر عبرانيين في العهد الجديد أصحاح 1.

يا سادة يا كرام، هكذا يعلن لنا الإنجيل الشريف أن الإعلان الأقوى هو في شخص السيد المسيح كلمة الله. فهل بعد ذلك يخبرنا القس الدكتور بفرحه العميق لهذا الحدث العظيم وهو أنْ ظهور هذه الأطياف النورانية للعذراء مريم فوق قبة كنيسة العذراء هو إعلان لا يتعارض مع طرق الله التي أعلنها لنا في الكتاب المقدس. أي كتاب هذا الذي يتحدث عنه جناب القس؟ وأي إعلان هذا لا يتعارض مع طرق الله؟

ويؤكد بولس رسول المسيح في رسالته إلى أهل غلاطية (أصحاح 4): لما جاء ملء الزمان، أرسل الله الإنسان يسوع المسيح إلى عالمنا ليكون هو إعلان الله لبني إسرائيل الكامل الذي ينتظرونه مَلِكاً روحياً مُتوجاً على القلوب وليس مَلِكاً أرضياً كما كانوا يظنون، هذا هو الإيمان المسيحي فيما يخص إعلان الله في شخص السيد المسيح الذي هو بهاء الله ومجده لهذا الزمان.

middot; ثالثاً: ماذا عن دستور الكنيسة الإنجيلية الخاص بالإعلان الإلهي؟

1. دستور الكنيسة الإنجيلية، والمسمى سابقاً: إقرار الإيمان للكنيسة المشيخية المتحدة (مطبوع بمطبعة المحيط 1931)، يذكر الآتي:
quot;نؤمن بأن أعمال الطبيعة وعقل الإنسان وقلبه وتاريخ الأمم هي مصادر لمعرفة الله ومشيئته ولو أنها لا تفي بحاجة البشر. وأنه قد أعطى إعلان أوضح عن يد أناس تكلموا مِن قِبلْ الله مَسوقين بالروح القدس. وأنه في ملء الزمان أعلن الله ذاته إعلانا تاما في يسوع المسيح الكلمة المتجسدquot;.

هذا هو النص كما جاء في دستور الكنيسة الإنجيلية المطبوع، كما قلت عام 1931، ونفس هذا النص نشر في إقرار الإيمان الإنجيلي بواسطة الكنيسة الإنجيلية بالفجالة تحت رعاية الراحل القس أمير جيد أول مارس 1973 بدون أي إضافات أو تعديلات.

2. ولكن ماذا يقول إقرار الإيمان الإنجيلي للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر والصادر عن quot;مجلس العمل الرعوي والكرازي التابع لسنودس النيل الإنجيلي عام 2007؟؟؟
نفس الكلمات تقريباً التي ذُكِرَتْ سابقاً في إقرار الإيمان للكنيسة المشيخية المتحدة، مع إضافة فقرة هامة هي:
quot;ولا زال الله يعلن نفسه بصورة متجددة لكل عصر ولكل جيل مِن خلال الكلمة المقدسة بعمل الروح القدسquot;.

ويضيف الدستور الجديد:
quot;ونؤمن أن الله وضع على عاتق المؤمنين به مسؤولية إعلان شخصه للعالم اليومquot;.
3. وبِنَاء على ذلك:
أين موقع الهالات الضوئية على قبب الكنائس الأرثوذكسية والتي يتهيأ للبسطاء أنها العذراء مريم مِن كون هذا إعلان الله للكنيسة المصرية في العصر الحاضر؟؟

يا سادة يا كرام، أرى أنْ ما يزيد الطين quot;بلةquot; أن القس الدكتور في فرحته العميقة بهذا الظهور العظيم يشكر الله ويصلي لكي يستمر الله في الإعلان عن نفسه في كل كنيسة في بلادنا العزيزة.

4. ألا تتذكرون معي المَثَل الذي كتبه لوقا تلميذ المسيح في الإنجيل الشريف عن الغني الذي مات قبل إخوته؟
فحين طلب الغني بعد موته ووجوده في الهاوية مِن إبراهيم أبو الأنبياء أن يُرسل أحد الأنبياء إلى إخوته فقال له إبراهيم مِن مكانه في الفردوس، وهي قصة رمزية للشرح: quot;عندهم موسى والأنبياءquot;. أي عندهم كتب العهد القديم.

نعم، هي اتهام ضمني لليهود قديماً الذين لم يؤمنوا بالسيد المسيح لعدم فهمهم، رغم أن لديهم كتب الأنبياء.

إلى متى نطلب قيامة موتى للشهادة لمحيي الروح؟ وإلى متى نظل نطلب أنبياء قائمين باستمرار وسطنا؟
وإلا فإنني أرى أننا نحتاج إلى أنبياء ومُظهرين جدد في هذا العصر الحديث لمَن يُظهر نور ومجد وبهاء الله مِن جديد.


middot; رابعاً: ماذا عن الإعلان الإلهي بعد السيد المسيح؟

وعليه فكونْ القس الدكتور يفرح بعمق لحدث ظهور العذراء العظيم، فلماذا لا يكون هناك تواجد ومجيئ وظهور لأنبياء مُرسلين للعالم بعد السيد المسيح؟ ويكون هذا أيضاً ظهور عظيم لا يتعارض مع طرق الله التي أعلنها في الكتاب المقدس، كما يشرحها كثير مِن المفسرين؟

الإنجيل الشريف كتاب الحياة لم يتنبأ صراحة عن شخصية العذراء مريم أنها ستظهر في سماء القاهرة كإعلان إلهي في بدايات القرن الحادي والعشرين وخاصة بعد موت جسدها بمئات السنين.
ألست معي؟؟؟
وعليه فلم يُذكر كذلك صراحة بالنص هكذا أنْ أي مِن الأنبياء بعد السيد المسيح هو إعلان الله للعالم بعد ذلك، ألا يُعتبر هذا منطقاً عقلانياً للمفهوم الحديث لإعلان الله المتجدد لنوره ومجده؟

middot; خامساً: ما معنى اللاهوت المبني على الآية الواحدة؟
يبني هذا القس الدكتور لاهوته الكتابي هذا على آية واحدة مُقتطعة مِن نص وفي غير قرينتها وهي قيامة أجساد القديسين الراقدين وخروجهم مِن القبور بعد قيامة السيد المسيح، بل ودخولهم المدينة المقدسة، وكذلك ظهورهم لكثيرين، هذا النص الذي ذكره ورد في إنجيل متى وإصحاح 27 والآيتين 52 و53.
والسؤال المنطقي العقلاني: أيهما أقوى وأهم وأبقى وأكثر جدوى قيامة مجموعة مِن الأجساد الميتة ثم موتها مرة أخرى، أم قيامة آلاف وملايين مِن أرواح المؤمنين بالسيد المسيح على مدار ألفي عام؟؟

إلى متى نقف أمام التفسيرات المادية ونأخذ التابعين لنا في رحلة مِن رحلات الطفولة؟
فهكذا يحذرنا بولس رسول المسيح: كفاكم الاعتماد على اللبن كالأطفال، كلوا واشربوا مِن اللحم أي الغذاء العقلي كالكبار.
إذا استمر المفسر أو الشارح في وضع مثل هذه التأويلات المبنية على آية واحدة والنظر إليها بعين مادية، فكم يساوي الشعب السامع والتابعين له؟ وكم يعاني أتباعه فيما بعد؟؟

middot; سادساً: أين مجلس الكنيسة؟
أين دور بقية مجلس أكبر كنيسة إنجيلية مشيخية بروتستانتية مصرية الذي كُتب باسمها هذا الإعلان اللاهوتي؟
مِن حق أي إنسان أن يُعبر عن مكنوناته وعن رأيه الشخصي. لكن ليس مِن حق أي قائد أن يكتب باسم جماعته وخاصة أن هذا موقع رسمي للكنيسة. أم أن هذا رأي هذه الكنيسة الإنجيلية بشيوخها وبقية قساوستها وشمامستها؟ وهل هذا هو التعليم الصحيح الذي تنادي به؟ أم أن هذا مجرد امتداد جلسات القبلات ودغدغة مشاعر البسطاء الأرثوذكس؟؟؟؟

middot; سابعاً: مطلوب الفحص اللاهوتي.
بناء على ما تقدم، وحتى لا نُخدع بمزيد مِن التفكير الخرافي أطالب بلجان لاهوتية جادة لإعادة فحص ودراسة الفكر اللاهوتي لهذا القس الدكتور، وذلك بناء على إقرار الإيمان الإنجيلي للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر.


[email protected]