كما ذكرنا في الحديث السابق كان اتاتورك حريصاً على تحديد الإنجاب كمظهر حضاري اوروبي. النخبة بمن فيهم أصحاب المناصب الرفيعة في الدولة والضباط من كل الرتب وكل من كان يعمل في سلك التعليم وبقية مجالات الحضارة، ذهبوا في تقدس كل شيء يصدر عن اتاتورك وتقليده حرفياً.

كل تلك الشرائح المذكورة أعلاه لم يعودوا ينجبون أكثر من طفلين أو ثلاثة على الأكثر. رئيس الجمهورية الأسبق سليمان ديميريل ورئيس الوزراء الأسبق بولنت اجفيت لم يخلفا أولاداً على الإطلاق ولم يتزوجوا على زوجاتهم، أما قائد إنقلاب 1980 الجنرال كنعان أفرين فقد إكتفى ببنتين فقط....وهكذا هلم جراً. وبمرور عشرات السنين إنتقلت هذه العادة الحميدة الى جميع شرائح المجتمع التركي بمن فيهم الفقراء حتى يُظهِروا للغير مدى إستيعابهم للحياة العصرية. وجود أكثر من ثلاثة أطفال في أية أسرة كان يعتبر دليلاً قاطعاً على الجهل والتخلف وسبباً للإصابة بعقدة النقص أمام الآخرين.

الجميع وجدو ا فوائدا كبيرة من تحديد الإنجاب، حيث تستطيع العائلة تحسين وضعها الإقتصادي وكذلك توفرت لها الوقت الكافي للإعتناء بالأطفال وتربيتهم وتعليمهم بالإضافة الى تحسن الوضع الصحي للنساء. لم يكن يخطر على بال أحد أن هذا المبدأ الكمالي سيصبح خطراً حقيقياً على quot;الوجود القومي السكانيquot; للطيف التركي في الدولة حيث أدى لاحقاً الى الإختلال في التوازن السكاني لصالح الطيف الكردي.

السبب في الإختلال السكاني موضوع البحث حصل نتيجةً للفكرالقومي العنصري الذي سارت عليه كل الإدارات والحكومات فيquot;جمهورية الكماليزم quot;التركية.

كيف؟.

سياسة الدولة التركية منذ التأسيس عام 1923 كانت ولاتزال تهدف الى الحفاظ على بقاء المناطق الكردية في حالة تخلف وفقر من كل النواحي شاملاً الوضع الإقتصادي والتعليم ولاسيما التركيزعلى أن يبقى المجتمع الكردي على حالته الريفية والقروية البدائية بما في ذلك الإنفجار في زيادة الإنجاب والذي يٌشكل السمة البارزة للتخلف في كل المجتمعات كما هو معروف.

في منتصف ثمانينات القرن الماضي بدأت بعض الأصوات بالوشوشة عن إحتمالات إنقلاب التوازن السكاني في تركيا لصالح الكرد. إلا أن أجهزة الدولة السرية قمعت تلك الأصوات في مهدها خوفاً من أن يتجه الكرد الى المزيد من الإنجاب بشكل هادف على يد الأحزاب السياسية الكردية كسبيل وحيد للتخلص من ظلم وهيمنة الترك على الدولة.

من الناحية العلمية الإحصائية يتم قياس درجة الإنجاب في مجتمعٍ ما،كالتالي: هو نسبة مجموع عدد المواليد في المجتمع أو الدولة الى مجموع عدد النساء وهن في سن الإنجاب. وحتى يحافظ أي مجتمع أو دولة على عدد سكانه دون تغيير يجب أن تكون درجة الإنجاب المذكورة أعلاه 2،1 أو بعبارةٍ اخرى على كل إمرأة في سن الإخصاب إنجاب 2،1 طفل إحصائياً. مثلاُ عدد سكان السويد هو تسعة ملايين نسمة و درجة الإنجاب هو 1،94.هذا يعني أن المجتمع يسير نحو الشيخوخة وهبوط في عدد السكان مستقبلاً.

في السابع من حزيران هذا العام نشرت كل الصحف التركية تصريحاً لسالم أنصاري اوغلو وزير الدولة الأسبق في حكومة السيد نجم الدين أربكان قال فيه: في عام 1997 تلقينا في إحدى إجتماعات مجلس الوزراء توصية من مجلس الأمن القومي التركي يطالب فيه الحكومة إصدارقانونٍ يتم بموجبه معاقبة كل عائلة كردية تنجب أكثر من ثلاثة أطفال!!.

كما جاء في نفس التوصية تلك جلب الإنتباه الى أن نسبة عدد السكان الكرد سيقترب الى خمسين بالمئة من مجموع سكان تركيا سنة 2005 في حال إستمر ار الإنجاب على ما هو عليه حسب ما ورد في جريدة (الزمان) التركية في نفس التاريخ.

هذه الأفكارالعنصرية المجنونة لم تكن لها أية وسائل عملية لتطبيقها على أرض الواقع، ولكنها في ذات الوقت تشكل دليلاً قاطعاً على بلادة وعقم العقل العنصري والمعادي عند العسكر ضد المواطنين الكرد، بل ضد الطيف التركي أيضاً بقصد التحكم بالسلطة من وراء الستار. الإنقلابات العسكرية خير مثال.

منذ ما يقرب من سنتين أو أكثر خرج رئيس الوزراء السيد رجب طيب اردوغان الى الملأ بشكل مفاجئ قائلاً: quot;على كل أسرة إنجاب ثلاثة أطفال على الأقلquot;. في هذا العام وبعد عدم نجاح مشروعه الآنف الذكر لمح اردوغان الى منح المكافآت الى الأسرالأكثر إنجاباً لتحفيز العائلات من الاتراك على زيادة الولادات. هذا الكلام يصدر من رئيس الوزراء التركي الذي يكرر صباح مساء رغبته بالإنضمام الى الإتحاد الاوروبي، علماً أن الزيادة السكانية في تركيا يشكل أهم عائق للعضوية في النادي الاوروبي.

[email protected]