نعم أنها القوة التي تمتلئ بالقوة. فلم نسمع قط على مر العصور والأزمنة أن قبطياً قتل مسلماً على الهوية. نعم قلم يقم الأقباط في التاريخ القديم أو الحديث بحرق مساجد أو منازل أو متاجر أخوتهم المسلمين شركاءهم في الوطن. ولن يحدث ذلك لأن العقيدة المسيحية تعلم أتباعها المحبة للجميع، وتدعوهم إلى صنع السلام ومقاومة الشر بالخير، فهذه من ثوابت الدين المسيحي.

والأقباط في مصر ليس لديهم جماعات محظورة تبث سمومها في جموع الطلاب داخل قاعات الدرس في المدارس والجامعات كما يحدث الآن من قبّل الأصولية المتحورة والمتحالفة مع أصوليات أخرى على حدود الوطن وخارجه وقد أشرت إلى ذلك في مقالة بعنوان quot; الأصولية الجديدة في الجامعات quot;.

ورجال الدين المسيحي لا يحرضون الأقباط على كراهية الآخر المختلف دينياً ولا يمنعانه من تهنئته في الأعياد وتناول الإفطار معاً في شهر رمضان كما يعظ بعض الشيوخ المتعصبين من على المنابر في خطب الجمعة بعدم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد أو كما يسمع الأقباط في وسائل المواصلات المختلفة شيوخ التطرف وهم يحرضون المواطنين البسطاء على الكراهية والبغضاء.

علاوة على ذلك فالأقباط ولاءهم الفائق والمتفرد لبلدهم مصر ضارب في أعماقهم ومتغلغل في الجينات مثلهم في ذلك مثل كل المصريين من المسلمين والمسيحيين من أهل البلاد الأصليين.

ويذكر لنا التاريخ أن الأقباط هم الذين شيدوا المساجد لأخوتهم المصريين الذين اعتنقوا السلام بعد غزو العرب لمصر ومنهم الأطباء الذين كانوا يطببون الحكام والولاة والسلاطين الذين حكموا مصر في هذا الزمان. حتى أن قلعة صلاح الدين الأيوبي شيدها مهندسان قبطيان.

ولمن يرغب في معرفة المزيد عليه بقراءة التاريخ أو ليذهب إلى أديرة وادي النطرون في مصر ليرى بأم عينيه المسجد الذي شيده الرهبان داخل الدير للعمال المصريين المسلمين. هل توجد محبة وأخوة في أي بلد في العالم مثل تلك المحبة الصادقة التي يقدمها الأقباط لشركائهم في الوطن؟ هل يوجد تسامح أعذب من هذا؟ هل توجد قوة أقوى من قوة التسامح والمحبة؟ حقاً أنها القوى التي لا تقهر أبدا.

لذلك يجب أن نعترف أن ما حدث مؤخراً في نجع حمادي وما شابهه من أحداث وقعت في مصر في العقود الأخيرة من أعمال القتل العمد للأقباط الأبرياء المسالمين على الهوية الدينية مع سبق الإصرار والترصد هو أمر في غاية الخطورة يمكن اعتباره أهم مشكلة أو تحدي يواجه مصر في القرن الواحد والعشرين.. عصر ما بعد الحداثة حيث المعرفة متاحة للجميع مجاناً، والحرية مطلب للجميع بدون استثناء، والديمقراطية والمواطنة أهداف وصلت إليها كل الدول الحرة المتقدمة.

فإذا لم تنجح الدولة في إيجاد الحلول القادرة على علاج هذه المشكلة من جذورها، ووضع الآليات الكفيلة بالوقاية، وإذا ما استمرت المشكلة قائمة وفاعلة وفي حالة تزايد فإن التوازن البيئي المعنوي للمجتمع المصري سوف يختل، الأمر الذي سوف يؤدي في النهاية إلى تغير التركيبة البيئية للمناخ المعنوي المصري الفريد وتتحول الدولة إلى دولة أخرى بمواصفات أخرى.

كيف يمكن توصيف المشكلة إذن؟ وما هو الحل المطلوب؟ وهل هناك شروط ضرورية للحصول على الحل؟ وما هي الشروط الكافية لضمان ثبات الحل؟

من الناحية العلمية ُتعرف المشكلة على أنها مجموعة من المتغيرات والثوابت ترتبط بعضها بالبعض الآخر بطريقة معينة في كيان واحد نسميه معادلة، خطية كانت أم غير خطية. والحل المطلوب يتأتي بفض الاشتباك بين المتغيرات بالطريقة التي تحافظ على خصائص كل متغير على حدة، وبحيث يمكن التعبير عن متغير واحد أو أكثر صراحة بدلالة باقي المتغيرات.

المشكلة التي نبحث عن حلها إذن تمثل فيها المتغيرات عناصر دينية، وعناصر سياسية، وعناصر ثقافية. هذه العناصر الثلاثة دخلت في حالة صراع فيما بينها منذ عدة عقود حتى بات يلاحظ أن العنصر الديني المستند إلى أفكار نمطية متطرفة عن الأقباط أصبح أقوى من العناصر السياسية والثقافية فبدأت المشكلة في الظهور.

والثوابت الداخلة ضمن إطار المعادلة تتمثل في أمن الوطن واستقراره، وآمان المواطن، ورخاءه. هذه الثوابت أيضاً قد تأثرت بفعل الحالة الاقتصادية ومعاكسات الأصولية المحظورة، والحدودية، والعابرة للحدود وتسبب ذلك في جعل المعادلة لا خطية بمعنى أن أي تغير طفيف يمكن أن يحدث في الثوابت أو المتغيرات، يمكن أن يؤدي إلى تغير خطير في طبيعة الحل المنشود.

لذلك فالأمل في الحصول على الحل المنشود يكمن في وضع بعض الشروط على الحل لكي يكون الحل عادل متوافق ومتجانس يحقق كل من الاستحقاقات المتغيرة والثابتة ويقدمها لكل أبناء الوطن بدون تفرقة أو تمييز.

من هنا نجد أن أحد الشروط الضرورية للحصول على هذا الحل العادل المستقر تتمثل في وجود إرادة مجتمعية حقيقية غير كاذبة لعلاج المشكلة من جذورها وأعتقد أن هذا الشرط متحقق في المجتمع المصري بصورة أكبر مما قد يتوقع البعض وقد لاحظه جميع المتابعين للأحداث الأخيرة في الصحف والفضائيات. والأحداث الأخيرة في نجع حمادي أثبتت كيف تعانقت بصورة مذهلة قوى تسامح ومحبة الأقباط التي لا تقهر مع قوى محبة وتسامح المصريين المسلمين التي لا تقهر أيضاً.

ومن الشروط الكافية لكي يصبح الحل المنشود فاعلاً قابل للتنفيذ هو وجود إرادة سياسية حقيقية بالفعل وليس القول، بتنفيذ أحكام القانون وليس بنظام المصالحات الظاهرية الهشة، بالمواطنة وليس التمييز والتعصب الديني.

ومن الشروط الكافية أيضاً لتفعيل الحل أن يتم الفصل التام بين الدين والسياسة، والتعليم، فلا يجب إقحام الدين في السياسة تحت أي ظرف، ولذلك يجب تعديل الدستور الحالي ليصبح دستوراً عصرياً خالي من أية إشارات دينية أو طائفية.

ما أجمل ما قاله أحد الحكماء quot; أنه لا توجد مشكلة بدون حل ولكن توجد مشكلة بدون فهمquot;. نعم سوف تنتصر مصر على كل التحديات ويتمتع كل المصريين.. المسلمين والمسيحيين بالأمن والآمان والرخاء وستظل مصر كما كانت رائدة في المنطقة والعالم بفضل حكمة وأصالة شعبها العظيم.


[email protected]