لاريب من ان هناك حالة بإمکاننا تسميتها سعي محدد لحل جزئي للقضية الکوردية في ترکيا، وهذه الحالة مع کل الملاحظات و التحفظات المثارة بشأنها، فإنها وفي عقر الدار الترکية مازالت محل إختلاف و أخذ و رد مما لايمنحها لحد الآن صيغة معينة کي تتبلور للظهور بها، وهو کما يبدو يعود اساسا للأرث الاتاتورکي الثقيل المحمل على ظهر التيارات السياسية الترکية المختلفة والتي ليست بإمکانها أن تتخلص منها بسهولة.

القضية الکوردية التي عانت منها ترکيا بشکل خاص في بداية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم بعد تأسيس حزب العمال الکوردستاني، سعت مختلف الاوساط السياسية و العسکرية و الامنية المتنفذة في أنقرة لتجاهلها و القفز عليها إکراما للأرث الاتاتورکي، لکن نتائج و تداعيات حرب تحرير الکويت و من بعدها سقوط صنم العراق، قد أدت الى أن تنظر هذه الاوساط الترکية للقضية الکوردية سيما السياسية منها بمزيد من الحکمة و المنطق وبدأت الدعوات تظهر من هنا و هناك للتصدي لحل القضية الکوردية وهي دعوات تأطرت بحث السلطات الترکية على منحquot;حقوق ثقافيةquot;محددة للکورد، لکن حتى هذه الدعوة إرتطمت بجدار العسکر الترکي المنيع ناهيك عن الساسة القوميين المتطرفين، لکن ربط الدخول الترکي بالاتحاد الاوربي بجملة شروط أساسية من ضمنها حل القضية الکوردية بالاضافة الى أن الواقع السياسي في إقليم کوردستان العراق قد صار أمرا واقعا خصوصا بعد أن قامت دول أوربية و إقليمية مهمة بفتح ممثليات تجارية و قنصليات لها لدى الادراة الکوردية، هذين الامرين دفعا الساسة الاتراك بشکل عام و قادة حزب العدالة و التنمية(الاصلاحيين)للنظر و التعامل مع القضية الکوردية بصيغة أکثر عقلانية و واقعية من دون أن تتسم بالصورة الجذرية المطلوبة ولاسيما عندما طفقت تظهر دعواتquot;ملحةquot;لطرح صيغة او حالة حل جزئي للقضية من دون حزب العمال الکوردستاني الذي يمثل أساسا روح و جوهر القضية الکوردية في ترکيا وهو أمر يثبت و بجلاء عدم جدية و مصداقية الاتراك في وضع حل جذري و نهائي للقضية الکوردية.

وإذا سلمنا جدلا بأن القضية الکوردية في ترکيا قد کانت موجودة قبل تأسيس حزب العمال الکوردستاني، فإن هذه القضية لم تتبلور و تتجسد بشکلها النهائي المفهوم و المطلوب عالميا و إقليميا إلا بعد أن تأسس هذا الحزب و حمل على عاتقه عبأ القضية وقدم قافلة کبيرة من الشهداء و التضحيات و أصبح بسبب من ذلك رقما صعبا لايمکن أبدا تجاهله على الارض، وانه ليس هناك من کوردي في ترکيا لاتهتز شغاف قلبه عشقا لهذا الحزب و قائده عبدالله اوجلان بل وان الشعب الکوردي في الشمال الکوردستاني يستبعدون أي حل مثالي للقضية من دون حضور و مشارکة مناسبة لهذا الحزب فيها إذ يؤمن کل کوردي بأن العمال الکوردستاني يطرح برنامج عمل سياسي جذري و حيوي لحل القضية الکوردية يلبي طموحات و اماني الشعب الکوردي، بيد ان المساعي الترکية المحمومة لإيجاد صيغة حل بعيدا عن هذا التنظيـم السياسي الفاعل في الساحة الکوردية، يثبت مرة أخرى عقم المساعي الترکية و سطحيتها وعدم إستفادتها من الدروس و العبر التأريخية بهذا الخصوص، وان حزب العمال الکوردستاني الذي أثبت جديته و مصداقيته في التعاون مع الحکومة الترکية من أجل حل القضية الکوردية بل وانه قد خطى خطوات بهذا الاتجاه بحيث فسرها العديد من المراقبين بنوع من التنازل، ليس بذلك الجدار المنخفض الذي بإمکان السياسة الترکيةquot;الملتويةquot;من القفز عليها وانما يظل بمثابة عقبة کأداء لامناص من الرضوخ لها کأمر واقع، ومن هنا فإن التفاؤلquot;الوهميquot;اوquot;الکاذبquot;للعديد من الاوساط السياسية الترکية و الاقليميةquot;بما فيها أطراف من إقليم کوردستان العراقquot;، بحل القضية الکوردية من دون حزب العمال الکوردستاني هو مجرد أمنية أو حلم يقظة لقضية أکبر من ذلك بکثير وان حزب العمال الکوردستاني ليس أبدا بالامکان إزالته من الخارطة السياسية و الوجدان القومي للشعب الکوردي بمجرد إتفاق سياسيquot;هش و مبتذلquot; وانما سيظل أساس و جوهر و روح القضية ومن دونه فإن کل الحلول ليست إلا بمحاولات إلتفاف و طمس لأصل القضية الکوردية.