نفى بنيامين نتاننياهو نية حكومته في شن حرب على لبنان. لكن هذا النفي لا يلغي واقع ان ما اعلنه يوسي بيليد لا يجانب الصواب. الحرب الإسرائيلية على لبنان واقعة حتماً. اما ساعة الصفر فهي التي لم تحدد بعد.
هذا ما يدركه اللبنانيون عموماً، وهذا ما يلهج به مجتمع حزب الله قيادة وقواعد، وهذا مما تدركه الدول الكبرى وتعرف أنه أمر سيحدث.
واقع الأمر ان لبنان لن يستطيع بجهوده الدبلوماسية المشكورة، ولا بوحدته والتفافه حول مقاومة حزب الله ان يمنع حصول الحرب. ذلك ان حرب صيف العام 2006 غيرت في طبيعة الصراع الذي يخوضه حزب الله ضد إسرائيل تغييراً عميقاً. ولم يلبث الحزب على لسان قادته ومفوهيه، ان أكد حصول هذا التحول، وقد جاءت خطبة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في الملتقى العربي الدولي للمقاومة الذي عقد في بيروت لتؤكد للمرة الألف ان التحول قد حصل فعلاً، وان الحرب واقعة ولا بد منها.
مفاد هذا التحول ان حزب الله شن حرب صيف العام 2006 وهو يهدف إلى تحويل مقاومته من مقاومة لتحرير الأرض إلى حركة تحرر ترتبط بأجندات دولية وأقليمية. وبصرف النظر عن الحجج التي ساقها الحزب ويسوقها لتبرير تلك الشرارة التي اعلنت بداية تلك الحرب في 12 تموز ndash; يوليو من العام 2006، ليسبغ عليها بعداً لبنانياً خالصاً، يتعلق بتحرير الأسرى والعمل على استكمال تحرير ما تبقى من ارض لبنانية تحت الاحتلال، إلا أن هذه الحجج لا تصمد أمام الوقائع الدامغة ومنطق العمل السياسي برمته. ذلك ان ليس ثمة حركة تحرير راشدة قد تعلق بلداً بأكمله على شماعة تحرير مزارع شبعا.
على أي حال لم يلبث حزب الله نفسه ان حدد وجهته وتوجهه في الوثيقة السياسية التي أعلنها في ختام مؤتمره المنتهية أعماله لأسابيع خلت. حين صنف الحزب نفسه حركة تحرر عالمية لها أهداف ومصالح وتعقد تحالفات مع دول ومجموعات وحركات سياسية وعسكرية في ارجاء العالم كافة. ومعنى هذا الانتقال من حركة تحرير إلى حركة تحرر ان الحزب لم يعد يربط نشاطه السياسي والعسكري والأمني بتحرير الأرض اللبنانية التي ما زالت تحت الاحتلال، بل اصبح لهذا السلاح الذي يمتلكه بعداً عالمياً واقليمياً. وحيث ان المواجهة قائمة في العالم بين مشروعين، او لنقل مشروع أميركي متجاوز ومشاريع مواجهة مختلفة المشارب والمنابت، يقع حزب الله ضمنها، فإنه من العبث الظن ان الطرف الآخر في المواجهة سيحجم عن الضرب بقسوة إذا ما سنحت له الفرصة وتحين اللحظة المناسبة.
اليوم لا يجدي اللبنانيين نفعاً لوم حزب الله على وضع لبنان في هذا المأزق الحرج، حيث انه اصبح بلداً موكولاً للدمار في حرب لا تبقي ولا تذر. مثلما لم يعد يجديهم ان يتنصلوا من مسؤولياتهم حيال اي حرب مقبلة، والظن بأن تلك الحرب قد تكون موجهة لطرف دون آخر في لبنان وتستهدف حزباً او طائفة دون غيرها. ذلك أن اللبنانيين باتوا فعلاً تحت خط النار بكل فئاتهم ومناطقهم وطوائفهم. والأجدر بهم التضامن في مقاومة العدوان. ذلك ان لا شيء يمكن ان يفعله حزب الله قد يجنب اللبنانيين الحرب مثلما يحسب بعض السياسيين اللبنانيين. فهذه الحرب ستقع بذريعة يقدمها حزب الله او بذريعة قد يقدمها غيره. ولم يعد أمر اشتعالها متعلقاً بمدى الانضباط على الحدود وخارج الحدود.
يبقى ان اللبنانيين مدعوون فعلاً لمطالبة حزب الله بالعودة إلى ثوبه الأصلي، بوصفه حركة مقاومة لتحرير الأرض والدفاع عنها، والإقلاع عن الدعوة إلى محاربة المشاريع الاميركية والإسرائيلية في كل أرض وزمن. لأن الفارق بين الحالين حاسم في قدرة لبنان على النجاة من مفاعيل هذه الحرب والبقاء وطناً لمن يتبقى من أبنائه بعدها. فحين يكون حزب الله حركة مقاومة لتحرير الأرض اللبنانية والدفاع عن حدود لبنان، يسع البلد ان يرفع صوته عالياً احتجاجاً واعتراضاً على اي اعتداء إسرائيلي عليه، أما في حال إصرار حزب الله على ترسيخ دوره ركناً من أركان حركة التحرر العالمية، فإنه يصبح أكبر من البلد نفسه، ولا يستطيع البلد حمايته او مجرد الدعوة لحمايته. في هذه الحال، تصبح الحرب تخليصاً للبنان من أوهام امبراطورية لا يسعه احتمالها، على أن يبنى، على ركام ما تهدم، لبنان آخر يجبر على ان يتذكر دائماً حجمه ودوره ومقدار مساهتمه في اي قضية ينحاز إليها.
ان تشن إسرائيل حرباً على حزب الله اللبناني، فمن واجب اللبنانيين جميعاً أن يدافعوا عنه، وقد ينجحون في تجنيب البلد خسارات لا موجب لها. أما ان تشن إسرائيل حرباً على حزب الله الدولي، فهذا سيجبر اللبنانيين على بلع ألسنتهم لأن احداً لن يستمع لشكواهم وانينهم ولو تعمقت جروحهم وتناثر موتهم في الفضاء.