كثيراً ما يجري الحديث في وسائل الإعلام الكردية الحزبية الرسمية منها أو الفوق رسمية، عن quot;كردستان الحرةquot;، وquot;مؤسساتها الديمقراطيةquot;، وquot;الفصل العلمانيquot; المفترض بين سلطاتها، وسوى ذلك quot;حدوتاتquot; كرديات، عن quot;الحرياتquot; وquot;الديمقراطياتquot; التي يُراد لها أن تكون مفصلةً، على الطريقة الكردية quot;الفاخرةquot;.

والأنكى أنّ لهذه quot;الموديلاتquot; من الحرية وخالاتها وعماتها، في كردستان وخارجها، منظروها الكبار في quot;الفوق فوقquot;، الذين يكتبون ليل نهار، في مديح هذه التجربة quot;الفريدةquot;، كردياً. لا بل أنّ البعض من هؤلاء، يذهب أبعد من ذلك بكثير، إذ يريد لهذه التجربة أن تعمّم في عموم المكان والمنطقة برمتها.

لا يُنكر، أن كردستان في quot;عراق هوليرquot;، هو عراقٌ آمن نسبياً، مقارنةً مع عراق بغداد. وهذه نقطة تُسجل للفوق الكردي هناك، الذي استطاع للآن أن يحمي كردستانه من quot;حمىquot; الإرهاب وحممه.

ولكن هذا ليس كلّ شيء.

كردستان الفساد الراهن، من أعلى فوقٍ فيها إلى أدناه، ليست بخير، كما يُزمّر ويطبّل لها، حسب quot;متطلبات ظروف المعركة المصيريةquot;، هنا وهناك.

فالمتابع لشئون quot;كردستان الفوقquot; وتحالفاته وتعاقداته وتعهداته هناك، سيلحظ بأنّ كردستان بالنسبة للفوق الحاكم، ليست أكثر من quot;مزرعة ترانزيتquot;؛ وطن بلا quot;ميعادquot;، أو وطن quot;تعهدات ترانزيتquot;، وquot;عقود ترازيتquot;، وquot;قرارات ترانزيتquot;، وquot;سياسات ترانزيتquot;، وquot;مليارات ترانزيتquot;.

كردستان الآن، هي كردستان حاضرة فقط، لا مستقبل منظور فيها.
هي كردستان quot;مرفّهةquot; جداً في الفوق، وquot;مدشرةquot; جداً في التحت.
كردستان quot;من برّا هلاّ هلاّ ومن جوا يعلم اللهquot;.

بناء القصور في أعلى كردستان، يتقدم بكثير، على بناء المصانع والمنشآت والمشاريع الحيوية في تحتها.
منارات الجوامع، هناك، تعلو بكثير، على منارات العلم والمدارس والجامعات.
بناء ورصّ صفوف الحزب، هناك، هو أهم بكثير من بناء الدولة ومؤسساتها.
وبناء كردستان في عشيرة، هناك، يتفوق بكثير، على بناء كردستانٍ في وطن.

كردستان الموجودة هناك، كما عايشتها في النصف الأول من يوليو الماضي، هي quot;كردستان المسيارquot;؛ كردستان متزوجة من ثلاث(حزب+دين+عشيرة)، على طريقة المسيار.

المعروف في هذا الزواج، هو أنه زواج quot;سيّارquot;، سهل العبور؛ زواجٌ quot;سايرquot; أو quot;ماشيquot;، سهل الأثقال والمتاعب والواجبات. فالمسيار، هو quot;المرور السهلquot;، وعدم المكث الطويل في مكان.

والمسيار لغةً(حسب quot;لسان العربquot;)، هو من السير، أيّ المضي في الأرض، يقال: سار يسير مسيراً، وتسايراً، وسيرورةً، إذا ذهب.
وتقول العرب: سار القوم يسيرون سيراً ومسيراً، إذا امتد بهم السير في جهة توجهوا لها، والتساير تفاعل من السير، ومسيار صيغة مبالغة، يوصف بها الرجل كثير السير، تقول: رجل مسيار وسيّار.
أما المسيار في اصطلاح أهل الفقه والفتوى، فquot;هو الزواج الذي يذهب فيه الرجل إلى بيت المرأة، ولا تنتقل المرأة إلى بيت الرجل؛ وفي الغالب تكون هذه الزوجة ثانية، وعنده زوجة أخرى هي التي تكون في بيته وينفق عليهاquot;.

أما الأسانيد التي يستند إليها هذا quot;الزواج السيارquot;، فهي نصوصٌ من القرآن والسنة النبوية.
من هذه النصوص مثلاً:
quot;وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً(النساء: 24)
quot;وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَquot;(البقرة: 236)
وروى البيهقي في سننه الكبرى عن محمد بن كعب. ان ابن عباس قال: كانت المتعة في اول الاسلام وكانوا يقرؤن هذه الاية، quot;فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضةًquot;.

وجاء في صحيحي البخاري ومسلم ومصنف عبد الرزاق واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله ( ص ) فقال: ان رسول الله قد اذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء.
وعن الرَّبيع بن سبرة الجهني، عن أبيه: أن النبي قال: استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا يومئذ التزويجquot;.

إذن، الأساس في هذا quot;الزواج السيارquot;، هو أنه زواج quot;متعة سيارةquot;، أو زواج للإستمتاع quot;الفاخرquot;، بإمتياز.

هكذا هي كردستان الآن: quot;زوجة مسيارquot;، لquot;متعة سيارةquot;، يستمتع بها الفوق الكردي الممثل بثلاث: الحزب والدين والعشيرة.
هذا الفوق أو quot;الزوج المثلثquot;، هو المتزوج الأكيد من كردستان، والمستمتع الوحيد بها، على طريقة quot;المسيارquot; الكردية.

صحيح أنّ الضلع الأساس في هذا المثلث السلطوي في كردستان هو الحزب، ومن الحزب هو البارتي الديمقراطي الكردستاني، ومن هذا الأخير هو العشيرة، ومن هذه هو صفوتها، أو quot;قريش كردستانquot; الممثل بquot;آل بارزانquot;، ولكن الصحيح أيضاً، هو أنّ لا قرار في كردستان، دون أخذ مصالح هذا المثلث، قليلاً أو كثيراً، حسب الحاجة، بعين الإعتبار.

فمن مصلحة هذا الزواج الكردي المسيار، أن يُختزل الفرد في الجماعة، وأن تُختزل المواطنة في التبعية، والحرية في العبودية، والجامعة في الجامع، والمدينة في الخيمة، والوطنية في quot;العصبويةquot;، وكردستان في الحزب، وصورة الوطن في صورة القائد(لقراء إيلاف حصراً: هذه العبارة تشمل كل القادة الكرد بدون استثناء، بدءاً من البارزاني مروراً بالطالباني وليس انتهاءً بأوجلان).
من مصلحة هذا الزواج quot;الممتعquot; كردياً، أن تعلو quot;متعةquot; الفوق بكردستان، على متعة المواطنين في كردستان.
من مصلحة هذا الزواج وأربابه، أن تعلو فنادق quot;خمس نجومquot; على حريات وحقوق خمس نجوم.

هناك من يسمي زواج المسيار بquot;زواج النهارياتquot;، كما كان يعرف في أيام المتصوف المتكلم الحسن البصري(المولود في المدينة عام واحد وعشرين والمتوفي سنة عشر ومئة للهجرة).
وذلك لأن الزوجين في المسيار، يتفقان في الأساس، على ألا يكون للزوجة حق المبيت والسكنى ولا الحقوق المالية. فالزوج له كامل الحرية، بأن يدخل على زوجته في أي ساعةٍ من ساعات الليل أو النهار.

وهكذا هي حال quot;كردستان المسيارquot;، مع أزواجها الثلاثة.

كلٌ يستمتع بها وقت يشاء، وبالطريقة التي يشاءها، في quot;متعة الفراغquot; المشاءة.
فهذا يريد كردستان لquot;متعة صفراءquot;، وذاك يريدها لquot;متعةٍ خضراءquot;، وآخر يريدها لquot;متعةٍ محجبة أو مخمّرة أو مبرقعةquot;.
الكل في هذا quot;المثلث العاليquot;، يبحث عن متعته، quot;العاليةquot;، الكاملة غير المنقوصة معها، وكردستان هي الضحية.
الكل في هذا quot;الفوق المسيارquot;، يجمع ملايينه وملياراته، ويهرّبها إلى quot;متعته الأساسquot;، خارج كل كردستان، وكردستان هي المستمتَعة بها أبداً.

الكل من كلّ فوقٍ، ينام معها، بحريته، ولحريته، مع كردستان، وكردستان تبقى هي الخارجة عن كل حرية.
الكل القائم على شأن الفوق المكوّن من quot;العصبيات الثلاثquot;، يشرّع لزواجه المسيار من كردستان، وكردستان تبقى quot;وطناً مسياراًquot;، لا يستقرّ فيه شرعٌ أو قانون.

كردستان، والحالُ، هي quot;زوجة مسيارquot;، لثلاث، هم الحزب والدين والعشيرة.
كردستان الآن، ليست quot;وطناًquot; للإستمتاع، ليستمتع المواطن به وفيه ومعه، بقدر ما أنها quot;وطنquot; لمتعةٍ سيارة، لفوقٍ كرديٍّ مسيار.
كردستان، تمشي بالمسيار، تقوم وتقعد بالمسيار، تنام في المسيار وتستيقظ على المسيار:
الحكومة فيها مسيار، والبرلمان مسيار، والقضاء مسيار، والجريدة مسيار...

كردستان هي ثلاث، أو quot;زوجة مسيارquot; تحت ثلاثة: quot;رّب الحزبquot;، وquot;ربّ الدينquot;، وquot;رّب العشيرةquot;.


[email protected]