كان النظام المصري السابق مثالا للديكتاتورية والفساد، فقد قمعت فيه كل الحريات، ولكن والحق يقال خلال العشر سنوات الأخيرة أعطي النظام حرية التعبير للشعب المصري، ربما يكون النظام كان مرغما علي ذلك بعد انتشار تكنولوجيا العصر وخصوصا الانترنت أو كان الرئيس مبارك quot; مكبر دماغهquot; فظل عمنا أحمد فؤاد نجم يهجو النظام ومبارك نفسه لمدة ثلاثين عاما، لم تكن الحرية في البداية مفتوحة فقد كان الصحفيون يهاجمون النظام ولكن في حدود،والحدود كانت شخص الرئيس وعائلته فلم يكن مسموح الاقتراب من شخص الرئيس ولا العائلة quot; المالكةquot; ولكن شباب الانترنت كسر هذه القيود وهاجموا شخص الرئيس وتصرفاته وكذلك عائلته.

كان النظام شديد الذكاء ليستثمر كل شئ لصالحه ولتلميع نفسه أمام العالم الخارجي حتي أن أحمد عز في مناظرته مع البرادعي علي قناة السي إن إن الأمريكية، قال أن في مصر 240 صحيفة وملايين المدونات ومعظمها تهاجم النظام ونترك لهم الحرية ولا نقبض عليهم وهو دليل علي حرية التعبير في مصر!!!

كنا نطلق علي هذه الديمقراطية quot; ديمقراطية النباحquot; فقد كان يعاملنا النظام ككلاب تنبح ويتركنا نقول ما نشاء بدون عقاب وهم يمضون في طريقهم دون التفات لما نكتب أو نقول، حتي دب اليأس في قلوب البعض من الكتاب مرددين كلمة سعد زغلول quot; مافيش فايدةquot; ولكن ظل البعض يتشبث بالأمل وظل يكتب ويدافع عن مبادئه وقيمه ويحلم للوطن بالحرية، كان كثيرون يشفقون علينا ويسدون إلينا نصائحهم بأن نلتفت لمستقبلنا وأكل عيشنا ومافيش فايدة، كان شقيقي الأكبر دائما ينصحني بألا أتعب نفسي وأرهقها لأنه لن يحدث تغيير، كذلك كثير من الأصدقاء ومع تكرار نصائحهم كنت أقول لهم أعلم جيدا أن الأمل شبه مستحيل ولكنني اخترت لنفسي أن أناضل من أجل حرية بلدي والمساواة بين جميع أبنائها مسلمين وأقباط ربما لن يتحقق حلمي لأري الحرية تبسط جناحيها علي وطني والعدل والمساواة يسودان بين أبناء وطني ولكني quot;سأموت وسلاحي في يديquot; وكنت اقصد بسلاحي قلمي.

ظل الشباب يكتب ويدون ثم جاء موقع الفيس بوك ليصبح بوابة للتعبير عن الأفكار ونبدأ عصر جديد من التواصل كشباب ونشطاء ونتبادل الآراء نختلف تارة ونتفق تارة أخري ولكن كان معظم الشباب يتفق علي ضرورة التغيير وحتمية رحيل مبارك ونظامه الديكتاتوري.

لتتحقق المعجزة ويخرج الشباب المصري للشارع مناديا بالحرية وإسقاط النظام، تحت شعار quot; الشعب يريد إسقاط النظامquot; ليلتحم الشباب معا كمصريين مسلمين وأقباط يساريين وليبراليين، إنها الثورة التي حلم بها أستاذنا الكبير مصطفي امين وتوقع حدوثها ولم يمهله القدر ليشاهدها، والثورة التي توقعها عماد أديب من عشر سنوات والخطأ الوحيد أن أديب توقعها ثورة جياع، ولكنه تصورها تماما كما حدثت تماما أمواج بشرية ستطيح بالديكتاتوريات، إنها المعجزة في زمن ندرت فيه المعجزات، لم تكن ثورة جياع بل كانت ثورة قلم ثورة كتاب ثورة مثقفين شباب حلم بالحرية، لتحقق مقولة مصطفي أمين quot; الشعوب لا تقهرquot; قد تهزم ولكنها كالمارد ستنهض يوما.

ومع انطلاق الثورة كنت أتابعها لحظة بلحظة وأتنقل بين محطات التلفزيون المختلفة الأجنبية منها والعربية لأتابع كل ما يقال عنها، وأمام الكمبيوتر لأقرأ كل ما يكتب عنها، لم أكتف بموقف المتفرج فقد شاركت في وسط مدينة تورنتو في 29 يناير تلك الوقفة التى نظمها المصريون بكندا لدعم الثورة، وشاركت في تنظيم وأعداد مسيرة لدعم الثورة يوم الخامس من فبراير وكانت المسيرة تنظمها الهيئة القبطية الكندية للتنديد بمذبحة كنيسة القديسين ولكن سرعان ما غلب الحس الوطني علي المنظمين في مشهد ولد من رحم الثورة، لتتحول المسيرة لدعم الثورة ودعم شباب ميدان التحرير تلبية لنداء شباب التحرير للمصريين بالخارج لدعم ثورتهم، ليخرج المصريون في شوارع تورنتو وفي درجة حرارة -15 علي قلب رجل واحد لهم هدف واحد وهو رحيل النظام.

دائما نقول العمل السياسي هو عمل تراكمي وكل جهد يبذل في مجال المطالبة بالحقوق والمطالبة بالحرية هو بمثابة طوبة توضع لتكون مع الزمن مبني عظيم وبديع تشرق من نوافذه أشعة الحرية، كان البعض يقول لقد خرجنا في مظاهرات قبل ذلك لقد كتبنا مقالات وأصدرنا بيانات وأرسلنا خطابات quot; وما عملتش حاجةquot; أما الآن نستطيع ان نقول لهؤلاء أن الحلم تحقق من خلال تلك الجهود والشئ الوحيد الذي quot; لا يعمل حاجةquot; انك تظل ساكن quot; ولا تعمل حاجةquot;. تهنئة من القلب لكل الكتاب والمفكرين ولكل شباب الفيس بوك وشباب مصر، فمن حق كل منكم ان يسير منتشيا رافعا رأسه ويقول بفخر وبأعلى صوته quot; أنا من أسقط النظامquot;.