شاءت الأقدار أن أشهد كارثة أمطار الساعتين بجدة وما سببته من سيول راح ضحيتها أكثر من مائة شخص ، وهُدمت فيها منازل ومرافق عامة تشرد ساكنوها وجرفت السيول الآف السيارات وكان نصيبي على المستوى الشخصي والأسري جرح استقر في القلب حيث فقدت في تلك الكارثة شقيقتي ، ومرة أخرى شاءت مشيئة الله أن أكون شاهداً معايشاً لكارثة أمطار وسيول وعواصف العاصمة الرياض التي قصدتها قبل اسبوعين ، وأنا الذي لا أطيق فراقها طويلاً ، للإحتفال بزفاف ابنتي ، فيا للإقدار ، ويا لسبحان الله ، أن تقترن كارثة بفقد عزيز وتقترن الأخرى بفرحة ، وتلك هي مشيئة الله الذي لا راد لقضائه ، له الحمد وله الشكر في كل حال.
ولكن دعنا من حسابات الربح والخسارة على المستوى الشخصي والذاتي ، وانقل بصرك إلى ما هو عام في مثل هذه الأحداث ، تجد ثمة مفارقة بين الحدثين ونتائجهما تثير التساؤل حول مستوى الشعور بالمسؤولية ومستوى الآداء في العمل العام من حيث التخطيط والمتابعة والتنفيذ ، فامطار وعواصف وسيول الرياض امتدت لأكثر من يومين ، بينما لم تتجاوز مدة هطول امطار جدة أكثر من ثلاث ساعات ، ورغم ههذا فان العجب يأخذك حين تقارن خسائرهما في الأرواح والمنازل والممتلكات والسيارات ، هذا الفارق يعكس لك مستويات الرقابة والمتابعة بين مسؤولي المنطقتين .
ولكن ثمة قاسم مشترك في الحادثين يمكن أن يدعو المسؤولين في مختلف مناطق المنطقة إلى التفكير ويتمثل في مشاريع الجسور والآنفاق التي أثبتت التجارب أنها بدلاً من أن تكون حلاً للمشاكل المرورية أصبحت فخاخا للموت .
إلاَّ أن المشكلة في جدة تبدو أكثر تعقيداً واستعصاءً على المعالجة في ظل هذا الكم الهائل من المناطق والأحياء العشوائية غير المناطق المخططة التي تعكس مواقعها في مجاري السيول سوء تخطيط مريع ، عكس ما هو عليه الحال في الرياض ، التي تبدو أكثر تنظيماً ، وبالطبع فإن لمتابعة أميرها الأمير سلمان اللصيقة وتفعيله لمبدأ الثواب والعقاب بصرامة دور في ذلك .
ولكن هذا لا يعني بأية حال خلوها ، أي العاصمة من الأخطاء في التخطيط ، وهيهات أن يبلغ الكمال كائناً من كان ، إلاَّ أنك تقيس الآشياء دائماً على نحو نسبي ، وفي هذا المستوى لا يسعك إلا أن تشيد بمنهج سمو الأمير سلمان في إدارته للمنطقة لأننا دائماً ما نكتب منبهين إلى عزلة المسؤولين التنفيذيين في ابراجهم العاجية وعدم متابعتهم لمن هم أدنى في مراتبهم الوظيفية ، والحال أن المسؤول التنفيذي إذا شعر بوجود من هو أعلى مرتبة منه في مواقع العمل يتابع العمل بشكل مباشر فانه سيكون أحرص على التواجد بشكل تلقائي.

أكـاديمي وكـاتب سعودي