الحؤول دون انفجار النزاع حول كردستان في منظار المصالح الأميركيّة في المنطقة

يعرض تقريرquot; الحؤول دون انفجار النزاع حول كردستان quot; الصادر مؤخّراً عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي الأمريكية - مؤسّسة أبحاث خاصة - (باللغتين الإنكليزية والعربية، وهو متاح على موقع المؤسّسة الالكترونيّ) يعرض قراءةً إجماليّة مختصرة وجملة مقترحات لما ينبغي أن تكون عليه الرؤية والسياسة الأميركيتان حيال احتمالات تطوّرات المسألة الكرديّة في الإقليم بناءً على التغييرات الجيوسياسية بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين 2003؛ وما أعقب ذلك من صعود التطلّعات القومية الكردية في البلدان الأربعة المعنيّة أساساً (العراق وتركيا وإيران وسوريا) ؛ وكذلك من تفاعلات السياسات الإقليميّة للدول المُشارة في الوضع الداخليّ العراقيّ والعلاقات الكورديّة - العربيّة فيه، ودائماً من منظور صيانة المصالح الأميركيّة في المنطقة مع انزياح كبير للمصلحة التركيّة المفترضة في إدارة الملف الكرديّ بطريقة جديدة إنْ في حدودها أو على مستوى الإقليم quot;ذاك أن استقرار تركيا طويل الأمد مصلحة أميركيّة ثابتةquot; كما يقول المؤلِّف ويؤكِّد التقرير مراراً. اللاّفت في هذا التقرير، البالغ 71 صفحة بالعربيّة و الذي نعرض له هنا خلاصة مقتضبة للنقاط الأساسيّة الواردة فيه دونما تدخّل، هو النّظر إلى المسألة الكرديّة من اعتبارات مقياس واحد هو الاستقرار في المنطقة والمصلحة الأميركية و التركيّة كيفما كانت، ودون ذلك بكثير تأتي رغبات ومصالح الطرف المعنيّ(الحقوق القوميّة الكرديّة)، كما تحاشي التّنويه إلى دور السياسات الأميركيّة(والأوربيّة) المتعاقبة في ديمومة الأنظمة الديكتاتوريّة والفاشيّة في المنطقة تلك التي أنزَلت الكوارث بالشعب الكرديّ وبلاده والتي يُكتب عن بعض جوانبها هنا ببرودة دم، غير مفاجئة على أيّة حال. هذا بصرف النظر عن المهنيّة الواضحة والكفاءة البحثيّة العالية لدى مؤلّف التقرير، هنري ج. باركي، الباحث والأستاذ الجامعي.


يرى التقرير أنّ على واشنطن الاهتمام بالأبعاد العديدة للمسألة الكرديّة لتلافي نشوب نزاعات في المنطقة الكرديّة تبعاً لثلاثة أسباب مُحتملَة مترابطة يمكن أنْ تشكّل متاعب جمّة لواشنطن. الأوّل يتعلّق بالعلاقات بين الحكومة الإقليميّة الكردستانيّة والحكومة المركزيّة ببغداد والنزاع حول كركوك بشكل خاص؛ فعدم الاستقرار السياسيّ والعنف أو الحرب الأهليّة الشاملة سوف تؤثّر على خطط سحب القوات الأمريكيّة وسيكون لها نتائج كارثيّة على المصالح الأمريكيّة. الثاني يتعلّق بتركيا والمشكلة الكردية ضمن حدودها وكذلك الحساسيّة التركيّة المتفاقمة من النجاحات الكردية في العراق بوصفها أخطاراً تهدّد وحدة أراضيها. وتركيا إذ تنغلق على نفسها بسبب عدم قدرتها على حل quot;التحدي الكردي المحليquot; سلميّاً، وتالياً لن تكون قادرة في الغالب على لعب دور بناء في الشرق الأوسط أو النجاح في الانضمام للاتحاد الأوربي. المصدر الثالث المحتمل للنزاع هو ردود فعل الأكراد الإيرانييّن والسوريّين على التطوّرات عند جيرانهم حيث قُرعت أجراس الإنذار لدى نظامَي البلدين بسبب التعبئة الكردية المتزايدة و(أعمال العنف) في سوريا وإيران.
.....كانت اتفاقية سايكس- بيكو (1916م) وما أسفرت عنها من تقسيم للإمبراطورية العثمانية بمثابة كارثة للأكراد. فعدا عن توزّعهم على جانبي الحدود الدولية بين الدولة العثمانية وإيران، فرضت القوى الاستعمارية دولتين أخريين على الأكراد هما العراق وسوريا. وهكذا تبخّرت بسرعة آمال الأكراد بأن توفّر النقاط الأربعة عشرة للرئيس ولسون الاعتراف بهم كأمّة حالما تحوّلت معاهدة سيفر، التي وعدتهم بحكم ذاتيّ في شرق الأناضول، إلى كمٍّ مُهمَل على يد كمال أتاتورك والقوميّين الأتراك الذين نجحوا في شن حرب أسفرت عن ولادة جمهورية تركيا الحديثة. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعدها تعرّضت الهويّة الكرديّة إلى ضغط شديد في كل الدول الأربع. ففي كل الحالات تقريباً قطن الأكراد أطراف هذه الدول؛ وبالتالي حينما كانوا يثيرون مشكلة ما على شاكلة تحرّك سياسي أو عنف كان ذلك يحدث في مناطق نائية نسبياً وبعيدة عن المراكز السكنيّة المهمّة وبالتأكيد بعيدة عن عواصم هذه البلدان.


بعد هذا العرض الموجز لخلفيّات وسياق المسألة الكردية في المنطقة ينتقل التقرير إلى لمحة عن الأكراد في كل بلد على حدة. ويجادل التقرير بأنّ القضايا الكردية في العراق وتركيا وإيران وسوريا مترابطة بشكل لا فصام فيه. لذا على واشنطن أن تطوّر مقاربة شاملة تعترف، وإن أمكن، تقوّي، هذه الروابط لتحقيق أهداف سياستها. هذا لا يعني أنه لا يمكن حلّ كل أوجه المسألة الكرديّة المتعدّدة إلاّ في آن على طريقة الانفجار العظيم quot;big bangquot;، بل يعني أن على واشنطن أن تكون حسّاسة إزاء الكيفيّة التي يمكن فيها للتقدم المحتمل ndash; وأيضاً للنكسات- في مجال معيّن أن يؤثّرا على الحركة في مجالات أخرى.


فيما يخصّ القضايا الكردية فإنّ الولايات المتحدة تواجه خمسة أخطار وأهداف سياسيّة كبرى نعرض محاورها الأساسيّة:
1-إنشاء كيانٍ فيدراليّ ديمقراطيّ مستقرّ وشرعيّ في شمال العراق والمحافظة على وحدة أراضي العراق التي تتوقف على قدرته على دمج سكانه الأكراد في إطار فيدراليّ ناجح. بيد أن الفيدرالية مفهوم غريب في الشرق الأوسط حيث تدار الأنظمة غالباً من قبل مركز سلطويّ قوي وتبقى الفيدرالية مرفوضة من قبل قوى عديدة داخل العراق و في جواره.
2-حل قضية كركوك سلميّاً؛ حيث كركوك أساسيّة بالنسبة إلى المصالح الأمريكية في العراق، لكن ما يجعل قضية هذه المدينة صعب المنال هو هذا الخليط من الكراهية المديدة (التي جرى تعميقها عمداً خلال حكم صدام القاسي) والانقسامات العرقيّة واحتياطات النفط الكبيرة والتدخّل الخارجي(التركيّ تحديداً وأساساً).


3- تطوير علاقة فاعلة بين تركيا والحكومة الإقليميّة لكردستان نظراً لكون الاثنين حليفين وثيقين للولايات المتحدة كما أن واشنطن وأنقرة تتقاسمان أهدافا مشابهة في العراق؛ فكلاهما، بحسب المؤلّف، يرغب في رؤية بلد موحّد و مزدهر وديمقراطيّ قدر الإمكان وقادر على الوقوف في وجه إيران وعلى المدى الطويل يمكن لمحور أنقرة - بغداد أن يعمل كقوّة توازن ضد إيران لتوفير الاستقرار لمنطقة الخليج. بيد أن بلورة هذا المحور تتطلب من الأتراك أن يمرّوا أولاً عبر العاصمة الكردية أربيل.


4- الضغط من أجل حل سلميّ للمسألة الكرديّة-التركيّة المحليّة. فما من قضية أبعدت تركيا عن الولايات المتحدة مثل مستقبل كردستان العراق. والمشكلة الكرديّة زعزعت الأمن التركيّ وأعاقت السياسة الداخلية والخارجية التركية على مدى عقود ويمكن لاستمرارها أن يثير مزيداً من العنف ويفرّخ مجموعات quot;إرهابيّةquot; أخرى. استعصاء القضيّة الكرديّة دفع الحكومة التركيّة إلى اعتماد إجراءات quot;غير ديمقراطيةquot;.


بيد أنّه- يضيف المؤلّف بحقّ- من الناحية الواقعيّة تعتبر قدرة واشنطن على التأثير المباشر على السياسات الداخلية التركية محدودة، خاصة وأنّ الهيئات السياسيّة شديدة الاحتراس تجاه التدخّل الخارجيّ. إضافة إلى أنّها ترمق الولايات المتحدة بعين الشكّ. مع ذلك وقفت الولايات المتحدة بقوّة إلى جانب تركيا ضد حزب العمال الكردستانيّ وأقدمت في العام 1999 على تسليم زعيم الحزب عبدالله أوجلان إلى الأتراك.


في هذا الصدد يطالب التقرير في التوصيات الختاميّة لصانِعي السياسة الأميركية بما يسميّه quot; تسريح حزب العمال الكردستانيquot;. وهي عبارة عن مقاربة سياسيّة وعسكريّة موحّدة ومنسّقة من قبل الأطراف الثلاثة مجتمعة(الولايات المتحدة والحكومة الإقليمية لكردستان وتركيا).والهدف هنا هو زيادة الضغط على حزب العمال الكردستانيّ في اتجاهات مختلفة. تتطلّب عملية تسريح الحزب بالقوّة تخطيطاً دقيقاً وتنسيقاً بين الأطراف الثلاثة. ويشكّل تحسّن العلاقات بين أنقرة والحكومة الإقليميّة لكردستان الخطوة الأولى. والخطوة الثانية تتمثّل في أنْ يعيد الأتراك إصدار قانون عفو عام يوفّر خريطة طريق لمقاتلي الحزب للعودة إلى تركيا من دون خوف من المضايقة أو البقاء في شمال العراق والانضمام إلى البشمركة. أما الخطوة الثالثة فهي تتمثّل في قيام الأكراد العراقيّين والسلطات العسكرية الأميركيّة بتوفير تطمينات لعناصر وقيادات حزب العمال الذين يتخلّون عن السلاح في شأن مستقبلهم. ويصوّر التقرير عملية quot;التسريحquot; المقترحة على نحو مشهديّ كالتالي: ينبغي على مسلّحي حزب العمال أنْ يتخلّوا عن مواقعهم ويسلّموا معدّاتهم إلى الضباط الأميركيين تحت مراقبة نظرائهم الأتراك(سيكون حزب العمال أكثر من مستعدّ لتسليم أسلحته إذا علم أن الولايات المتحدة جزء من العملية) وبقدر ما تكون العملية مُعلَنة- منقولة تلفزيونياً مثلاً - بقدر ما يطمئن الجمهور التركيّ إلى أن ما يجري حقيقيّ.


5- تطوير مقاربات للقضايا الكرديّة في إيران وسوريا. لكن لضعف علاقة الولايات المتحدة بالطرفين فإنّها تواجه قيوداً حادّة حيال قدرتها على ممارسة التأثير. كما يجب ألاّ يُفسّر الدعم الأميركيّ لتحقيق وضع أفضل للأكراد في العراق وتركيا على أنّه تشجيع من واشنطن لإحياء حركة كرديّة عرقيّة أو دولة\ دول مستقلة. إنّ ظهور حركة كردية على مستوى المنطقة لن يلقى ترحيباً من واشنطن لذا على الإدارة الجديدة أن تشير إلى أنّها لا تشجّع لا سرّاً و لا علانيّة الأكراد السوريّين والإيرانيّين على التمرّد.


*كاتب كردي سوري.
[email protected]