الأزمات الديبلوماسية الاسرائيلية التركية أصبحت مزمنة وتتأجج بين الفينة والأخرى, آخرها هو ماحدث في هذا الاسبوع، تلك الأزمة التي تجاوزت كل الأعراف الديبلوماسية بين الدول. هناك أسباب مباشرة أشعلت النار وأسباب أخرى حقيقية والتي تشكل الأساس لتلك الأزمة المزمنة بين الدولتين.

الأسباب المباشرة:

أثناء المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء لبنان السيد سعد الحريري في أنقرة قبل عشرة أيام, قال أردوغان وبحدة بما معناه: سوف يقولون أن اردوغان حشر نفسه في مشكلة غزة مرة أخرى...طبعاً لن أسكت...لماذا قصفت اسرائيل غزة بالطائرات قبل عدة أيام...هل كان هناك إطلاق صواريخ من غزة..لا طبعاً...إذن على اسرائيل أن تكف عن سياساتها العدوانية على المدنيين الأبرياء وخلق عدم الإستقرارفي المنطقة.....

في نفس الفترة أو نفس اليوم على ما أعتقد بث تلفزيون ستار التركي الذي تمتلكه شركة خاصة حلقة من المسلسل الشهيرquot;وادي الذئابquot;, حيث نجد أن بطل المسلسل ينقذ طفلاً رهيناً من السفارة الاسرائيلية وخلال ذلك يتمكن البطل من قتل الاسرائيليين كالذباب....الحلقة كانت تتضمن أيضاً مشاهد مروعة تشير الى وحشية وهمجية الاسرائيليين ضد الفلسطينيين العزل {بدايات المسلسل تعود في الأصل الى روح الإنتقام من القوات الأمريكية التي كانت قد إعتقلت قبل عدة سنوات ضباطاً أتراكاً في السليمانية وأدخلت رؤوسهم في أكياس وهم مربوطي الأيادي وبشكل مهين. في بعض الحلقات كان أبطال المسلسل يفتكون بالجيش المريكي على غرار الكاوبوي أو افلام الكاراتيه اليابانية.}

الحكومة الإسرائيلة أعربت عن إمتعاضها لهاتين الحادثتين ووصمت المسلسل وحكومة تركيا بالعداء للسامية.

مشاهد الإهانة :

أستدعي السفير التركي لدى اسرائيل من قبل نائب وزيرالخارجية الاسرائيلي السيد ايالون الى مقره في الكنيست, وليس في وزارة الخارجية للتباحث. وصل السفيرالتركي وأضطر الى الإنتظارأمام باب غرفة ايالون ومن حوله الصحفيون. أخيراً فُتِحَ الباب ودخل السفيرالغرفة. ايالون لم يصافح السفير ودعاه الى الجلوس في المقعد المخصص له. ايالون وشخصان آخران كانا يجلسان وجهاً لوجه قبالة السفير وكانت تفصل بينهم طاولة صغيرة.

ولكن..

مقاعد الإسرائيليين كانت أعلى من مقعد السفير بحوالى عشرين سنتمتراً, وكان على الطاولة علم اسرائيل فقط. بعد كل هذه الترتيبات دُعيَ الصحفيون الى الغرفة. تمتم ايالون بالعبرية الى الصحفيين قائلاً: أنظروا هو يجلس في quot;موقع واطئquot; بينما نحن في الأعلى ولاوجود للعلم التركي......كل هذا شاهده الجميع على شاشات التلفزة. هذا المشهد كان قد أعد له مسبقاً بإتقان وبأدق التفاصيل والهدف هو إهانة تركيا. إنتشرالخبرمع الصور. إنفجر بركان الغضب التركي. تركيا تعرضت الى الإذلال والإهانة نتيجة لذلك التصرف البدائي الفج والغريب في العرف الديبلوماسي.

رئيس الجمهورية السيد غول أعطى مهلة زمنية حتى مساء ذلك اليوم مطالباً فيها اسرائيل بتقديم إعتذار رسمي. بالفعل صدر الإعتذار في وقته وعاد الهدوء ولكن المياه لم تعد الى مجاريها. في اليوم التالي كانت الحادثة تتصدرالصحافة في المنطقة والعالم. وهذه بعض السطور:

الصحافة التركية:

ــ الأزمة لا تنتهي بالإعتذار...الخلاف عميق الجذور.
ــ قلق في أوساط يهود تركيا....الهجرة اليهودية من تركيا الى اسرائيل إزدادت عشرة أضعاف في السنوات الخمس الأخيرة.
ــ كيف وصل هذا الشعب الذكي الى هذا المستوى؟
ــ لا فرق بين ليبرمان وأسامة بن لادن
ــ مسلسل وادي الذئاب تنتجه شركة خاصة وتبث من قناة ستار الخاصة أيضاً والمعروفة ببث السموم ضد أردوغان وحزبه حيث أنها تقف في صف العسكر, والحكومة غير مسؤولة عن تصرفاتها.

الصحافة الاسرائيلية:

ــ على ايالون الإعتذارالى الشعب الاسرائيلي قبل تركيا على فعلته المشينة.....هذا التصرف لا يليق بالاسرائيليين؟
ــ ياسيد ايالون, أنت جلست على كرسي مرتفع لدقائق.....ولكنك جعلت اسرائيل تجلس في أوطأ مكان ولمدة غير معروفة.
ــ هذه الأزمة إنتهت......الى اللقاء في الأزمة القادمة.
ــ 17 عضواً في الكنيست قدموا إعتذاراً الى تركيا بالرغم من إعتراض الخارجية على هذا العرف quot;اللاديبلوماسيquot;.
ــ اسرائيل خسرت الدولة المسلمة الوحيدة والتي كانت حليفة إستراتيجية منذ خمسينيات القرن الماضي.
صحيفة بريطانية كتبت:اسرائيل لا تفهم إلا باللغة التركية.....

أما البيت الأبيض فقد أعرب عن أسفه العميق لتصدع العلاقات بين أهم حليفين لأمريكا.....حسب الناطق الرسمي.

الأسباب الحقيقية المحتملة للأزمة:

ــ التمادي التركي ضد اسرائيل, طيلة العام الفائت, وحتى في المحافل الدولية quot;دافوسquot;, وبالمقابل التخاذل الإسرائيلي الذي وصل الى درجة الإنبطاح أمام المواقف التركية الصلبة ضدها يدفع بالمرء الى الظن أن هناك ضلوعاً اسرائيلياً في مؤامرات الجيش التركي للإنقلاب على حكومة اردوغان, وذلك من خلال العلاقات الحميمة والقنوات السرية الدائمة بين رئاسة الأركان التركية واسرائيل والتي تمتد الى عدة عقود. ولا ننسى أن العلاقات التركية الاسرائيلية كانت دائماً فوق إرادة الحكومات التركية المتعاقبة على الحكم. العلاقات كانت مباشرة بين الجيش التركي الحاكم من وراء الستار ودولة اسرائيل وأجهزتها الأمنية.

ــ ضغط أمريكي واوروبي على اسرائيل ولكن عن طريق تركيا لحل قضية الشرق الأوسط. يبدو أن عراب هذه السياسة هنا هو الرئيس الاميركي اوباما نفسه. في هذه الحالة ليس أمام اسرائيل إلا خياران: الوصول الى حل سلمي مع الفلسطينيين أو القبول بالوضع المتأزم عامين آخرين أي حتى حلول سنة إنتخابات الرئاسة الأمريكية بإنتظاروصول رئيس جديد الى سدة الرئاسة بدعمِ من اللوبي اليهودي. ولكن في هذه الحالة سيكون مصير اللوبي اليهودي على كف عفريت وستكون العواقب وخيمة إذما نجح اوباما في الإحتفاظ بالرئاسة.

ــ الإحتمال الأخيروهو أن كل مايجري هو عبارة عن تحضيرات لعملية ضرب ايران...الوشيكة؟؟؟.

طبيب السويد
[email protected]