التكهن برئيس تونس المقبل أصبح امرا مشروعا و ممكنا، بعد ان كان مجرد التفكير في ذلك يعد جريمة لا تغتفر. فرئيس العشر سنوات المقبلة و من سيخلفه او سيرثه كان معروفا مسبقا، و سيناريوهات التمديد و التوريث التي كانت عصابات الفقه الدستوري تخطط لها في الظلام، كانت مكشوفة من القاصي و الداني و إن اختلفت في بعض التفاصيل الصغيرة التي لم تكن ستغير من مستقبل تونس السياسي.

من سيحكم تونس اذن بعد ستة اشهر او اكثر بقليل؟ قد يقول البعض ان هذا السؤال هو سابق لأوانه، لأن الخارطة السياسية التونسية الحالية ما تزال غامضة، كما ان عدم استقرار رأي الشارع السياسي التونسي لحد الآن على النظام السياسي الذي سيميز مستقبل تونس، رئاسيا ام برلمانيا،ربما يؤجل الإجابة عن هذا التساؤل، زد على ذلك غياب فئة الزعماء السياسيين البارزين المعروفين من شريحة واسعة من التونسيين نتيجة التصحر السياسي الذي خلّفها النظام المخلوع، كلها عوامل قد تجعل من التكهن برئيس تونس المقبل أمرا صعبا، لكن ذلك لا يعني غياب بعض المؤشرات الدالة على ان التنافس السياسي الحقيقي، على الأقل في الفترة المقبلة، سينحصر في بعض الوجوه السياسية، إلا اذا قرّر رجال الأعمال الدخول على خط التنافس الرئاسي وهي الفئة التي كانت منذ استقلال تونس تكتفي بدور لاعب الظل للحزب الواحد و الرئيس الأوحد.

و لم يخف احمد نجيب الشابي أحد ابرز معارضي النظام المخلوع و مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي رغبته في الترشّح للانتخابات الرئاسية خلال العهد السابق لكن في كل مرة كانت رغبته تواجه بترسانة من القوانين الاقصائية quot;على المقاسquot; تزيحه من الانتخابات. ويحظى الشابي باحترام واسع من عديد الفئات السياسية و الثقافية و الطلابية بتونس. كما تربطه علاقات جيدة بالتيار الإسلامي وهو التيار الذي سيكون احد العناصر الحاسمة في الانتخابات الرئاسية المقبلة خاصة بعد إعلان زعيمه راشد الغنوشي بأن حزبه لن يقدم مرشحا للرئاسة و لكنه سيدعم احد المرشحين. كما ان الحزب اتخذ موقفا مرنا من تشكيل الحكومة الانتقالية و ذهب حتى الى قبول عناصر من النظام السابق في هذه الحكومة مما جعله عرضة لانتقادات واسعة يمكن ان تؤثر على مرشحيه في الرئاسية و التشريعية.

و سبق لأحمد ابراهيم امين عام حزب التجديد، و وزير التعليم العالي في الحكومة الانتقالية الحالية الترشح لانتخابات 2009، وقدم نفسه آنذاك على انه مرشح جدي للرئيس المخلوع بن علي، واستفاد حسب اعتقادي من ذلك الترشح رغم انه لم يحصل الا على الفتات في انتخابات مزورة من أولها لآخرها، لكنه تمكّن على الأقل من quot;تمريرquot; اسمه للشارع التونسي، كما ان وجود احمد ابراهيم على رأس وزارة في الحكومة الانتقالية سيمكنه من البروز إعلاميا وهذه نقطة مهمة بالنظر الى الدور الذي يمكن ان يلعبه الأعلام في التعريف بالمرشحين.

و من غير المستبعد ان يعلن كمال مرجان وزير الخارجية السابق ترشحه للانتخابات المقبلة رغم ارتباطه بالنظام السابق، حيث كان يروج تحت نظام الدكتاتور بن علي ان كمال مرجان هو مرشح أميركا المفضل لخلافة بن علي، كما كان كمال مرجان من بين الوجوه التي حاول الوزير الأول محمد الغنوشي الإحتفاض بها في حكومته، لكنه تراجع عن ذلك تحت ضغط الشارع واتحاد الشغل وأحزاب سياسية متعددة. ولم يخف كمال مرجان رغبته في تأسيس حزب اشتراكي ليبرالي وهو اذا تم بالفعل فإنه سيجمع حوله الآلاف من منتسبي الحزب الحاكم سابقا، وهم بحسب الأرقام الرسمية يفوقون المليونين.

و تبدو حظوظ بقية الأحزاب السياسية ضئيلة، فقد ضيع الدكتور مصطفى بن جعفر زعيم حزب التكتل من اجل الحريات، فرصة تاريخية له برفضه حقيبة وزارة الصحة بعد قبوله للمنصب في بداية الأمر، ليقرر بعد ذلك الاصطفاف الى جانب اتحاد الشغل المطالب بإقصاء رموز العهد البائد. اما الدكتور المنصف المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من اجل الجمهورية فقد اعلن وهو ما يزال في مطار تونس عائدا من المنفى، انه سيترشّح للرئاسة، وقد كلفته هذه الخطورة اعتداء سكان المناطق التي زارها، رغم قوله انه تعرّض لمؤامرة. و تبقى حظوظ حزب العمال الشيوعي بزعامة حمة الهمامي ضئيلة اذا ما قرر الترشح للرئاسية، فقد تعرض هذا الحزب طيلة العقدين الماضيين للاضطهاد و القمع و عمل في السرية لمدة طويلة، وهو بذلك بحاجة لبعض الوقت لكي يعيد بناء نفسه و يقدم نفسه كبديل ممكن.

و تشهد بقية الأحزاب التي كانت توصف بالديكورية في العهد البائد، حملات تطهير واسعة شملت أمنائها العامين و رموز المتعاملين مع النظام السابق،وهي أيضا بحاجة لبعض الوقت لتعيد توزيع أوراقها و تموقعها على السياحة السياسية التونسية.

و تبقى جميع الترشّحات رهينة التحالفات السياسية و الاقتصادية و النقابية التي قد تتشكل لدعم أحد المرشحين، و رهينة دعم حزب النهضة الإسلامي الذي خرج أنصاره بالآلاف لاستقبال زعيمهم راشد الغنوشي، هذا اذا سلمنا ان الانتخابات ستكون حرة و ديمقراطية و شفافة.

[email protected]