حسب الاتفاقية التى وقعها العراق والولايات المتحدة الأمريكية فإن الولايات المتحدة ملزمة بسحب قواتها العسكرية من العراق قبل نهاية السنة الحالية. أمريكا لم تتنصل من الموعد وان كانت تملك القوة لفرض إرادتها، ولكنها تحبذ تمديد الموعد بطلب من الحكومة العراقية بسبب تصاعد الأعمال الارهابية فى العراق منذ بداية السنة الحالية سواء كانت من القاعدة أم من البعثيين أم من غيرهم. لقد ثبت أن الجيش العراقي، فى الوقت الحاضر فى الأقل، ليس فى حالة تؤهله على التصدى للارهابيين بدون معونة وإسناد من قبل القوات الأمريكية، ولايحتاج للمرء أن يكون خبيرا عسكريا ليدرك هذه الحقيقة المرة.

لا ريب فى أن جميع رؤساء الكتل والاحزاب يدركون ذلك، لكن أكثرهم يقدمون مصالحهم الشخصية والحزبية على مصلحة البلد. من المضحك المبكي أن لا أحد منهم صرح ولو برأيه الشخصي عدا الكتلة الصدرية -التى تتفق مصالحها مع مصالح ايران- فهى تطالب بانسحاب القوات الأمريكية منذ ان أعلن عن تأسيس الكتلة فى 2003، وباقى الكتل -عدا الكردستانية- كل منهم ينتظر الآخر ليبدى رأيه ليسارع الى معارضته مهما كان رأيه لغرض الحصول على مكاسب سياسية. المالكي لم يعبر عن رأيه بصورة واضحة بل ترك لحزبه (حزب الدعوة) أن يطالب بالانسحاب فى الوقت المحدد. إنه يدرك كما يدرك الجميع أن القائمة العراقية ستقف ضده مهما كان قراره. أغلب الظن أن المالكي يرى أن تأجيل الانسحاب هو فى مصلحة العراق، ولكنه يخشى التصريح بذلك لئلا ينفرط عقد كتلته الوطنية التى تضم الكتلة الصدرية التى شاءت الأقدار أن تحصل على أربعين مقعدا فى البرلمان، وقد ينضم اليها أتباع الحكيم وكتل صغيرة أخرى. وبعكسه فان علاوي وقائمته العراقية ستتفق مع الكردستانية الحاصلةعلى 43 مقعدا فى البرلمان العراقي، فلا يبقى أمام المالكي غير التنحى عن الحكم فيدخل العراق فى دوامة أشد بكثير من الدوامة التى حصلت بعد الانتخابات مباشرة. ومهما يكن قرار المالكي فانه فى مأزق لا يحسد عليه. وفى رأيي المتواضع أن يطلب المالكي من مجلس النواب التصويت ويؤخذ برأي الأغلبية لتقرير تمديد بقاء القوات الأمريكية أو انسحابها.

قرأت قبل قليل هذا الخبر الذى نشرفى عدة صحف عراقية:
قال السيد طارق الهاشمي احد قادة القائمة العراقية نائب رئيس الجمهورية: إن مسؤولية تحديد الحاجة لبقاء قوات أميركية في العراق بعد نهاية العام الحالي تقع على عاتق رئيس الوزراء نوري المالكي بإعتباره رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، دون الحاجة إلى عقد حوارات بين الكتل السياسية للبت في الأمر.
وأوضح الهاشمي في مقابلة مع وكالة رويترز أن القائمة العراقية تعتبر المالكي المسؤول عن الملف الامني بوصفه وزير الدفاع والداخلية والأمن القومي ورئيس جهاز المخابرات ويتعين عليه تقديم تشخيص حقيقي لاستعداد القوات المسلحة وتوقعات الأمن القومي العراقي بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق

وأضاف الهاشمي أن ممثلي الكتل السياسية في مجلس النواب سيتخذون بعد ذلك الموقف المناسب بالقبول أو الرفض وتأتي تصريحات الهاشمي ردا على موقف المالكي الذي قال قبل عدة أسابيع إنه لن يحدد موقفا من مسألة بقاء قوات أميركية في العراق إلا بعد أن تتوصل الكتل السياسية إلى موقف وطني موحد). انتهى.

وهذا التصريح يؤيد ما ذكرته من أن القائمة العراقية تنتظر قرار المالكي لتعارضه فى كلتا الحالتين، فإن قبل بالانسحاب فى موعده ستقول انه ينفذ سياسة ايران، وإن رفضه ستقول أنه عميل أمريكي!!. الصراع المتنامى بين القائمة العراقية ودولة القانون لا يبدو أنه سينتهى فى المستقبل المنظور بسبب تعنت جميع الأطراف، غير مبالين بالأضرار التى أصابت وتصيب البلد جراء ذلك. لست أدرى لماذا لا تسحب القائمة العراقية وزراءها من الحكومة الحالية وتشكل جبهة معارضة قوية داخل البرلمان لمراقبة أعمال الحكومة فتنقذ البلد من هذه الأزمة التى تعصف به وتجره جرا الى الدمار؟ قد يشعر علاوي أن منصب رئيس المعارضة لا يليق به، وحتى عضوية مجلس النواب لا يعيرها اي إهتمام بدليل عدم حضوره جلسات المجلس إلا نادرا. وهذا غير مقبول بل يشكل استخفافا بالناخبين الذين منحوه أصواتهم. فى كل دول العالم الديموقراطي لا يضير رئيس دولة أن يكون رئيسا للمعارضة اذا ما فاز خصمه برئاسة الدولة. أليس من الواجب على القادة فى القائمة العراقية أن يقنعوا رئيسهم بالتخلى عن عناده؟

لا أجد اي خطر أجنبي جدي يهدد العراق حاليا، ولكن مخاطر حروب داخلية يبقى قائما ما دام الزعماء السياسيون والدينيون يتخاصمون على المناصب وما يتبعها من مكاسب مادية ومعنوية لهم ولا يفكرون بمصلحة الشعب المبتلى بهم. وهنا نتساءل هل تستطيع قوى الأمن الداخلى الحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين وتفكيك الميلشيات من كل الانتماءات والاتجاهات السياسية والقومية والدينية والمذهبية؟ الجواب الواقعي هو كلا. وكما هو معروف للجميع أن الكثير من قوى الأمن بما فيها أفراد الجيش والشرطة يدينون بالولاء لشيوخ العشائر ورجال الدين ولرؤسائهم السياسيين الذين ينتمون اليهم أولا وقبل كل شيء.

للولايات المتحدة المئات من القواعد العسكرية فى 150 بلدا معظمها تقع جنوب و غرب روسيا. والشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيه حصة كبيرة من هذه القواعد. وهناك قواعد أمريكية فى بعض الدول الكبرى مثل ألمانيا واليابان وبريطانيا، وكذلك فى ايطاليا وبلجيكا وغيرها. وفيما يخص البلدان العربية فبالاضافة الى العراق توجد قواعد أمريكية فى قطر والبحرين والكويت. أما القواعد الأمريكية فى السعودية فقد أغلقت فى شهر آب /اغسطس 2003 وانتقلت من قاعدة الأمير سلطان الى القاعدة الجوية فى العبيد فى قطر. لا أحد يستطيع القول بأن هذا الوجود الأمريكي على اراضي تلك الدول ينتقص من سيادتها، فلماذا تدعى القائمة الصدرية ومن لف لفها بأن وجود الجنود الأمريكان على الأرض العراقية وبموافقة حكومة العراق ينقص من سيادته؟ بالاضافة الى القواعد المذكورة فان هناك سفنا عسكرية أمريكية مسلحة بأحدث الأسلحة والصواريخ والطائرات تشكل قوة ردع هائلة لكل دولة بضمنها ايران قد تفكر فى الهجوم على العراق او اي بلد آخر من بلدان الخليج.