حاولت في المقالة الأولى، أن أفند بعضا من دواعي مزاعميquot; بأن بؤرة الحدث العربي، ومنتجته هي السلطة، ذات الطابع المشخصنquot; ولم أتطرق إلى دور التراتبية الدولية في النمط الرأسمالي المعاصر، دورها في إنتاج هذه السلطة- الحدث. لأن هذا الموضوع لوحده موضوعا إشكاليا ويحتاج إلى كتب ومجلدات ربما، لأننا في مثل هذه الحالة، يجب ألا نكتفي بالعودة إلى تاريخية الخروح الاستعماري التقليدي من المنطقة، ولا إلى تاريخية نشوء الدولة الإسرائيلية، بل نحتاج إلى فتح ملفات الاستخبارات الغربية، وهذا محال بالطبع، حتى يتم الإفراج عنها. ولهذا سيبقى تحليلنا ناقصا مهما حاولنا الإحاطة بالموضوع.

سأكتفي فقط بتبيان بعض الخطوطquot;
- لم تنشأ سلطة عربية واحدة، بعيدا عن تفاعلات المجتمع الدولي- وتراتبية القوة فيه، وتفاعلها مع أية حركة في المنطقة، حتى ولو كانت انقلابا متهورا.
- دور النفط واستمرار تدفقه، بما يؤمن مصالح الغرب، والسلطات العربية معا.
- دور إسرائيل، في تفاعل القوى الدولية مع أحداث المنطقة، بما هو دور في المحصلة يعطي للمشروع الإسرائيلي الأولوية لاعتبارات كثيرة، نعتقد أنه كتب عن هذا الموضوع مئات الكتب.

- هنالك نقطة أيضا في هذه اللوحة، وتتعلق بقدرة السلطة العربية على استقلاليتها في السيطرة على الوضع الداخلي، وهي عالية جدا، وتمتلك مساحات كبيرة من المناورة في هذا الحقل الخطر أحيانا، وتتحسب دوما، لما يفعله الغرب مثلا ويريده. رغم تراتبية القوة هذه إلا أن السلطة العربية، لا تقبل شريكا لها في سيطرتها على مجتمعاتنا. لنلاحظ مثالاquot; أن هنالك اتفاق مبدئي لدى السلطات العربية، بعدم السماح للدول الغربية بمساندة أية معارضة عربية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يسمح مطلقا بتداول تسليم هذه السلطة، لدولة قانون وديمقراطية. لهذا عندما يعتقل في سورية نشطاء رأي وحقوقيين، ويقوم الاتحاد الأوروبي بتوجيه نقد للسلطة في سورية، السلطة تمسك بورقة هذا النقد، وترميها في أقرب سلة مهملات.

ثم لدينا مثالا لا زالت نتائجه تلهب عقول السلطات العربيةquot; المثال العراقي، بعد أكثر من عقد من الحصار العالمي، بقي الرئيس الراحل صدام حسين ممسكا بزمام البلد، ولم يستطع الغرب تغيير النظام، إلا بتدخل عسكري، واحتلال كامل للأراضي العراقية.

- إسرائيل لا تحتاج دولا طبيعية في محيطها. هذه معادلة ذات شجون، تبدأ باتهام النظم بالعمالة لإسرائيل، وتنتهي بممانعة هذه النظم، كالنظام السوري، ونحن لا نميل أبدا إلى التحليل الذي يتحدث عن عمالة أو ما شابه، ربما نتحدث عن تواطؤ مصالح، وربما عن سياقات سياسية دولية- إسرائيلية، تريد استمرار حالة الضعف والهشاشة الوطنية والدستورية في البلدان المحيطة بها، والسبب الأساسquot; أن إسرائيل غير جاهزة لحل للقضية الفلسطينية يرضي الفلسطينيين، رغم ما قدموه من تنازلات!
وهذه الأضاع غير الراسخة، والهشة واستمرار سلطات لا هم لها سوى الاستمرار على قمع وفساد، كل هذا وغيره يتيح للنخب الإسرائيلية قضم الأراضي الفلسطينية والجولان السوري، بالتقادم المفروض بحكم الأمر الواقع.

- إن المتابع لكل هذه الأحداث التي تدور في المنطقة، والذي يريد قراءة الأمور بحيادية نسبية، يجدquot; أن إنتاج الحدث التخريبي هو مساهمة سلطوية عربية بامتياز، بشكل رئيسيquot; لننظر إلى الساحة الفلسطينية والشقاق فيها، كمثال ناصع عن أفعال السلطة العربية. ومثال آخر ما يدور في اليمن الآن من أحداثquot; في محصلتها النهائية أليست نتاج سلطوي يمني؟ أحيانا نحن المتفائلون بمسألة الحرية والديمقراطية في المنطقة، نتوسم خيرا بأي تحديث قانوني أو سياسي في دول المنطقة، وهذا ما توقعناه في اليمن، ولكن النتائج جاءت متراجعة فأصبحت عائلة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تستولي على كل قطاع الجيش والأمن. بعض معارضة يمنية سلمية، وبعضا من أصدقاءنا اليمنيين، يتحدثون عن عملية توريث جارية لنجل الرئيس اليمني قائد الحرس الجمهوري! والغرب يعرف أكثر منا ما يدور في بلداننا، وأكثر من أي باحث ومفكر وكاتب عربي! ولكنه في المقابل يعرف هو ماذا يريد، ويعرف كل الأدوار التخريبية والفاسدة التي تقوم بها السلطة في المنطقة العربية.

- التنظيمات الإرهابية بدء بالقاعدة وانتهاء بالسلفيات الجهادية المنتشرة في بقاعنا، نجد أنها كلها على علاقة بهذه السلطة أو تلك، حسب الموقع والمصلحة والتجاذبات البينية بين السلطات العربية. القاعدة السعودية لها ركائز في سورية وإيران واليمن،
كما تشير كل التقارير والدراسات حول هذا الموضوع.

- دول الجوار إيران وتركيا، وتأثيرها، وعلاقاتها أيضا المتفاوتة المستوى بنظم المنطقة، ودورها في مساندة هذه السلطات أو التخريب عليها، من أجل تمدد نفوذها، ومن موقع أقوى، مثالquot; الفارق في علاقة إيران بمصر أو بسورية.


- بؤر التوتر المتوالدة سلطويا عربيا، والتجددة أيضا ودورها في توسيع هوامش المناورة لهذه السلطات من أجل استمرار هذا التخريب العام والشامل للمجتمعات العربية، فلسطين لبنان العراق اليمن الآن والسودان.

كل ما يدور في مؤداه الأخير يوسع هامش المناورة في بقاء هذه السلطات مستولية على المجتمعquot; سلطة ومال..وهذا هو المهم، وهذا هو مشروعها المتجدد أزمات متلاحقة في المجتمعات العربية، والغرب...له في نقاشنا هذا مساحة خاصة ربما نحاول إلقاء ضوء صغيرا على هذا الجانب، في مقالة لاحقة.


www.almufleh.net