مع بداية هذا العام 2011، بدأت تتساقط الأنظمة العربية واحدة تلو الأخرى، فحتى هذه اللحظة سقط نظامان ndash; تونس ومصر ndash; والآن اليمن وليبيا وسوريا في نفس الإتجاه - حيث المسألة مجرد وقت، وعدد القتلى -، فكلما أرتفعت وتيرة قتل المواطنين كلما عجل ذلك بسقوط النظام. ما يجمع بين هذه الأنظمة الخمسة أنها أنظمة صلبة Hardcore أي أعلى من بقية الأنظمة العربية الأخرى (عدا الجزائر التي أعتبرها ضمن هذه الفئة) من حيث درجات القمع والطغيان والفساد السياسي والمالي وباقي الموبقات المعروفة.

بعد أن يتم سقوط هذه الأنظمة ستتحول الأضواء الى الأنظمة الرخوة Softcore، الأنظمة الملكية بشكل رئيسي، والتي قد تنجح في تذويب أي إنتفاضات داخلية لبعض الوقت، والذي قد يمتد بضع سنين، وذلك عن طريق تقديم بعض الإصلاحات السياسية الشكلية مدعومة أحيانا quot;بشرهاتquot; مالية للمواطنين، إذا كانت من الممالك الغنية، أضف لها شراء ذمم بعض القوى الداخلية من قيادات قبلية أو دينية والتي تساعد في تخدير الشعب لمزيد من الوقت.

بالطبع لكل بلد تركيبته الإجتماعية/السياسية كما شاهدنا خلال الأشهر الماضية، لكن في نهاية المطاف تبقى المطالب الشعبية متطابقة: الحرية والمشاركة السياسية من خلال مؤسسات ديموقراطية تخلق نظاما يحد من نهب المال العام من خلال القدرة على مساءلة من هم في السلطة ومقاضاة الحرامية quot;كائنا من كانوquot; ndash; قولا وفعلا ndash; وبشكل يشبه ولو بدرجة quot;ربعquot; ما نراه في الدول الديموقراطية الغربية.

أقول quot;ربعquot; لأنه من المستحيل أن نتحول في يوم وليلة الى أنظمة ديموقراطية كاملة النمو، فأسهل ما في الثورات هو إسقاط الأنظمة، والتحديات الحقيقية تبدأ بعد ذلك من بناء مؤسسات النظام الجديد وخلق ثقافة جديدة بقيم حديثة داخل المجتمع تنسخ ما سبقها من محسوبيات وفهلوة وطبقيات وغيرها من ترسبات أخذت عشرات السنين لتصبح عناصر راسخة في الذاكرة الثقافية للمجتمعات العربية. والأهم من هذا وذاك أن تؤسس الأنظمة الجديدة لرفع درجة quot;الفردانيةquot; لدى المواطن العربي، ذكرا وأنثى، من خلال شطب عقلية الوصاية على الفرد التي تمارس عبر مؤسسات المجتمع الأهلية مثل القبيلة أو تلك المتلبسة بالدين أو حتى العائلة.

كلما أرتفعت درجة الفردانية في المجتمع كلما أزدادت فرص تطور النظام السياسي ومعه يزدهر الإقتصاد لأن حرية الفرد في مجتمع يحكمه القانون تقود حتما للإبداع وارتفاع درجات الإنتاجية وكفاءة عالية في الأداء.

بدأ الإختبار حول هذه المسائل في تونس ومصر وسنرى عن ما إذا كانت هذه الثورات قد أطلقت العنان لتلك الشعوب نحو آفاق جديدة، أم أن الحكاية قد توقفت عند إسقاط الأنظمة الحاكمة بينما بقي المجتمع وثقافته السائدة كما كانت عليه عبر العقود الماضية جامدا كالصخر.
عندها نحتاج الى ثورات إجتماعية-ثقافية لا تبقي ولا تذر.

كاتب سعودي
[email protected]