برحيل النقيب ملحم كرم (1934 2010) فقدت الصحافة اللبنانية أفحَل كتّابها، وفقدت نقابة المحررين الدينامو الذي نقلها من حال الى حال. فبعدما كانت تجمعاً للصحافيين، صارت معه مجمعاً صحافياً أسوة بغيره من المجامع في العالم العربي، يصول ويجول في ارجاء السلطة الرابعة، لتبقى حريته معززة مُكرَّمة ومُصَانة من اي تعد او خدش يمكن ان ينال من جوهرها.
كانت نقابة المحررين، وعلى ما يقرب من خمسين عاماً، الشغل الشاغل لملحم كرم، حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم، من دور ومكانة، بهمّته وهمّة من حمل معه مهامها الكثيرة والمتنوعة، حيث استطاعت ان تحقق للمحررين، ما كانوا يطمحون اليه، مهنياً واجتماعياً وانسانياً، فصار المحرر قوياً بنقابته، وصارت النقابة قوية بمحرريها.


واذا كنا نقول وفاءً، ان الفضل في ذلك كله يعود الى ملحم كرم، كان ملحم كرم نفسه يعيد الفضل الى من كان معه، ومن كان الى جانبه، على مدى عقود خمسة، فآزرهم وآزروه، وساعدهم وساعدوه، ولم يتركهم ولم يتركوه، وبقوا الى جانبه حتى دقت ساعة رحيله، ولم يكن بينهم وداع، لانهم على يقين بأنه باقٍ فيهم وباقٍ معهم.


أنا من جيل محرري الستينات من القرن الماضي، وعشت، مع غيري من رفاق المرحلة، الصعاب الجمّة التي مرت بها نقابة المحررين يوم تولاها ملحم كرم بالانتخاب، وتشاركنا في مواجهة تلك الصعاب، بعزم واحد وارادة واحدة، وتحمّلنا من اجهزة يومذاك الكثير من المضايقات والملاحقات والاختلاقات والافتراءات، قبل ان تُحسم الامور لصالح ما كان ينادي به ملحم كرم، ويقاتل من اجله، للوصول الى تحقيقه.
مشوار النقيب ملحم كرم مع نقابة المحررين لم يكن سهلاً على الاطلاق، كما قد يظن البعض، وانما كان مزروعاً بالمشاكل، وهو استطاع بقدرته وفطنته ويقظته ان يزيل من طريقه، الواحد منها بعد الآخر، بمعاونة هيئة اركان عرفت على مدار ساعات الليل والنهار، كيف تخطط له، ليبقى على رأس النقابة دورة بعد دورة بعد دورة، الى ان وافته المنيّة، وهو نقيب عامل فاعل عن حق وحقيق.
ان مسيرة ملحم كرم في نقابة المحررين مكلّلة بالانجازات، لذا يجب ان تستمر، وإن هو غاب عنها، فهي مسيرة نقابية ناجحة ومثمرة على كافة المستويات، مسيرة اهدت نجاحها وثمارها الى كل محرر منضوٍ تحت لوائها، إن داخل لبنان، او خارجه كما حالي، وحال غيري.


وحتى تبقى هذه المسيرة على ديناميكيتها، أرى انه من المستحسن ان يكون على رأس نقابة المحررين في المرحلة المقبلة:
* شخص اختزن عن فهم تجربة ملحم كرم وادرك ابعادها ومراميها واختبرها عن قرب، وكانت له فيها مساهمات حيناً، ومحطات احياناً، كما كان في قلبها ازاء ما يتعلق بعمل النقابة، وشؤونها وحتى مواقفها عند الازمات.
* شخص يعرف جميع المحررين من دون استثناء دوره في تسيير عجلة النقابة، من حيث الحضور الدائم، والسؤال المتواصل عنهم، وعن نشاطهم ومصادفاتهم.
* شخص لا يحتاج الى تعريف، ولا مأخذ نقابي عليه من احد.


* شخص يشهد له الجميع بتفانيه في خدمة النقابة ، مع ما في هذا التفاني من تجرد ومحبة واخلاص.
* شخص لا غبار على وطنيته ، ولا على نقابيته ، ولا على مناقبيته.
* شخص وضع علاقاته واتصالاته في تصرف النقابة، فوثق به النقيب ملحم كرم، وترك له يوميات النقابة.
وفي هذا المجال اول ما تبادر الى ذهني اسم الزميل الياس عون، لأنني اعرف انه كان ركن النقابة في زمن النقيب ملحم كرم، ولا شك في ان النقابة تحتاجه الآن، بعد رحيل كوكبها، اكثر من اي زميل آخر، فهو يعرف دورها ومتطلباتها، وهي تعرف تطلعاته وقدراته.


وكما يقال، ان الرجل هو السياسة، اقول ان الرجل هو النقابة. وما انجزه النقيب ملحم كرم لنقابة المحررين قد لا يستمر ولا يتعزز، الا بوجود الزميل الياس عون على رأس النقابة، لأنه من موقعه الحالي، ومن ملازمته للنقيب ملحم كرم، ومن معرفته بما كان يدور في ذهن صديق عمره، ورفيق دربه، قادر على تحديث بنيتها والحفاظ على مكتسباتها، وضخّ دم جديد فيها، ليكون خير خلف بالاستحقاق، لخير سلف بالتأكيد.
وهكذا تنتعش مسيرة النقيب الراحل ملحم كرم وتتطور وتنطلق نقابة المحررين مع نقيبها الجديد نحو آفاق المستقبل بخميرة الماضي وذخيرة الحاضر.

*ريمون عطاالّله صحافي لبناني ورئيس تحرير شهرية quot; الديبلوماسي quot; التي تصدر من لندن- عدد تموز/يوليو.