بعض الحكام والسياسيين يستفيدون من الطائفية البغيضة وسيلة لوصولهم للحكم بل واستمرار حكمهم لأنهم لايمتلكون رؤية وطنية ومشروعا وطنيا للدولة المدنية فيكون استغلال الطائفية وسيلة لتجميع بعض أتباع مذهبهم تحت شعارات وعناوين موهمة مذهبية. فى العراق الجريح حيث كان من العيب جدا قبل 2003 أن يعرّف العراقى نفسه بمذهبه وطائفته والنظر إلى الآخر على أساس طائفته أبدا فقد كان التعايش والإندماج من أجمل ما تعيشه المنطقة بل حتى الزواج بين السنة والشيعة يمثل أعلى المستويات فى المحبة والتعايش والإندماج ولن تجد عشيرة سنية أو شيعية لم تندمج مع أخواتها من المذهب الآخر. ولكن وبعد التغيير 2003 وظهور الإسلاميين وأحزابهم الطائفية والسيطرة الصفيونية الإيرانية أدخلت المذهب فى كل الجوانب والمفاصل حتى الحساسة من الدولة وقسمت الناس والمدن والمناصب على أساسها وكان ذلك إشغالا عن المشروع الوطنى العراقى والدولة المدنية الحديثة.

جاء فى القرآن الكريم (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شئ) وأمر بالإتحاد (واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا) ونهى عن الفرقة والتفرقة (ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)، كما ورد عن الرسول (المسلمون يد واحدة يسعى بها أدناهم) وفى وصيته قبل وفاته (لاترجعوا من بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) وغيرها

رفع حكام العراق الجدد شعار الطائفية حتى ادعوا زورا أن السنة يمثلون حزب البعث وربط الإجتثاث به، وأن الأحزاب الطائفية تريد استرجاع خلافة الإمام على منذ أكثر من ألف عام -زورا وبهتانا_ ويهددون الناس برجوع البعث ويقصدون السنة إلى الحكم، وقد استغلوا العواطف الشيعية والإستغراق فى المظلومية التاريخية المتوهمة واستغلال الحسينيات والمساجد والمرجعيات فى التبشير لدولتهم وحكم الشيعة وهم يؤمنون فى أيديولجيتهم بالحكومة الدينية وارتباطها بالفقيه فيما أشبه بولاية الفقيه فى إيران وهى لاتخفى علاقاتها وارتباطاتها بالحكومة الإيرانية رغم فسادها وسيطرتها فى العراق ولولا إيران لما حصل الإئتلاف الشيعى 555 سابقا والتحالف الشيعى الآن لتشكيل الكتلة الأكبر بعد الإنتخابات حيث لم تحصل على الأصوات الأكبر.

الحقيقة أن السنة لايمثلون حزب البعث فقد كان من الشيعة ما لايقل عن السنة فى حزب البعث ولم يكن الحزب مذهبيا أو دينيا بل علمانيا فى فكره وسلوكه كما لم تكن قياداته دينية كحال الأحزب الدينية الحاكمة اليوم. ومن هنا ما يقوم به وزير التعليم العالى والقيادى فى حزب الدعوة الحاكم فى اجتثاث الكفاءات وأساتذة الجامعة فى الوقت الذى يدخل طلاب حوزات قم كأساتذة فى جامعات العراق يعتبر انتهاكا صارخا لمبادئ التعليم العالى وقيمه علما أن البعض يشكك فى شهادته واختصاصه وأهليته لهذا المنصب، وهذا يذكرنا بفترة غياب وزير التعليم العالى السابق واستغلال رئيس حزب الدعوة ذلك فى تعيين مستشارين ثقافيين ونوابهم من الحزب أو قريبين منه ممن اتهموا لاحقا بقضايا كبيرة كتوثيق الشهادات المزورة. كما أن الحزب الحاكم اتهم المتظاهرين الشباب فى ساحة التحرير ببغداد وغيرها بحزب البعث وهو كذب مفضوح يشرح استغلال قضية البعث لكل ناقد لأداء الحكومة وفسادها

أما الأحزاب الطائفية الحاكمة اليوم فهى لا تحمل مشروعا للدولة المدنية الحديثة بل لاتمثل بحال من الأحوال الأكثرية الساحقة من الشيعة العرب الذين لايؤمنون بهذه الأحزاب ولايقبلون بالتدخلات الصفوينية الإيرانية، إنما الأكثرية الصامتة يؤمنون بالعراق والتعايش والمحبة مع إخوانهم السنة العرب وغيرهم كمواطنيين متساوين فى المواطنة تحت ظل القانون المغيب والمنتهك. يتوهم بعض قياديى الأحزاب الطائفية أن الشعب لم يكتشف لعبتهم ولازال يمكنه استغلال الورقة الطائفية وهى الورقة الوحيدة بيده ليستمر فى الحكم حيث يفقد أى رؤية للمشروع الوطنى ولاممارسة عملية خدماتية للشعب، والواقع أن الأكثرية من الشعب والأكثرية من الطائفة الشيعية لازالوا مسحوقين منكوبين مهمشسين لايمتلكون أى مقومات للحياة الحرة الكريمة وأبسط الخدمات وقد وعوا وفهموا أكاذيب السياسيين الذين استغلوهم ورفعوا شعارات طائفية لمصالحهم الشخصية دون اكتراث بالفقراء والمساكين وإن كانوا من طائفتهم.

لاشك أن المشروع الطائفى البغيض يحاول تفتيت البلد وتقسم الشعب وإضعاف الوطن وهو ما يريده أعداء العراق من كونه ضعيفا مقسما وقد جرت خطط كثيرة فى محاولة لإشعال حرب طائفية يحيل الطوائف إلى تكتلات طائفية يقودها طائفيون لايسعون إلى طائفتهم بل إلى مصالحهم الشخصية ولذلك أفشل الشعب الواعى كل هذه المحاولات الطائفية البغيضة رغم معاناته فى ثمان سنوات عجاف لحكم الأحزاب الدينية الطائفية

لو ذهبت إلى المناطق الشيعية سواء فى بغداد أو الجنوب فإنك تجدها مسحوقة معدومة محرومة من أبسط الخدمات الضرورية بينما تعيش الرموز الطائفية سواء فى المنطقة الخضراء أو غيرها فى رفاهها وبذخها وطغيانها وجبروتها مما يكشف أن الطائفيين لايهتمون بطوائفهم أصلا ولذلك لم يقوموا بأى خدمات لهم ولا إلى مناطقهم البائسة كليا

إكتشف الشعب إزدواجية معايير السياسيين الطائفيين فبينما هم مثلا يدعون اجتثاث البعث تجد من مستشاريهم ومقربيهم ممن كان مسؤولا بعثيا كبيرا سابقا ويشمله الإجتثاث لكنه استثنى لمصالح شخصية بحته كما أبعدت الكفاءات الحقيقية ليحل محلها أصحاب الشهادات المزورة بالآلاف الذين عفى عنهم المسؤولون الطائفيون

رأيت بعض الشيعة المسحوقين زمن النظام السابق وهم يشتغلون اليوم فى نفس حرفتهم البسيطة السابقة الشاقة ولاتكفيهم قوت يومهم ولاتسد رمقهم فضلا عن عائلتهم، فسألت أحدهم (كيف ترى النظام الجديد وقد سقط صدام الذى قتل من عائلتك الكثير؟) قال لى (تغير اسم حزب البعث إلى حزب الدعوة والمعاناة واحدة إن لم تكن أسوأ لأنها باسم الدين وباسم الله فهل يقبل الله بالظلم) سألته (هل ستنتخب الأحزاب الدينية مرة ثانية؟) قال لى ببساطته وبداهته (لا والله لن ألدغ منهم مرتين ولن أنتخب إلا الوطنى الشريف) يبدو أن الأحزاب الطائفية لاتمثل إلا نفسها ولاتمثل طوائفها بحال من الأحوال أصلا وأبداً، والكل يرى أكثر الطائفة مسحوق معدوم مهمش فقير مستضعف

الدولة الطائفية تميز بين المواطنين على أساس طائفى بغيض فى الحقوق والواجبات والتوظيف والإمتيازات لذلك تكون الدولة الطائفية بعيدة كل البعد عن بناء الوطن كما نراه فى عراق اليوم

الطائفية غير الطائفة التى من حقها الدفاع عن حقوقها بأشخاص وطنيين كفوئين من طائفتها حيث أن كل طائفة فيها من الشرفاء الوطنيين الكفوئين لكن المشكلة عندما تسود الحزبية والطائفية والأجندة الخارجية فإنه يحجب الكفوء ويحل محله الحزبى وإن كان فاسدا صاحب الشهادة المزورة والذى لايهمه البلد ولا الطائفة لا من قريب ولا من بعيد

لاتصلح الطائفية للعراق بل يصلحه المشروع الوطنى العراقى والدولة المدنية الحديثة حيث استقلال السلطات الثلاث وقوة واستقلال القانون والقضاء ومحاربة الفاسدين الكبار وثقافة الوطن والمواطنة لتحقيق الكرامة والحرية والديمقراطية لكل المواطنين ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب