تدخل الانتخابات العراقية مرحلتها الحاسمة، قـُبيل أيامٍ قليلة من موعدها المقرر في السابع من آذار/ مارس المقبل.
ويبدو المسرح السياسي إلى حد ما مشابه لما عهده الناخب العراقي من قبل، لجهة تكرار الأسماء والوجوه، والفرق الوحيد هنا يبرز في تغيير العناوين، ليبدو ذلك المسرح مطلياً من الخارج بألوان زاهية مختلفة في حين أن الممثلين، بل وحتى الكومبارس هم ذاتهم بدون تغيير، إلا مارحم ربي. وعلى الرغم من ذلك كله، ومن الإعتراضات الكثيرة الصاردة من قبل المشككين بالعملية السياسية وبعض المشتركين فيها، إلا أن الوضع المقبل يـُبشر بالخير والتقدم لجهة التغيير السياسي المرتقب، والذي يتأمله الجميع.


القراءة السريعة لحظوظ تلك الكتل والأحزاب والإئتلافات المشاركة في الانتخابات المقبلة، توضح أن الأحزاب الكبيرة ستبقى مسيطرة على العملية السياسية، مع وجود احتمال كبير لبروز اسماء جديدة، وهي ايجابية ولدت من رحم اعتماد القائمة المفتوحة في هذه الانتخابات.


يعود رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أياد علاوي بقوة بتكتل انتخابي مكون من quot;العراقيةquot; وquot;جبهة الحوار الوطنيquot; وهو ما اطلق عليه quot;الحركة الوطنية العراقيةquot; و quot;قائمة تجديدquot;، فضلاً عن احزاب وكيانات وفعاليات سياسية وعشائرية وأكاديميين آخرين. وتمكن هذا الاصطفاف أو الاندماج الجديد، حقيقة من استيعاب أكبر قدر ممكن من مكونات وألوان وشرائح المجتمع العراقي.

وعلى القائمين على هذا التكتل أن يضعوا في خططهم المستقبلية أن يكونوا مشروع دولة وليس مشروعا انتخابيا فقط. حظوظ هذا التكتل كبيرة جداً في تحقيق نتائج ايجابية في الانتخابات، ولكن إذا ما أراد هذا التكتل أن يستمر، فلابد أن يتجاوز مفهوم quot;الزعاماتquot;، وأن يكون هدفه المشروع الوطني.


أما quot;الإئتلاف الوطني العراقيquot; فيبدو اليوم أقوى من قبل وأكثر تماسكاً، خاصة بعد دخول التيار الصدري(الأحرار) في هذا الإئتلاف، الذي سبق وتعرض لنكسة تمثلت بخسارته في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، إلا أن قراءة دقيقة لما خلفته تلك الانتخابات وإصلاح مايمكن إصلاحه في فترة زمنية قصيرة، فضلاً عن الإنفتاح على الكتل والأحزاب والكيانات الأخرى، ودخول اسماء وألوان جديدة لهذا الإئتلاف، قد ساهم إلى حد كبير في تحسين صورة الإئتلاف.


غير أن مايعاب على هذا الإئتلاف هو تمسكه ببعض الشخصيات السلبية-دعونا نسميها هكذا- وهي بكل تأكيد مرفوضة من قبل الشارع العراقي، وكان لها الأثر الكبير في الإساءة لهذا الإئتلاف. ومما يجدر قوله هو إن على قادة الإئتلاف الإسراع في عملية التغيير وتلافي أخطاء الماضي؛ لكي لايقع المحظور مرة أخرى.


وعلى الرغم من وجود تفاهمات مسبقة على الدخول في إئتلاف أكبر وأوسع بــُعيد الانتخابات، كما هو متعارف عليه في كل دول العالم، إلا أن خسارة الإئتلاف الوطني العراقي، للشريك quot;ائتلاف دولة القانونquot; الذي يقوده رئيس الحكومة quot;نوري المالكيquot; في الانتخابات المقبلة، تمثل صدمة لحلفاء الأمس، خصوم اليوم.


من جانبه فمن غير المتوقع أن يحصل ائتلاف دولة القانون، على ماحصل عليه خلال انتخابات مجالس المحافظات؛ لثلاثة اسباب: الأول يتمثل في الخروقات الأمنية الأخيرة التي قللت من شعبية رئيس الوزراء في الشارع العراقي. والثاني يتمثل في أسلوب إدارة حكومته للملفات السياسية، وماتمخض عنها من تصرفات لأعضاء هذه الحكومة، لم تكن مسؤولة في أغلب الأحيان.


أما السبب الثالث والأخير وهو الأهم، فإن المالكي وعلى الرغم من كونه رقماquot; صعباquot; في هذه الإنتخابات، إلا أن الطريق أمامه لتجديد ولايته الثانية على رأس الحكومة، لن يكون سهلاً؛ بسبب حجم الرفض الذي يتعرض له من قبل بعض القوى السياسية العربية والكردية على حد سواء.

ولن يكون هناك تغيير كبير فيما ستحصل عليه quot;قائمة التحالف الكردستانيquot; من أصوات، بل على العكس فإن دخول quot;قائمة التغييرquot; بقيادة نوشيروان مصطفى، قد يسحب الكثير من الأصوات من التحالف الكردستاني لصالح قائمة التغيير، التي تعزف على وتر التغيير من خلال فصل سلطة الحزب عن سلطة الدولة.


نفس الأمر ينطبق على quot;قائمة التوافق العراقيquot;، التي ليس لها أكثر مما تنادي به من تمثيل لفئة أو طائفة معينة، حصرت نفسها ضمن أُطرها، ولم تجد نفسها خارج أسوار ملعب تلك الطائفة، بل انها تتخوف من الانفتاح على الآخر والاندماج معه في تكتل أو تجمع جديد. وأكبر مأخذ على هذه القائمة أنها الوحيدة التي لم تكن ملونة، ولكنها احتفظت بسيادة اللون الواحد فيها، وهو مايفسر خروج حلفاء هذه القائمة وانفراط عقدها واستنزاف اعضاءها الواحد تلو الآخر.


تبقى حظوظ الإئتلافات والأحزاب الأخرى وهي الأصغر حجماً، وتشكلت طبقاً لحاجة آنية ومرحلية، تزول بزوال المبرر لها؛ فمن شكل حزباً أو تكتلاً، قد فعل خيراً؛ فهو المطلب الذي تسعى لتحقيقه كافة مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين والأكاديميين وكل من يؤمن بشكل حقيقي بالديمقرطية والتعددية ورفض سيادة الحزب الواحد؛ ولكننا نقول إن تلك الخطوات التي تأتي في عملية حرق للمراحل؛ وبشكل عاجل في مايشبه عملية إلتقاء للمصالح؛ لن تحقق نتائج مرجوة.


وفي هذا الإطار يبرز تكتلquot;ائتلاف وحدة العراقquot; الذي شكله جواد البولاني وزير الداخلية. وكذلك quot;قائمة أحرارquot;، التي أسسها السيد أياد جمال الدين.
مثال الآلوسي هذا الرجل بـــquot;أمته العراقيةquot;، ومشروعه في محاربة الطائفية وأعداء العراق من الخارج ومن الداخل، وثباته على مشروعه، كل هذا قد يزيد حصته السابقة في البرلمان، وقد تكون أكبر قليلاً مما تحقق له.


ويبقى ماتقدم مجرد قراءات ولدت-كما قلنا- من رحم ماتم اعتماده من قوائم مفتوحة، ستمنح الناخب مساحة أكبر لاختيار المرشح والقائمة التي يرغب في التصويت لها، ومما صدر عن المرجعيات الدينية من تأكيدات مستمرة على عدم استخدام الرموز الدينية في الدعايات الإنتخابية.
ومانود التأكيد عليه أن الخريطة السياسية، لن تتغير كثيرا في هذه الانتخابات، وأن الإئتلافات الكبيرة ستبقى محافظة على مكانتها في البرلمان الجديد.