تواجه اللغة العربية إشكاليات وتحديات عديدة تعيق تطورها، وتشكل تحديات للناطقين بها وخاصة القراء منهم. ومن هذه الإشكاليات، الأصوات والحروف الأعجمية (الأجنبية) المكتوبة في اللغة العربية، والتي لا بد منها في أحيان كثيرة، خاصة في حالة كتابة أسماء علم أجنبية أو مصطلحات ومخترعات وما أكثرها، تم توظيفها في العربية وقد عجزت مجامع اللغة العربية عن إيجاد بديل لها أو أنها لم توفق فيما طرحته من بدائل.
ومن هذه الحروف التي بات استخدامها واقعا هي: (G)، وقد تنوع استخدام بدائلها أو عكسها في العربية. ففي المشرق العربي خاصة بلاد الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) والعراق، يتم غالبا استخدام الشكل (ﮒ)، وهو من الحروف التي تستخدم في اللغات الهندوآرية مثل الكوردية والفارسية والاوردو والباشتو والتركمانية والتركية القديمة (العثمانية). حيث يستخدم في رسم كلمات مثل انكلترا، وقد استبدل الرسم الحقيقي للحرف بغياب الخط المائل فوقه لتمييزه عن الكاف (كـ)، وذلك لعدم وجوده في لوحة مفاتيح العربية.
وبالمقابل يستخدم المصريون الحرف (جـ) بدلا منه، معتمدين على حدس القارئ أو ثقافته اللهجية. فمثلا يقرأ أهل الصعيد والمناطق الجنوبية في مصر انكلترا/انجلترا بحرف الجيم كما لو يقرأوا كلمة (جواد) العربية. في حين يقرأها القاهريون وغيرهم من مناطق وسط وشمال مصر بلفظها المعتاد أي (G). ويتبعهم بعض أبناء السودان في النموذجين. وفي أحيان أخرى يستعيض المشارقة عن هذا الحرف الأعجمي بحرف (غ) العربي، فمثلا اسم الأديب الألماني (Wolfgang von Goethe) يكتب فولفغانغ فون غوته، تجنبا لإشكالية الإلتباس مع حرف الجيم العربية التي قد يدرج قراءها على لفظه بها ما يشيع خطأ ليس هينا.
أما في الخليج فقد شاع منذ فترة قصيرة استخدام حرف القاف (ق) كتابة بدلا من هذا الحرف (G) أينما يرد تقريبا، فانكلترا أصبحت تكتب (انقلترا). في حين يكتب أهل المملكة المغربية الحرف الأعجمي هذا بطريقة أخرى وهي حرف (كـ) وعليه ثلاث نقط مركبة بشكل مثلث قاعدته إلى الأسفل. أما في تونس فتكتب بشكل مغاير تماما وهو حرف (ف) مضافا عليه نقطتين أخريين ليصبح بثلاث نقط أي (ﭭـ ). مثال ذلك في كلمة (ﭭابس/قابس) وهي مدينة تونسية تقع إلى الجنوب الشرقي.
على أن شكل هذا الحرف (ﭭـ) الذي يوظفه التونسيون هنا يتم توظيفه بشكل مغاير في المشرق العربي ومصر والخليج، فهو يقابل الحرف (V) في اللغات الغربية، وإن كان الأكثر شيوعا هو كتابته بحرف (ف) العربي أينما يرد في كلمات أعجمية مثل (video) الذي يكتب فيديو، و(virus) فايروس وهكذا، بينما ينقل التونسيون النقاط الثلاث إلى أسفل الحرف (ﭭـ)، ليلفظ (V).
حرف أو صوت لفظي أعجمي آخر لا يمكن الاستغناء عنه يسبب إشكالية من نفس النوع وهو (ch) الذي يرد على سبيل المثال في (Richard) اسم العلم الانكليزي خاصة، فقد شاع في العربية على أنه (ريشارد) في المغرب العربي نقلا عن اللفظ الفرنسي. و(ريتشارد) وذلك بسبب تمثيل اللفظ الصوتي هذا بـ(تش) بالعربية كمقاربة للفظ، وقد شاع هذا لدى المصريين. بينما في العراق يستخدم الحرف المأخوذ من الكوردية والفارسية (چـ) أي جيم العربية مضافا تحتها نقطتين لتصبح بثلاث نقاط. ولعدم توفر هذا الحرف في لوحة مفاتيح العربية في أجهزة الكوميوتر والطابعات القديمة فقد استخدم بدله الحرف جيم (ج) العربي، لتختلط على قارئ العربية الأسماء والمصطلحات الأعجمية التي يرد فيها هذا الصوت. وتستمر الإشكالية مع الحرف (P) الذي يكتب في العراق لمن يميزه (پ) أي حرب (ب) العربي مضافا إليه نقطتين ليصبح بثلاث نقاط، وهو حرف موجود في اللغتين الكوردية والفارسية.
إن الإشكالية في التعامل مع هذه الحروف والأصوات الأعجمية تتمثل في عدم وجودها أصلا في اللغة العربية فضلا عن عدم الاتفاق على وضع حروف نظيرة لها، ما يجعل مهمة القارئ وخاصة ذو التعليم المتواضع والاطلاع البسيط عسيرة حتى لو وضعت الكلمة الأجنبية ملازمة بين قوسين. ما يشيع أخطاء كبيرة في نقل وتداول المصطلحات والمفاهيم ويبعد القارئ والمتعلم عن تتبع اشتقاقاتها ومدلولاتها ومقارناتها. كما يضعه في مواقف محرجة مع غيره ممن يدرك اللفظ الصحيح لها، ذلك حينما يلفظها خطأ.
لقد احترنا على سبيل المثال بكتابة كلمة (Google) بالحروف العربية، فقد تمثلت بالأشكال التالية:
غوغل
جوجل
قوقل
ﭭوﭭل
ونفس الشيء مع كلمة (goal) أي هدف.
ترى هل توصل هذه الرسوم quot;الحروفيةquot; اللفظ الصحيح إلى قارئ لم يسمع بالكلمة أو يجهل قراءة الحروف اللاتينية؟؟؟

هذا ناهيك عن الإرباك الذي يلاقيه قارئ العربية عامة والقارئ الأجنبي والمتعلم للعربية خاصة بسبب هذا الاختلاف في النقل والترجمة إلى العربية بين عدد من الأقطار والأقاليم العربية.
إن مجامع اللغة العربية وخبراءها مدعوون بالدرجة الأولى إلى النهوض بمسؤولية فك هذه الالتباسات وهذا التشظي بين أقاليمها. ومدعوون إلى الانفتاح أكثر والاتفاق على صيغ حل موحدة لهذه الإشكالية من أجل أن تكون العربية الفصحى لغة مسايرة لكل العصور ولا تفقد هويتها وخصوصيتها ومكانتها.
باحث في علم الاجتماع:
www.al-hashimi.blog.com