quot; لا مجال في هذه المرحلة الدقيقة لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضى، وبين التحرك المدروس والهرولة غير محسوبة العواقبquot;.quot; عليهم أن يجيبوا عن تساؤلات الناس ماذا لديهم لكي يقدموه ؟ وما سياساتهم لجذب الاستثمارات وإتاحة فرص العمل ؟ ما برامجهم لرفع مستوى معيشة محدودي الدخل ؟ ما مواقفهم من قضايا السياسة الخارجية ومخاطر الإرهابquot;
هذه الكلمات التي جاءت في خطاب الرئيس حسني مبارك في خطابه في عيد العمال، تعكس قلقا من حالة الحراك السياسي التي يشهدها المجتمع المصري لأول مرة منذ نصف قرن، فالرئيس اتهم المعارضة بأنها تريد إثارة حالة من الفوضى، مستندة إلى شعارات قال الرئيس إنها لا تكفي لكسب ثقة الناخبين.. وهنا تثار علامة استفهام هي: أين المناخ السياسي الذي وفرته الدولة متمثلة في الحكومة والحزب الحاكم للمعارضة لتطرح برامجها على الجماهير وجهات نظرها في كافة القضايا التي تهم لمصر في الداخل والخارج ؟
إن هجوم الرئيس على من وصفهم بـlaquo;أصحاب الشعاراتraquo; ينطبق أولا على الحزب الوطني أولا ثم الحكومة ، الحكومة التي فشلت في تحقيق إنجازات ملموسة يشعر بها المواطن ولم يعد لديها ما تقدمه، فليست هناك فرص عمل حقيقية تستوعب الملايين من أبناء مصر، والفساد دفع المستثمرين إلى وجهات أخرى وبرامج الحكومة لرفع مستوى معيشة محدودي الدخل كلام في الهواء.
لقد جاء خطاب الرئيس تكررا لنفس الخطابات السابقة، التي تؤكد على الانحياز للفقراء، ومحدودي الدخل وهي السمة التي ميزت الخطاب في عيد العمال طوال العشرين سنة الأخيرة. ، شعرت وأنا استمع للخطاب أن كل شيء في مصر على ما يرام، وكأن الاعتصام للمطالبة بالحقوق، والمسيرات التي تطالب بحد ادني للأجور، تحدث في بلد آخر ، وكأن أصوات التغيير لم تصل إليه ، أرادت الحكومة من خلال هذا الخطاب أن تقول للمطالبين بالتغيير وتحسين ظروف الحياة quot; دعهم يفعلوا ما يريدون ما دمت افعل ما أريد quot; على الرغم من الآمال التي علقها كثير من المصريين على الخطاب، باعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس إلى الشعب مباشرة بعد رحلة العلاج والنقاهة ، وإذا كان الشعب قد اطمئن على صحة رئيسه، لكنه لم يطمئن على مستقبل مصر، في ظل حالة الغليان التي يعيشها المجتمع المصري ، نتيجة تدني مستوى المعيشة إلى حد يفوق التوقعات.
لقد ذاد عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من أثنين وأربعين بالمائة ، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، فيما لا تزال الأجور متدنية إلى ابعد الحدود، وقرار محكمة القضاء الإداري إلزام الحكومة، بوضع حد جديد للأجور بحيث لا يقل عن ألف ومائتي جنية شهريا ذهب مع الريح ، لأن الرئيس أشار إلى أن laquo;أي زيادة غير واقعية في الأجور لا تعكس مستوى الإنتاجية ستؤدى إلى تراجع قدرتنا التنافسية وانحسار فرص العمل وزيادة التضخمraquo; وهو ما خيب توقعات عمال مصر.
ربط الرئيس بين الأجور والإنتاجية على الرغم من الخلل الحاصل في الأجور فهناك نسبة قليلة في كل المصالح الحكومية تحظى برواتب خيالية لا تتناسب مع إنتاجيتها وتحرم الآخرين من حقوقهم، مثل رواتب كبار موظفي السكة الحديد التي كشفت عنها الصحف مؤخرا ، وهذا يؤدي إلى توسيع دائرة الرشا والفساد الإداري بدل القضاء على هذه الآفات الاجتماعية ، التي باتت تنخر في عظام مجتمع متهالك أيل للسقوط في أي لحظة .
وواضح أن الحزب الحاكم ليس لديه ما يقدمه لمصر ولعمال مصر، وواضح أنه يصر على صياغة عبارات قديمة في ثوب جديد مثل المجتمع المدني والدولة الحديثة وواضح أن الشعب آخر ما يفكر فيه الحزب الوطني لكن هذا الشعب يدرك واقعه المؤلم وهو أن معظمه يعيش في فقر مدقع تتسع مساحته يوما بعد يوم، ومشاكل تتفاقم دون حلول ناجعة وافق سياسي مسدود وهذا ما سيدفعه إلى التغيير .
تمنى المصريون أن يحمل خطاب الرئيس ما يهدأ من روع القلقين على مستقبل هذا البلد، فيما يخص المطالب المشروعة في تعديل الدستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة حتى نقي البلد فوضى تلوح في الأفق، المتسبب فيها أطراف كثيرة على رأسها الحزب الوطني الحاكم.
إعلامي مصري